حكم العسكر !!

كتب الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار ـ نقل بتصرف ـ : إن السيف والسياسة لا يجتمعان في غمد واحد ؟! فجعل السلطة في أيدي الضباط وإشغالهم بالسياسة والإدارة قد أضعف الدولة ـ يقصد العثمانية ـ وقسم القوة فيها على نفسها ، وكان أهم أسباب الخذلان.

  مآل الأمم المستبدة والدول الظالمة

يقول الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار تحت عنوان ” فاتحة السنة السابعة عشرة ” بتاريخ المحرم – 1332هـ ديسمبر – 1913م : بنى محمد علي في مصر ركني الثروة والقوة على أساس العلم ، ولو أتم أحفاده ما بدأ به ببناء ركني الأخلاق والآداب ، على أساس الدين وسنن الاجتماع ، لَتَمَّ لهم تكوين الأمة ، ولاستقام لهم بالأمة أمر الدولة ، فهذا العصر عصر الأمم والشعوب ، لا عصر الأمراء والملوك ، ولكن جميع أقيال المسلمين ، كانوا – ولا يزالون – عن هذا غافلين ، { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا  فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } ( فاطر : 44 ) ، { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } ( غافر : 21 ) ، { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ( الروم : 9 ) .

نعم ، إنهم لم يسيروا في الأرض ، لأجل الاعتبار بسنن الله في الكون ، فينظروا في سوء عاقبة الأمم الجاهلة النائمة ، ومصير الدول المستبدة الظالمة ، وحسن عاقبة الأمم العالمة العاملة ، وسيادة الدول المنظمة العادلة ، وكيف أن إصلاح الأرض وعمران الدور ، لا يغني عن إصلاح الأخلاق وارتقاء الجمهور ، ولو ساروا لَمَا نظروا ، ولو نظروا لَمَا أبصروا ، ولو أبصروا لَمَا اعتبروا.

أي عمى أشد من عمى الاستبداد ؟!

{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ } ( الحج : 46 ) ، وأي عمى أشد من عمى الاستبداد ؟ وهو مصدر كل فساد وأصفاد ، حتى إنه يفسد الطباع ، ويغير الأوضاع ، ويقطع رابطة الزوجية ، ويزيل عاطفة الأبوة والبنوة ، فيغري الولد بقتل والده ، والوالد بقتل ولده ، وكيف يؤمن على حياة أمته ، من لا يكبر عليه قتل والده أو ولده ؛ إذا هو نازعه في سلطته ، أو عارضه في إرادته ؟ فانتظار الأمم أن يكون صلاحها ورشادها ممن لا حظَّ لهم من حياتهم إلا استذلالها واستعبادها ، اتباعًا لترفهم ونعيمهم ، وافتتانًا بإطرائهم وتعظيمهم ، يشبه طلب العلم من الجاهلين ، والتماس الهدى من الضالين { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا.

فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ( هود : 116- 117 ) .

إختلاف أحوال الزمان والمكان !

ألا إنه لا بقاء مع ظلم وفساد ، ولا عدل مع استبداد ، ولا هلاك مع إصلاح ، ولا إصلاح للدولة إلا بصلاح الأمة ، ولا صلاح لأمة إلا إذا كان فيها بقية من أولي الرأي والعزم ، يأمرون بالصلاح وينهون عن الفساد في الأرض ، ولا تأثير للأمر والنهي إلا بإجماع الأمر وإحكام الرأي ، ولا يفيد الإحكام والإجماع ، إلا مع مراعاة سنن الاجتماع ، لاختلاف استعداد الأقوام ، باختلاف أحوال الزمان والمكان.

فيديو مقال حكم العسكر !!


أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان