في غياب عبدالناصر أردوغان واثق الخطو يمشي ملكاً..

الغروب العربي

تُشير الساعة العربية إلى غروب مُرتقب لمشروع عربيّ يحمل ريادة خلاص هذه المجتمعات رغم ما حدث من ثورات ظنّنا جميعا أنّها أعادت الاعتبار إلى هذه المنطقة، ولمّا كانت فلسفة الغروب تُنذر بأفول الشمس ونورها وبداية الظلمة الحالكة فإنّنا نرى ما هو قادم ظلاماً دامساً يُثير الريبة فيدفع بأقلامنا أنْ تكتب عن واقع أمتنا العربية.

في العنوان مقارعة بين رجلين لا ينتميان إلى نفس الحقبة التاريخية ولكنهما في نظري يحملان المشروع نفسه، الأوّل قومي عربي والآخر قومي تركي بلبوس ديني، وقد نزعنا عن الأوّل لبوس الدّين لأنّه معطى ثابت من ثوابت تكوين أمتنا و أقررناه للثاني لأنّه مكينة إعلاميّة لبسْط نفوذ يجد له في التاريخ من المبررات (الخلافة العثمانية) ما يجعله قائماً من أجل استمالة عقول البعض والزجّ بها في أوهام لا حدّ لها.

رحيل عبد الناصر

كلّ ما في الأمر أنّ الخليفة العثماني انتظر الكثير حتى يلتحق عبد الناصر برفيقه الأعلى، و رغم أنّ زعيم العرب غادر أرضنا في 28 سبتمبر 1970 تاركا أمة بأكملها في مهبّ الريح فإنّ الشعوب تستدعيه في كلّ لحظة مثالاً ورمزا للعزّة والكرامة والنخوة، ما جعل ضباع الأمم من حولنا تخشى أن تدوس تراب وطننا أو على الأقل تُعلن نفسها بديلاً ثوريًّا، وظلت على امتداد نصف قرن تؤجّل حنينها.

ها قد رحل عبد الناصر ودخلت الشعوب العربية في حقبة جديدة فاتحة أبوابها للجميع، فإذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ مولِــعــاً  فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ، نعم يا سادة الجميع يرقص. ولا حياة لمن تنادي كما قال الشاعر. وفي ظلّ هذا الخبط العربي يترجلّ أردوغان مطمئنا واثق الخطوة يمشي ملكا، بعد أن أعلمته جماعته أنّ زعيم العرب شبع موتاً، يمرّ لطمأنة أتاتورك في قبره بأنّ أمته (تركيا) بخير، ويستعير جلباب الدّين ليعبث فيما تبقى من هذا الوطن، فلم يكفه ما دنسته صديقته الإسرائيلية من العرض والأرض.

زيارة أردوغان للوطن العربي

هلّ منذ شهور على وطننا العزيز من مشرقه إلى مغربه الشيخ ابن القارح -إنْ سمح لنا أبو العلاء المعري استعارة شخصيته- طالباً شفاعة الأرض، وفي عملية رمزيّة مُفعمة بالرسائل المشفّرة يبدأ من سلة غذاء العالم العربيّ كما يحلو للبعض أن ينعتها ، فابن القارح هذا يعشقُ الملذات، ومن حقّ أمته (تركيا) عليه أن يضمن لها غذاء المستقبل، وفي رمزية السودان تهكم على عبد الناصر، فهذا البلد كانت له رمزيّة خاصة بمصر العروبة، وقد تستهويك تفاصيل السياسة أكثر فترى شيخ الإسلاميين هذا يطرق أبواب أصدقائه هناك، فالسودان تحكمه مرجعية الإسلام السياسي الذي يتمجّد بالخليفة العثماني الجديد، وليس غريباً أن ترى كلّ ذاك الترحيب من أخوتنا في السودان فلهم الحق في أن يفتخروا بما اختاروا فلا حرج. إنْ كان الأمر اعتقادا وتصوّرا.

زيارته لتونس

يمضى شيخهم نحو تونس مهد ثورات الربيع العربيّ، وهناك أيضا لا شيء يمنعه فالتوافق يضمن له استراحة جيدة في ربوع الخضراء، وبالقرب من تمثال ابن خلدون رائد الاجتماع يحطّ مخلّص الشعوب الواهمة رحاله رافعاً شعار رابعة دالة سيمائية على حلم قديم، صحيح أنّ البعض يرفض مجيئه فالتنوع يغلب على الساحة التونسيّة، ولكنه أتى تحت رعاية الشيخين فهللت أهلاً وسهلاً يا سيدي الكريم، فنحن لم يعد لنا زعيم في الوطن العربي، ولك أنْ تعبر بسلام من أجل حفل شواء مرتقب. وقد لا أعرف سبب زيارتك، فهذا ليس من شأني، ولكن على يقين أنّه في مصلحة أمتك (تركيا) وليس من أجل سواد عيوننا       – كما يقال- ، أو ربما من أجل سوريا جديدة في المغرب العربيّ أو مشروع إيالات عثمانية جديدة تُعيد حنينا مضى. وقد يواصل رحلته إلى ربوع أخرى من الوطن العربي فهو ابن الشعارات المنمقة، ولكنّ لا أظنه يقترب من بلد الزعيم، فهو وبرغم رسائل الطمأنة في كوْن عبد الناصر شبع موتاً يظلّ خائفاً من فلسفة الجمع هذه، فعروبة المكان تأبى في غياب عروبة الحكّام.

ضياع الامة العربية

وقد لا يُعجب كلامنا هذا الكثير، ولكنه حقيقة لا مفرّ منها، فقد تكالبت علينا الأمم من حولنا حين أضعنا مفاتيح هويتنا ودنسنا تراب عروبتنا، وقد يتهمك الكثير بجرعة الناصرية فيما تكتب فنقول لهم هي فلسفة في الحياة لها مالها وعليها ما عليها وليست وحيّا منزّلا، ولكنها تظلّ مشروعا قائما بما فيها من جوانب إيجابية نستدعيها في هذا الزمن بديلا. وليس هذا نداء لإعادة الماضي وتكريره، وإنّما نظرة خاطفة من حولنا في قضايا أمتنا، وليكن شيخكم هذا مثالا لكم ولكن على الأقل من واقع تربتكم لكي تكون مقولاتكم منسجمة مع نفسها…فهل سيرتاح ناصر في قبره بعد أن أقحمته في معركة ليست متكافئة تاريخيا؟

أظن أن الإجابة عن هذا السؤال موجودة، فالناصرية مشروع أكبر من ناصر نفسه ولكن المقصود من السؤال هنا معنى آخر بلغة التداوليين في علم الخطاب، فلنترك للإسلاميين المحتمين تحت ظلال أردوغان فسحة البحث عن المعاني الثواني من هذا السؤال…

فيديو مقال في غياب عبدالناصر أردوغان واثق الخطو يمشي ملكاً..

أضف تعليقك هنا