قمة الأصوات

 استغرابي من توقف كبار المقرئين الطويل

منذ صغري كنت أستغرب إطالة كبار المقرئين للتوقف بين الآيات، وأجده بلا معنى لضحالة فهمي آنذاك، ثم اتجهت للاستماع إلى مقرئين وأئمة مساجد من الحرمين ابتداء من الراحل عبدالله خياط بطريقته المميزة ذات الإلقاء المتسلسل والنبرة الخاشعة التي تصل للمستمع بدون حتى أن يسبغ الشيخ في التعبير والوصف، حيث تشعر بذلك في ذبذبات صوته.

تأثير الإمامين السديس والشريم على من بعدهم

ثم انتقلت إلى الإمامين الأكثر شهرة في العصر الحديث، و هما أصلان كثر مقلدوهما، وبالطبع لا يمكن للأستاذية أن تتكرر، ولكن يجب أن تتأثر بالسابقين والمعاصرين، وأرى تأثير الإمامين السديس والشريم واضحاً على كثير من القراء الذين تلوهم،

مشاري العفاسي

ثم اشتهر الشيخ مشاري العفاسي من الكويت حتى صار حديث الناس لفترة ولا زال. واتجهت أذني له مع المتجهين، وكصاحب أذُنٍ شديدة الرهافة، توصلت إلى أن هذا القارئ قد يكون الأكثر مهارة، حيث جمع بين سرعة الإمام في الصلاة وقدرة القارئ في المحافل القرآنية على تجسيد المعنى بحرفية وإتقان ينُم عن موهبة راقية، وممارسة وتدريب لا ينقطعان، أوصلته لهذا المستوى. وأعتقد شخصياً أن قدراته تفوق بكثير ما سمعناه منه حتى اليوم.

أشهر القراء المصريين

ثم تعرفت بعدها عن قرب على صوت النقاء اللامع الذي بلغت شهرته الآفاق، وطافت قراءاته العالم أجمع وهو الشيخ العلَم عبد الباسط عبد الصمد، ووجدت في قدراته الصوتية إعجازاً تصعب مجاراته حتى ليحلق بك في فضاءات الآيات الكريمات، وبالتزامن معه أو غير بعيد عرفت، وأدمنت الاستماع للصوت الذي ترتجف عُرَبه رهبةً من كلام الله، وتحس معه بقدسية الوحي وعِظَم أمره ومسؤولية حمل أمانته التي أبتها الجبال، وأشفقن منها، وهو شيخنا الجليل محمد صديق المنشاوي عليه رحمة الله وعلى جميع من ورد اسمه هنا.

ثم عرفت أن هناك اسماً لطالما كنت أسمع أذانه، وأستعذب صوته الذي يرن كقيثارة ليست كقيثارات الدنيا ولا أعوادها ولا أي من آلاتها التي صنعها الإنسان، صوته في الأذان على القنوات المصرية مترسخ لا يمكن نسيانه، ولا يمكن كذلك أن أنسى فرحتي بسماعه يقرأ من الذكر الحكيم، ثم عرفت أن له مكانة خاصة جداً عند كبار الشيوخ المقرئين وأهل الموسيقى من الملحنين، تصلك الآيات منه مفصلةً واضحةً مفسرة مشروحة، ورغم ذلك كله لا تشعر أبداً أنه تكلف التعبير أو استعرض قدراته الصوتية التي هي في الأساس استثنائية.

يقرأ الآية، ويطيل التوقف ليس لشيء إنما ليتدبر هو الآيات، ونفيق نحن من لذة السماع. سئل الشيخ محمد متولي الشعراوي ذات مرة في حوار تليفزيوني عن رأيه في كل من الشيوخ: محمود خليل الحصري، وعبدالباسط عبدالصمد، ومصطفى إسماعيل ومحمد رفعت. فأجاب الشيخ بقوله: إن أردنا أحكام التلاوة فهو الحصري، وإن أردنا حلاوة الصوت فهو عبد الباسط عبد الصمد، وإن أردنا النفس الطويل مع العذوبة فهو مصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعاً، فهو الشيخ محمد رفعت.

فيديو مقال قمة الأصوات

أضف تعليقك هنا