بلاد كحلة – المغرب

بقلم: حسن الكندافي

جدير بمَنْ لا يقرأ تاريخ البلد الذي ينتمي إليه، أن يحيا صامتا مثل بعض الكائنات من حولنا. فلا يعقل بأيّ حال من الأحوال كمغاربة أن نجهل تاريخنا. و”إن كان ليس لنا من وطننا إلا الألقاب والأسماء”.1

 شذرات من تاريخ المغرب

لقد مرّ المغرب عبر التاريخ بأزمات ومجاعات وكوارث عصيبة كثيرة، فقام ببعض الإصلاحات والتغييرات، وخضع مجبرا (لِلْحَرْكَاتِ) والغزوات والمعارك الداخلية كيْ يحافظ على وحدة البلاد وتماسكها تحت قيادة مركزية، وأحيانا قيادة متنقلة للأسباب السالفة الذكر وغيرها. دون إغفال مشكلة الثغور المحتلة واسترجاع بعضها.

وهكذا استمرت الدولة، وبقيت على قيد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس بفضل التخطيط السياسي وحده، وإنما بفضل الشعب الذي كان ينأى بنفسه بعيدا عن التقسيم والفتنة، ويؤثر الاصطفاف وراء قائد واحد يدين له برباط البيعة والطاعة تحت أنظار أهل الحلّ والعقد. وتدليلا على ما قلته في هذا السياق، وكمثال تاريخي معاصر، من النادر أن تجد شعبا ينتظر عودة مَلِكَيْهِ (محمد الخامس وولي العهد) من المنفى (الخارج). لتكتمل صورة الدولة الحديثة بعد ذلك مع الحسن الثاني ملكا وشعبا.

لقد آثرت عمدا أن أستحضر شذرات من التاريخ المغربي، ليتذكر بعض المحسوبين على الوطن والمتلوّنين السياسيّين بثوب الحرباء،2 تلك العلاقة الوطيدة بين الشعب وحكّامه.

وكيف ضحّوا من أجل استقرار المغرب حتى يومنا هذا. رغم المعاناة الاجتماعية المرتبطة بالحالة الاقتصادية، وضعف القيادة السياسية في بعض الأحيان3 .إضافة إلى تخبُّطِ البلاد داخليا وخارجيا بسبب ما يُحاك لها من لدن الأجنبي، ومن غدر الخونة أدعياء الوطنية حتى سقط المغرب سريعا بين براثن الاستعمار.4

فضائل الشعب المغربي ودور العلماء في التواصل مع الملك

إن الحديث عن مزايا وفضائل الشعب المغربي، لا يمكن اختزالها في مقال أو كتاب، بل نترك للتاريخ دوره في استحضارها. واليوم، ولأننا بصدد الحديث عن مجريات الساعة، بعد أن تداعت الحكومة وسياسيوها ومنتخبوها وإقطاعيوها. على الشعب المغربي – ربما في غفلة من الملك ومستشاريه وعيونه – يرى العقلاء أنه لا بدّ من تدخّل ملك البلاد ليضع حدًّا لتفاهات وزرائه وبعض كبار مسؤوليه، ويقطع الطريق عن باقي مثيري الفتنة من المتسلطين المعروفين لدى القاصي والداني.

وجدير بالإشارة أنه إذا سلَّمْنا بتغييب الحقيقة عن الملك من مقرّبيه، فأين هو دور العلماء في التواصل مع الملك؟ لكن، ولنكون واقعيين ومنصفين. فإننا نلتمس العذر لهم، سيما في الظروف الرّاهنة التي صار فيها مصطلح التطرف والإرهاب والخيانة جاهزا لِوَصْمِ الناس به.

ونظرا لِتَزَلُّفِ الإخوان المتأسلمين المنافقين في ثوب حزبي5، ومحاولة ظهورهم بمظهر المعتدلين، إلى جانب المتصَوِّفِينَ بالحرير (أصحاب مشاريع الزوايا)، والعلمانيين المسيطرين على المشهد الإعلامي. حتى غدا البَوْنُ شاسعا بين الملك والعلماء أهلِ الحلِّ والعقدِ، عكس ما كانوا عليه على مرِّ الزمان. ينظرون في أمور النوازل وأمور الشعب، ويقدّمون النصح الخالص بكل أدب وتوقيرٍ طاعة لله ولرسوله وَلِوَلِيِّ الأمر.

نموذج من نصح العلماء للسلاطين

وتدليلا على كلامنا السابق،نستحضر صورة من صور العلاقة القائمة بين العلماء والسلاطين، تفعيلا لدورهم كصوتٍ للشعب وصمّام أمان للسلطان. يصورُّ لنا اليوسي 6 هذا الواقع من خلال مراسلة رفعها للسلطان إسماعيل بدافع النصح المغلف بثوب أدب العلماء العاملين غير المتخاذلين عن قضايا الرعية المؤمنين بدور العالِم المصيري في توجيه الحياة الاجتماعية من خلال فتواه ومواقفه.

أقتطع هنا ما سجله في شأن استخلاص الضريبية دونما حق: ” فلينظر سَيِّدُنا، فإن جُباة مملكته قد جرُّوا ذيول الظلم على الرعية، فأكلوا اللحم، وشربوا الدم، وامتشوا العظم، وامتصوا المخ، ولم يتركوا للناس دينا ولا دنيا. أما الدنيا فقد أخذوها، وأما الدِّين فقد فتنوهم عنه، وهذا شيء شهدناه لا شيء ظنناه”.7

وحول ضياع الحقوق يقول: “ثم إن أرباب الحق قد ضاعوا، ولم تصل إليهم حقوقهم، فعلى السلطان أن يتفقد الجباة، ويكفّ أيديهم عن الظلم، ولا يغترَّ بكل من يزيّن له الوقت، فإن كثيرا من الدائرين به طلاّب الدنيا لا يتَّقون الله تعالى، ولا يتحفظون من المداهنة والنفاق والكذب”.

كما دعا إلى عمارة الثغور، وركّز على اختلال العدل من طرف الولاة وكل من له سلطة على الناس: “إن المنتصبين للانتصاف بين الناس في البلدان، – وهم العمال وخدّامهم -، هم المشتغلون بظلم الناس، فكيف يزيلُ الظلم َمن يفعله؟ ومن ذهب يشتكي سبقوه إلى الباب، فزادوا عليه، فلا يقدر أحد أن يشتكي. فليتّق اللهَ سيدنا، وليتّق دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب، وليجهدْ في العدل، فإنه قوام الملك، وصلاح الدين والدنيا”.8

بدون استنتاجات لما سبق وعوداً على بدء، يكنُّ الشعب لملك البلاد حبًّا لا جدال ولا مِرْيَةَ فيه. فقد رفضوا فتنة عشرين فبراير، والإنجرار نحو أحلام وهمية مدمرة. ووافقوا على استفتاء الدستور الجديد حبا للملك لا غير. ووقفوا مع القضية الوطنية المتعلقة بملف الصحراء المغربية.

علافة الشعب المغربي بالملك

وغنيّ عن التعريف أنه لا زال المغاربة الشرفاء يثقون في الملك ويبادلونه التقدير والتضحية في سبيل إنماء وإعمار هذا البلد الطيب، رغم تعنّت شرذمة من الحاقدين وبقايا خونة الاستعمار الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، متناسين أنهم يصنعون بحقدهم هذا وتجبُّرهم، أجيالا قد لا تعرف معنىً لحب الوطن والملك مستقبلا. وهذا ما يخشاه الشعب على وطنه وملكه.

إن الجيل الحالي بشتى أطيافه، يعي تماما الروابط القوية التي تجمعه بوطنه وملكه، وما يخلقه ذلك من إظهار للقوة والمَنَعَةِ داخليا وخارجيا. لكن، ولأن الحقيقة مرّة. علينا أن نفهم جيدا أن لوبيات الفساد داخل المملكة المغربية وخارجها، مرورا بالحكومة الكاريكاتيرية9 والوزراء والإدارات والجماعات الترابية والمستشفيات، وكل ما له علاقة بمصالح المواطن المغربي التي لا تستجيب لنداءات الشعب البسيطة ولا لخطابات وتوجيهات الملك، حريٌّ بها أن تُعامل بقسوة لترجع إلى صوابها، وفق ما تقتضيه صلاحيات الملك. ومنه على الخصوص:

  1.  وجوب تدخلِّ ملك البلاد لحلِّ البرلمان وإعادة الانتخابات.
  2.  إعادة النظر في ملفات ممثلي الدولة بسفارات وقنصليات المغرب لدى الخارج.
  3.  إعادة وضع شروط للترشح للانتخابات البلدية والبرلمانية. ومنها منع حمل أكثر من صفة وظيفية.
  4.  عدم السماح بالحديث (وطنيا ودوليا) عن ملف الصحراء إلا من طرف المختصين، وعدم الظهور على الفضائيات ووسائل الإعلام سوى للمؤهلين، وبإذن من جهة عليا يُعيِّنُها الملك. إذ كيف يعقل أن يتصدى من لا بضاعة له في الموضوع، بمناظرة أو محاورة خصم له باع في المناورات.
  5.  ضرورة انتقاء وزير الداخلية من جهاز وزارة الداخلية، وليس من خارجها.10
  6.  إقالة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، لفشله في ترسيخ (الإسلام الوسطي) وإقصاؤه للمذهب المالكي، الذي لا يَذْكُرُ المغاربة منه سوى: روى إمامنا مالك.
  7.  تفعيل الكراسي العلمية على قناة محمد السادس، وغربلة القناة ممَّن له علاقة ببعض الجماعات المعروفة، تفاديا لنشر سمومهم ورسالات قياداتهم عن بعد.
  8.  تكريم العلماء والمخترعين وأساتذة الجامعات والمعاهد والمدارس والرياضيين والمتفوقين علميا وأدبيا، وفي المجالات التي لها دور إيجابي على الإنسانية بشكل عام.
  9.  إلغاء القفة الرمضانية، واستبدالها ببرنامج اجتماعي يستهدف الفقراء والمعوزين والمحتاجين طيلة السنة.
  10. منع استخدام عبارة (تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس) في المنتديات والمهرجانات التي تسيء لشخص وصورة ملك البلاد.11

ومن القرارات والإجراءات الأخرى الواجب اتخاذها من لدن المخابرات والجهات المختصة:

  1.  مراقبة دور الشباب، باعتبارها حاضنة لأفكار وتوجهات مختلفة.
  2.  تقرير سنوي للعمالات والبلديات بخصوص الإنجازات والخطط والمشاريع المنجزة أو قيد الإنجاز أو العالقة، ونشرها ليطّلّع عليها الشعب.
  3.  وضع لائحة بالممنوعين من دخول التراب الوطني من المحرضين على الفتن والثورات والخروج على حكام الدول، أمثال: سلمان العودة – طارق السويدان – عائض القرني- محمد العريفي – عمرعبد الكافي – الجفري – الزغبي- نبيل العوضي – عمر خالد، وبقية المتأسلمين والمنافقين والخونة.

◄هذه القرارات والمقترحات غيض من فيض حتى نرسو بسفينة البلاد ملكا وشعبا في أمان، بعيدا عن مخاطر التوجهات الفكرية المتأسلمة منها أو العلمانية أو الصوفية أو الماسونية. والتوقيت الحالي للملك محمد السادس، هو فرصة تاريخية ونادرة. تتجلى في وجوب سرعة التدخل، وحسم ملف المقاطعة لصالح الشعب المغربي كملف آني(من بين ملفات كثيرة). مع العمل على النقاط السابقة آنفا. فالشعب مع الملك اليوم وغدا. أما اللوبيات التي تؤزم الوضع وتقدح شرارات الغضب لدى الشارع المغربي، فطبعا لا يهمها لا الشعب ولا الملك للأسف.

التاريخ يدوِّن بطريقة غير قابلة للغموض أو التستّر على الحقائق

ونحن نعلم يقينا أن التاريخ يدوِّن مجريات الأحداث بطريقة تكنولوجية واقعية ومفهومة غير قابلة للغموض أو التستّر على الحقائق. ولأن التاريخ يتغير زمانيا، لكنه يعيد نفسه بسياقات وأحداث تكاد تكون متشابهة كأنها تحدث اليوم، فإننا نعلم ما يمكن استخلاصه من حكمة (الخريف العربي) التي قالت: إن طلبات الشعب كانت بسيطة جدا. ولأن من كانوا يمثلون الدولة أساؤوا التقدير (مثل الحكومة الحالية). ويوما بعد يوم تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في غفلة من رأس الدولة وسوء تقدير من المستشارين والمخابرات. فكانت الكارثة.

ليستغل أصدقاء الدولة المزيفون الفرصة بإلقاء اللوم والمسؤولية على رأس الهرم. وصار عبيد الأمس (السياسيون، الإقطاعيون) أسياد اليوم، بعدما ركبوا أمواج الفتنة والإحباط التي صنعوها للمجتمع بأنفسهم، ليربحوا الرهان (المخطَّط له)، وإن على حساب ضياع وتمزق الوطن.

نعلم أن الشعوب الذكية لا ترضى الدمار لبلدانها، وتتعالى أن تسقط، أو تنجرف في فخ هذا المستنقع. لكنَّ دراسة التاريخ تخبرنا بأن الوضع الاقتصادي المتردي كان دائماً وأبداً سبباً مباشراً في سقوط الأنظمة الحاكمة وانهيار الدول، ولعل أبرز مثال على ذلك الثورة الفرنسية التي بدأت أحداثها سنة 1789، وذلك أيضاً ينطبق على الأحداث التي شهدتها الدول العربية.

وعلى النقيض من ذلك، ورغم تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية، نجد الشعب المغربي على امتداد التاريخ كما ذكرنا سلفا، صنع صورة مشرّفة في تلاحمه مع حكّامه حتى يومنا هذا. لذلك يبقى الملك رمزا وسيّدا للبلاد، ويبقى الشعب المغربي بذكائه وعزّته حاميا لاستمرار الملكية، في تلاحم قوي للحفاظ على هذا الوطن العزيز، بعيدا عن أيدي العابثين من محدثي الفتنة في البلاد، والمضرّين باقتصادها وتاريخها من مسؤولين وحكوميين، ورجال أعمال معروفين بفسادهم وغوغائيتهم، وبإشعال نار الفتنة التي لا تُحمد عقباها في المغرب.

تاريخ المغرب يدلك على الصادق والخائن

إنّ الباحث والمتفحص لتاريخ المغرب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يعلم بلا ريب من كان بجانب سلاطين وملوك المغرب، ومن كان خائنا و(مدواخاً وجيعانا وقطيعا ومجهولا…). لهذا كله، يستحق المغاربة حاضرا ومستقبلا أفضل، لا سيما أن الماضي كان أسوء على مرّ التاريخ بوجود قطيع سياسي منافق وجشع، ومع ذلك تحمّل الشعب أوزار غيره بإيثار ونكران للذات منقطع النظير. ليعكس بذلك الميزة الجيدة له مع ملوكه وولاة أمره، وأنه على السمع والطاعة في المكره والمنشط.

ولهذه الأسباب مجتمعة وجب الإسراع باحتواء الموضوع، وكسب نقاط القوة مع الشعب ولصالح الشعب والملك. وهكذا عوض أن تكون بلادنا (كحلة)! بسبب أفعال وسلوكات بعضنا الدنيئة، لمَ لا نرتقي جميعا؟ حتى يصير بلدنا مضرب الأمثال في الرقي والإزدهار والمحبة والتآخي، بعيدا عن المصالح الشخصية. تحت قيادة الملك محمد السادس. وبالتالي تصبح بلادنا (بيضة)، بعدما كانت (كحلة) في زمن شياطين الإنس الموسوسة، وآلهة الفساد التي تستضعف الشعب المغربي، بعيدا عن آلياتالمسؤولية وميزان المراقبة والمحاسبة والعقاب لمن يستحق في هذه البلاد.

بقلم : حسن الكندافي
مهتم بالقضايا الاجتماعية وبدراسة (الجماعات الإسلامية)


  1. أحمد ابن سودة كتاب حديث المفتي ص 196 ط 1965
  2. المصدر السابق عنوان الصفحة (السياسة هي أن تلبس ثوب الحرباء) ص 22
  3. فترة ما بعد وفاة المنصور الذهبي – فترة الحسن الأول (1873 – 1894) – فترة السلطان عبد العزيز (1894- 1908) فترة السلطان عبد الحفيظ (1908-1912) نموذجا.
  4. يرى محمد أركون أن الدول التي تم استعمارها كانت مهيأة للإستعمار، على عكس عبد الله العروي الذي جانب الصواب والحقائق. دون أن نغفل تملقهما معا للغرب ودفاعهما عنه باعتبار الإستعمار كان له دور في إيقاظ الوعي العربي. على حدّ تعبير محمد أركون.
  5. انظر مقالنا بعنوان ” حزب الأشرار” ملحوظة : كنت أرسلت المقال لرشيد نيني عبر الماسنجر، وردّ عليّ بسؤال إن كنت مقتنعا بما كتبته عن حزب العدالة والتنمية
  6. اليوسي فقيه مالكي، ولد حوالي (1631 م 1040هج ) وتوفي (1102هج).
  7. كتاب: عنوان النَّـفاسة في شرح الحماسة لأبي عبد الله محمد بن قاسم أبن زاكور الفاسي ج 3 تحقيق الدكتور مصطفى الغفيري.ص 23
  8. المصدر السابق
  9. انظر مقالنا بعنوان “موازين الضحك والبكاء في السياسة”
  10. ليس معقولا أن يكون الوزير من خارج جهاز الداخلية، لأنه بذلك سيكون مجرد ديكور ليس إلا. وكمثال على ذلك ، محند العنصر نموذجا. وزير الداخلية في حكومة بنكيران بين (2012 و 2013).
  11. مهرجان موازين المخزي نموذجا.
أضف تعليقك هنا