الأتاتوركية والأردوغانية

الحالة الأردوغانية

إن مشاركة الكنيسة في حكم أوروبا مايزيد عن ألفية كاملة، منذ العام 313م وإعلان قسطنطين العظيم “مرسوم ميلان” لمداعبة مشاعر شعوب الشرق ضد الجنرالات في روما، ليست سوى مقاربة من آلاف المقاربات التاريخية التي لها من السِعة أن تستحوذ على مجلد بالغ الضخامة؛ لكنها أيضاً تحتاج التعامل بإدراك وحرص مع المعطيات التاريخية، وإجراء فرز للمعلومات المضللة التي قد تغير ملامح السرد التاريخي لحزمة معينة من الأحداث جذرياً.

للحق إن خطابات أردوغان الاستعراضية استطاعت ملء آذان جماعة الإخوان المسلمين وأتباعها فخراً زائفاً بتراث عثماني، برغم تاريخه الحربي الحافل، إلا أنه لم يقدم الجديد للإنسانية إذا ما قارناه بالتراث الفكري والعلمي للأمويين، في الشام والأندلس، أو للعباسيين؛ والذي بالفعل يستحق أن يبعث على الفخر.

فإذا أمعنا في حرصه الشديد على زيارة قبور السلاطين العثمانيين؛ وتصريحات مداعبة مغلفة بالخطاب الديني، هنا وهناك، عن فلسطين والانتفاضات العربية؛ وزيارة لموقع تصوير المسلسل التركي المشكوك في مراجعته التاريخية “قيامة أرطغرل”؛ والتغييرات السياسية الكبيرة التي يجريها التي قد توحي بالعزم علي اقتلاع العلمانية “الأتاتوركية”؛ وغير ذلك الكثير.

ومسألة التطور في سياسة أردوغان الخارجية، من طور التذمر حيال عدم الحصول علي قطعة من الكعكة الإقليمية إلى الغطرسة في التعامل مع قوى سياسية واقتصادية دولية، تجعل التساؤل المُلح هو: هل لإردوغان ونظامه النجاة بالسلطة من الضغوط التي تُمارس عليها وفي ظل أزمة اقتصادية يصفها الكثيرون بالخانقة؟.

آخر المقامرات

بعد أن شهدت شعبية أردوغان وحزب “العدالة والتنمية” تراجعاً ملفتاً منذ آخر الاستفتاءات الدستورية في العام ٢٠١٠م، حيث بلغت نسبة الموافقة آنذاك إلى ٥٧,٠٩٪‏ وفقاً للنتائج الرسمية في مقابل ٥١,٠٤٪‏ في الاستفتاء الماضي في ٢٠١٧م.

وفي حين لم تتغير خريطة التصويت في المحافظات التركية كثيراً، طبقاً لـ” الإنفوجراف” الانتخابي الذي تنشره جريدة “yeni safak” التركية بصفة دورية، والذي يوضح أن الكتلة التصويتية لحزب العدالة والتنمية موجودة في الأغلب الأعم في المناطق الريفية النائية، وأن الكتل التصويتية المعارضة سواءاً في المحافظات الرئيسية غرب وجنوب غرب تركيا ومنطقة المضائق خاصة “استنبول” حيث التواجد القوي للقوميين “الأتاتوركيين” وأبرزهم حزب “الشعب الجمهوري”، وشرق وجنوب شرق تركيا حيث الأكراد وأبرزهم حزب “الشعوب الديموقراطي” – الذي يدور في فلك حزب “العمال الكردستاني” – واللذين تحولوا بـ”الكامل” للمعارضة بعد اجتياح عفرين في عملية “غصن الزيتون”.

فإن ذلك الفوز الشاحب، والذي جدد شباب دورات أردوغان الرئاسية لفترتين أخريين يدق ناقوس الخطر في الوقت ذاته؛ وخصوصاً في ظل أزمة اقتصادية وتراجع لقيمة الليرة نتيجة للتدخل المبالغ فيه من أردوغان في سياسات البنك المركزي التركي وتخفيض أسعار الفائدة مداعباً المتأسلمين.

تلبية أردوغان لدعوة الانتخابات المبكرة من قبل “دولت بهجلي”

فجاء أعلان أردوغان في إبريل الماضي بناء على طلب “دولت بهجلي” رئيس حزب “الحركة القومية التركية” عن انتخابات رئاسية مبكرة في أغسطس القادم؛ وحتى إن إفترضنا أنها رغبة “بهجلي” نفسه والذي تحوم الشبهات حوله؛ فسيكون المثير للتعجب والاستفهام هو تلبية أردوغان لطلب حزب “الحركة القومية” رغم احتمالية تأثير هذا الطلب على الاقتصاد المتأزم.

ومن الأشياء المثيرة للاستفهام كذلك كانت التعديلات التي أجريت على قانون الانتخابات والأحزاب السياسية وأبرزها الاعتداد بالأوراق الانتخابية غير المختومة؛ ثم الإعلان عن طبع نصف مليار بطاقة انتخابية حيث من يحق لهم التصويت 55 مليونا تقريبا يشملون المغتربين بالخارج.

وفي ذات السياق؛ ونقلاً  عن جريدة “الأهرام” في يونيو ٢٠١٨م وفي تصريح لـ”محرم أنجه” مرشح حزب “الشعب الجمهوري” لجريدة الـ”فاينانشال تايمز” البريطانية وصف فيه الوضع السياسي التركي قائلاً: إن العاملين فى الخدمة العامة يخافون من التقاط صورة معي، لأن أصحاب المحلات التجارية يتساءلون عما إذا كان مفتشو الضرائب سيطاردونهم إذا شاركوا فى تجمع انتخابى لأنجه.

وكذلك توقيت إعلان جريدة “حريت” التركية في ٢٢ مارس الماضي عن بيع رجل الأعمال التركي “إيدن دوغان” مجموعته الإعلامية والتي تتضمن ذات الجريدة، وهي المجموعة الأشهر على مستوى الأناضول، إلي رجل الأعمال “دمير أورن” المقرب والمدعوم من حكومة أردوغان.

هل الدعاية الانتخابية الأردوغانية نزيهة؟

سد “إليسو” التركي على نهر دجلة والعلاقة مع العراق

وفي خصوص الدعاية الانتخابية الأردوغانية غير النزيهة فقد صرح رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” في المؤتمر الصحافي الأسبوعي في ٥ يونيو ٢٠١٨م: إن العراق فوجئ بقرار تركيا البدء بملء خزانات سد “إليسو” مبكراً عما تعهدت به؛ وأن الحكومة التركية تعمدت هذا التوقيت في ملء سد “إليسو”، وطلبنا منهم عدم ملئه في هذا التوقيت؛ و أن الموضوع هو برمته موضوع سياسي وانتخابي؛ إذ أرادت تركيا استغلاله ورقة لكسب أصوات المزارعين الأتراك.

ومن أثينا، علقت الصحف اليونانية على التحركات الاستفزازية لتركيا فى شرق المتوسط، وذلك بعد إعلان شركة البترول التركية الوطنية “تركى بتروليوم” أن أول حفارة تركية تصل إلى شرق المتوسط اليوم الأحد؛ وقالت صحيفة “كاثيميريني” اليونانية إن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي نفذ تهديداته بالبدء فى التنقيب عن البترول والغاز فى شرق المتوسط قبل نهاية الصيف؛‪ ‬ وأرجعت الصحيفة التحرك التركى إلى مساع للدعاية وكسب المزيد من الأصوات قبل الانتخابات.

ماذا بعد؟

يحلم الأتراك بالتمدد في الهلال الخصيب لاعتبارهم سهول تلك المنطقة امتداداً طبيعياً لهضبة الأناضول؛ وذلك منذ العهد العثماني الغابر؛ وهو ما يسعى أردوغان لإحيائه بمجرد الحصول على فترات أطول في الرئاسة تمكنه، وتمكن حزبه من تحويل نظام الحكم إلى النخبوي الأوليجاريكي.

لكن صدقني ياعزيزي، حين تكون الحكمة “اركب الحمار الغريب إلى حيث شئت، ثم اذبحه لتبيع لحمه في الأسواق”؛ وحين تكون إزدواجية المعيار والقياس والاستدلال الفاسد هما المنهج؛ وحين تبرر الغايات الوسائل باسم الدين؛ فستستحيل رفعة شأن هذا الدين، حتى إن حكم أصحاب هذا الدين العالم بأسره، دون غيرهم. ولكم في بني إسرائيل العبرة.
لعلكم تعقلون

فيديو مقال الأتاتوركية والأردوغانية

أضف تعليقك هنا