لا دنيـــا ولا ديـــن ؟!

أنَّى تصلح أمة تركت تجديدها وتكوينها ، إلى من لا همَّ لهم إلا إزالة ملكها ودينها ؟! كلا ؛ إنها كرّة خاسرة ، يخسرون بها الدنيا والآخرة { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ } ( الأعراف : 179 ) .

يتحدث  الشيخ محمد رشيد رضا  الحسيني في ” فاتحة السنة السابعة عشرة ” بتاريخ المحرم – 1332هـ ديسمبر – 1913م عما أبتليت به الأمة وهو ترك تربيةجماهير المسلمين النفسية والعقلية إلى خصومهم في السياسة والدين فكانوا بهذا الخزي من الأخسرين ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا

كيف قطعت روابط الأمة ؟

الأمم تصلح بالتربية ونحن قد أفسدنا المربون – الإفرنج والمتفرنجون – وترتقي بالعلم ونحن قد دلاَّنا العلماء المقلدون المفتونون ، وتقوى وتعتز بجمع المدارس لكلمتها ، ونحن قد أوهنتنا وشقَّت عصانا المدارس ؛ لأنها إما معاهد سياسية وإلحاد ، وإما أديار وكنائس ، قد قطعت روابط الأمة الدينية والمدنية ، وفتنتها بالأهواء والشهوات الحيوانية ، وسرى سم تقليدها إلى المدارس الأميرية والأهلية ، فالمتخرجون فيها أقلهم الذين يسلمون ، ومنهم الملحدون وأكثرهم الفاسقون ، يجرفون ثروة الأمة إلى الأجانب ، ويقذفونها بالفجور والنفوذ الأجنبي من كل جانب ، ويتغلبون فيها على المناصب فينالون منها جميع المآرب ، يحقرون لها سلفها ، ويعظمون في نفسها كل ما هو أجنبي عنها ، فيقطعون جميع روابطها المِلِّيَّة ، ويزينون لها ذلك باسم المدنية ، فهم المنافذ والكوى التي يدخل منها الفساد ، وهم الآلات التي يستعين بها الأجانب على إدارة أمر البلاد ؛ لأنهم تربية مدارسهم ، بل صنع معاملهم ، أو الجيش السلمي لثكناتهم ، ولا يتم لهم ما يسمونه الفتح السلمي بدونهم ، ولأجل هذا ربوهم هذه التربية المذبذبة ، وحشوا مخيلاتهم بمسائل العلوم المضطربة ، فلا هم صاروا بها أوربيين ، ولا ظلوا مسلمين أو شرقيين ، ولكنهم لغرورهم باسم المدنية الإفرنجية يفسدون على الأمة أمرها ، ويزعمون أنهم هم المصلحون لشأنها ، { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * ألاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } ( البقرة : 11-12 ) .

التربية والتعليم والتنشئة

هكذا ذفف على جرح هذه الأمة من جعلوا أنفسهم أُساة لها وأطباء ، فكان أقتل أدوائها ما عالجوها به من الدواء ، ومن كان له عقل وبصيرة ، فليتدبر ما تقوله فيهم كتب الإفرنج وصحفهم الشهيرة [2] ومن أهمه ما نقلته مجلة العالم الإسلامي الفرنسية ، عن مجلة العالم الإسلامي الإنكليزية ، في سياق الكلام على فتح العالم الإسلامي وهذا نصه : ( اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى في عاصمة السلطنة العثمانية على أن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوربيون كان لها تأثير في حل المسألة الشرقية يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوربة كلها ) ! !

فإذا لم يكن للمسلمين مدارس مِلِّيَّة ، تديرها حكومة أو جماعات إسلامية ، فتربيهم على ما يجمعون به مصالحهم الدينية والدنيوية ، وإذا كانوا لا يعرفون للتعليم غاية إلا المنفعة الشخصية ، وما يتخيلون من المنافع الخسيسة المادِّية ، فإن أوربة تعرف كيف تنشئهم في مدارسها ومدارسهم خلقًا جديدًا ، يكونون بها على توهُّم الحرية خدما لها وعبيدًا ، فهم مقادون من أمامهم ، ومسوقون من ورائهم ، ولكن لا يدرون كيف بدؤوا ولا أين ينتهون { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } ( النحل : 21 ) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَألُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ( آل عمران : 118 ) .

حفظ الهوية .. الإنسان لا يستغني بعقل غيره

ألا إننا في أشد الحاجة إلى الصناعات الإفرنجية ، وما تتوقف عليه من العلوم والفنون العملية ، وإلى الاعتبار بتاريخهم ، وأطوار حكوماتهم وجماعاتهم ، ولكن يجب أن يقوم باقتباس ذلك جماعات منا ، يجمعون بينه وبين حفظ مقوماتنا ومشخصاتنا ، وأركانها : اللغة والدين والشريعة والآداب ، فمن فقد شيئًا من هذه الأشياء فقد فقد جزءًا من نفسه ، لا يمكن أن يستغني عنه بمثله من غيره ، كما أنه لا يستغني بعقل غيره عن عقله ، ولا بجسم سواه عن جسمه ، وإنما نستفيد من العبرة بحالهم ، كيف نرقي لغتنا كما رقوا ، وكيف ننشر ديننا كما ينشرون دينهم ، وكيف نسهل طرق العمل بشريعتنا وآدابنا كما سهلوا طرق شرائعهم وآدابهم ، ولنا أن نستعين على ما نستمده منهم ، بأهل الفضيلة والاستقلال من رجالهم ، الذين ليس لهم فينا أهواء دينية ، ولا مطامع سياسية استعمارية ، وبهذا نكون مهتدين بما أمرنا الله به من السير في الأرض ، والاعتبار بأحوال وبسنة سلفنا ، في جعل الحكمة ضالّتنا ، واعتقاد أنها حيث وجدت فنحن أحق بها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ

تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ

تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ( الأنفال : 24-27 ) .

فيديو مقال لا دنيـــا ولا ديـــن ؟!

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان