لماذا يلحد البعض؟، (الإلحاد والتصور المادي)

لماذا قد يلحد البعض، ويعتقد بدهرية وجوده، هل الملحد يلحد عن ذكاء كما يصوره بعض السطحيين في فهم الاتجاه المادي، أم أن الملحد – وخاصة العربي – يعي حقيقة النزعة المادية والمتدين ( الإسلامي ) جاهل بها؟

#الحلقة_الأولى ” الإتجاه المادي والمحتوى الإلحادي “

تجد البعض يلحد دون معرفة لا بالدين ولا بالعلم – وهما لا يتناقضان – ، فقط يلحد لمسايسة الموجة ومحاولة البروز بصورة المفكر والـ( فيلسوف )، ويعلو صوته بالسخرية فقط دون منهج أو أرضٍ علمية ينطلق منها. وهؤلاء غالب الظن لا يعرفون الاتجاه المادي ولا نظرية المعرفة، ومنهم من اتبع هواه، ومنهم من شكّ فلزمه البحث، ولكنه تكاسل حتى عميت بصيرته.

لماذا يلحد البعض؟

والحقيقة في الجواب على هذا السؤال ( لماذا يلحد البعض؟ ) هو البدء بالتعرف على الخلل المنهجي في الاتجاه الإلحادي والتصور المادي للوجود وفق ما يأتي:

(أولًا) من المعلوم أن المعارف البشرية لا يمكن أن تكون كلها ضرورية، وهي التي تحصل في النفس دون نظر أو اكتساب مثل أن (كل سبب له مسبب)، فهذا ما لا يجادل فيه عاقل، ولا يمكن أيضًا أن تكون كلها نظرية، بحيث يكون كل المعارف البشرية عن طريق النظر والاكتساب فهذا باطل عقلًا لأنه يؤدي إلى ممتنعين إما التسلسل في العلل أو الدور (1).

فضمان استقرار المعارف الإنسانية يقوم على التصديق بالمبادئ الضرورية، وفي ذلك أن كل سبب له مسبب، وكل حادث له محدث. مثال [ لو كنت تسير في الطريق، ورأيت حادثًا مروريًا، أيعقل ألّا يكون هناك طرفين اصطدما؟ أو عربتين؟ أو حتى أنك رأيت الحادثة، وقد وقع هذا بالتصور ] = لا ، طبعًا. والأمثلة كثير. فلا اعتراض على هذا المبدأ الفطري، وإنكاره إنكار للعقل وللعلوم النظرية كلها (الفيزياء والكيمياء والرياضيات).

هذا ما يحاول أن يقنعك به أحدهم أن هذا العالم بما فيه من تصميم دقيق، وسنن لا تنخرم، ونظام بديع، والإنسان وما فيه من عُقد وإتقان، نشأ من العدم ( اللاشيء يُنشئ شيئًا)!، ولما تطور عقل صاحبنا قليلًا حاول إقناعك أن العالم نشأ صدفةً، وأنها هي العلة، وهذا تناقض منهجي ومنطقي.

(ثانيا) ودل العلم الحديث على أن الكون بما فيه من قوانين يستحيل أن ينشأ صدفةً [ حسابات رياضية أجراها العالم كريسي موريسون، في احتمالية تكون البروتين عن طريق الصدفة = صفر = مستحيلًا ](2)، لكن هذا كله في الاتجاه المادي مُنكرٌ لعلةٍ واحدة هي أنه خارج إطار التجربة، أو من الغيبيات، ومع الاستغناء بتفسيرات المنهج التجريبي، فأصبحت مبادئ العقل ليس لها وجود، طالما أنها خارج إطار المادة.

مدى صحة الاستغناء بالمنهج التجريبي

وللنظر في صحة الاستغناء بالمنهج التجريبي، قبل النظر في صحة الدعوى تجد الآتي:
[1] في منازعة المغالين من المنهج التجريبي يقول الدكتور ( ليكونت دي ينوي ): ” لسنا من أولئك الماديين الذين يتمسكون بآرائهم واعتقاداتهم رغم كونها سلبية بلا أي برهان، فيعتقدون أن بداية الحياة والتطور والعقل البشري وولادة الأفكار الخلقية سوف تصبح تحت سيطرة العلم في وقت ما، وينسون أن ذلك يتطلب تغييرًا في علومنا الحديثة، وبالتالي فإنه اعتقاد يرتكز على تعليلات عاطفية”.

[2] لا برهان على صحة الاستغناء بالمنهج التجريبي سوى العبث المنطقي، فلتنظر إلى صحة الاستغناء به فهذه (دعوى) تحتاج برهانًا، وبرهانه لا ينفك عن أحد الأمرين: إما إثباتُ صحة المنهج من داخل المنهج نفسه وهذه (مغالطة منطقية الاستدلال الدائري)، أو من خارج المنهج وهذا ينفي الدعوى بالكلية. فصحة الاستغناء بالمنهج التجريبي في تفسير الوجود تفسيرًا ماديًا عبثُ واضحٌ ببرهان العقل. (3)

ومن ناحية أخرى المنهج العلمي نفسه يستند إلى أمور لا تعتمد على التجربة كـ [ الفروض العلمية، فهذه الفروض ليست وليدة الملاحظة والتجربة، وإنما يتوصل إلى كثير منها بالاستنباط، ولا يمكن التحقق منها تجريبيًا ] وأصحاب المنهج الاستنباطي في المنهج العلمي نبهوا كثيرًا على ضرورة استعمال الحدس والعقل (4).

وفي نهاية هذه الحلقة أودُّ أن ألمح لـ الملخص وهو:

1.( إنكار وجود الخالق يعني إنكار وجودك وأنت تفكر في الإنكار إذًا أنت موجود، أنت تموت إذًا أنت حادث، أنت حادث فلا بد لك من محدث، هذا المحدث لا بد -عقلًا- أن يكون مختلفًا عن الحوادث، ويتفرّد بصفات لا يماثلها في مخلوقاته شيء، هذا مما لا شك فيه وعلى هذا المنوال سار ديكارت في إثبات وجوده بصياغة أخرى.

ووجود الإله القادر العليم ذو الصفات الحميدة والأسماء المجيدة ضرورة عقلية لا يمكن إنكارها، ومقدّمةٌ مسلمٌ لأمرها لا مناص للعقل من أن يعتمدها لتصحيح الفكرة الأخلاقية الراسخة في النفوس، وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني – كانت – بناءً على المذهب الأخلاقي)(5).

2.( التيار الإلحادي إنما غالى في النزعة العلموية، والنظر للكون تلك النظرة المادية باعتقاده صحة الاستغناء بالمنهج التجريبي – كما يقول برتراند راسل – (6)، بل إن المنهج التجريبي قاصر في النواحي المتعلقة بالقيم والفن، كالتعبير عن الحمرة والزُرقة، والمرارة والحلاوة، والألم واللذة …إلخ.

ويتظاهر العلم أنه يجيب عن هذه المجالات، ولكن غالبًا ما تكون إجاباته سخيفة للغاية لدرجة أنها لا تحمل على محمل الجد كما يقول عملاق فيزياء الكم [ إيرون شرود نغر ] )(7).

3.( الفكرة الأساسية من الإلحاد هي [ إنكار وجود خالقٍ للكون ]، ولكن تطبيق الملحدين يختلف تمامًا، ويبتعد عن مبنى هذه الفكرة بل أغلب خطاباتهم في نقد الدين – خاصة الإسلام – تنتقل من منطلق السخرية والاستهزاء والشغب العقلي والمعرفي، والتكرار الدائم في القضايا السخيفة نفسها)


المراجع :

  • (1) تحرير القواعد المنطقية / القطب الرازي
  • (2) – الإله يتجلى في عصر العلم / تحرير : جون كولفرمونسبما ( صـ 13-12 ، 50 )
    – العلم ودليل التصميم في الكون / مايكل بيهي ، ستيفن ماير .. بتصرف
    – العلم ووجود الله جون لنيكس (328)
  • (3) ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث / سلطان العميري .. بتصرف
  • (4) – فلسفة العلم / فيليب فرانك (صـ 50 ) .. بتصرف
    – المنطق وفلسفة العلوم (صـ 59 )
  • (5) – الدين / محمد عبدالله دراز
    – Kant, ouv. cite, 2eme partie TV et V
  • (6) – القضية الخالق / لي ستروبل ( صـ 94 )
    — وانظر المنطق ومناهج البحث / علي عبد القادر
  • (7) العلم منظوره الجديد / جورج ستانسيو ( صـ 134 )
    إثراءات
    – منع التسلسل في المؤثر

    – لغز الحياة

    – الذبط الدقيق للكون

    – النزعة العلموية والمنهج التجريبي
    https://www.youtube.com/watch?v=EyuzUYlW_3U

فيديو مقال لماذا يلحد البعض؟، (الإلحاد والتصور المادي)

أضف تعليقك هنا