هؤلاء عظماء لم تقهرهم ظروفهم ، فما الذي يمنعك أنت؟

قرأت ذات مرة مقولة أعجبتني للكاتب العظيم “فيودور دوستويفسكي” يقول فيها : “يُخيل إلي أن الرجال العظماء لابد أن يشعروا على هذه الأرض بحزن عظيم” .

لذلك عزيزي القارئ سآخذك اليوم في رحلة حول حياة بعض العظماء من رجال و نساء و كيف أن الألم لم يقضي على مسيرتهم بل أعطاهم دفعة ليصبحوا أقوى و يتغلبوا على مصاعب حياتهم

1)أوبرا وينفري

و من منا لم تأسره إبتسامة تلك السيدة اللطيفة حين رأها على شاشة التلفاز، كما أنني لم أعلم أحداً من أصدقائي الذين كانوا يطمحون لدراسة الإعلام إلا و كانت هي قدوتهم ومثلهم الأعلى.

اسمها الكامل _ حسب موقع ويكيبيديا _ “أوبرا جايل وينفري” و هي إعلامية تحظى بشُهرة عالمية ، كما أنها أيضاً كاتبة، منتجة تلفزيونية و سيدة أعمال ناجحة .

يعتبرها الناس أقوى نساء العالم لما مرت به من ظروف قاسية للغاية ولدت لأسرة فقيرة جداً ، والدها كان حلاقاً أما والدتها فقد كانت تخدم بالبيوت وقد تولى جدّها وجدتها تربيتها  في ولاية الميسيسيبي حتى أصبحت في السادسة من عمرها.

و على الرغم من قساوة ظروفها إلا أنها في المرحلة الثانوية حصلت على لقب الطالبة الأكثر شعبية، نظراً إلى علاقتها الجيّدة بجميع الأساتذة والتلاميذ والزملاء.

وعندما بلغت الثانية عشر من عمرها انتقلت للعيش مع أمها، وفي سن الرابعة عشر تعرضت للتحرش الجنسي والإغتصاب على يد أحد أقاربها، نتيجة لذلك حملت بطفلها الأول، إلا أنّ مولودها لم يكتب له العيش طويلاً، وتوفي مباشرة بعد ولادته بساعات قليلة ، وحُرمت من بعدها نعمة الأطفال.

نتيجةً لحياتها القاسية تلك لجأت “وينفري” لإدمان المخدرات حتى أنها اتجهت لتعاطي الهيرويين والكوكايين ،  ليتم إرسالها إلى مركز لإعادة التأهيل.

أما عن حياتها المهنية فقد بدأتها مراسلة لإحدى قنوات الراديو وهي في سن التاسعة عشر(19) من عمرها وأكملت تعليمها الجامعي في ولاية تينيسي من خلال منحة تعليمية حصلت عليها، حيث كانت من أوائل الطلاب الأمريكيين من أصل أفريقي في الجامعة مما سبب لها صعوبات عديدة بسبب العنصرية التي واجهتها من الطلبة و الطالبات آنذاك.

ثم انقلبت حياتها حقاً رأساً على عقب بعد أن بدأت عام 89 تقديم البرنامج الأشهر على مستوى العالم Oprah Show، وهو برنامج يومي بدأ بتسليط الضوء على القضايا الإجتماعية التي تهم المجتمع الأمريكي، وحقق نجاحاً استثنائياً بفضل الحضور الطاغي لمقدمته وطريقة حوارها، لتصبح نموذجاً إعلامياً هاماً على مستوى العالم.

و من هنا بدأت بتكوين ثروتها و أصبحت بمثابة قدوة للكثير و الكثير من الفتية والفتيات حول العالم.

2)فان جوخ

“فينسنت فيليم فان غوخ” و تكتب (Vincent Willem Van Gogh) رسام وفنان هولندي، ينتمي إلى مدرسة ما بعد الانطباعية في الرسم. كانت حياته مضطربة مليئة بالمصاعب والمشاكل النفسية.

جاءت ولادة فان غوخ بعد سنة واحدة من اليوم الذي ولدت فيه أمه طفلاً ميتاً ، سمي أيضاً بفينسنت. و كان من المتوقع حدوث صدمة لفان جوخ بسبب تلك القصة و ذلك لكونه “بديلاً” لأخوه.

ترك دراسته عندما كان بعمر الخامسة عشر ولم يعد إليها أبداً واتجه للعمل لدى متجر خاله “كورنيل”، وهو متجر لبيع المنتجات الفنية تابع لشركة من تجار اللوحات الفنية في لاهاي ، وبحلول هذا الوقت أصبح فان غوخ يجيد الفرنسية والألمانية والإنجليزية فضلًا عن لغته الأم الهولندية.

وقع بحب سيدة من وطنه تُسمى “يوجيني لويز” وعرض عليها الزواج لكنها رفضت، مما أدى إلى انهياره. فألقى كل كتبه باستثناء الكتاب المقدس، وكرس حياته لله. وأصبح عصبيًّا وغاضبًا من الناس في العمل، وقال للعملاء ألّا يشتروا اللوحات، “فالفن عديم القيمة”، وهكذا طرد من عمله في نهاية المطاف.

بعدها انكب على دراسة الكتاب المقدس وحاول أن يُصبح من رجال الدين و لكن أول خُطبة له كانت باهته وغير مُحفزة أو حيوية ، مما أدى إلى فشله بهذا المجال أيضاً.

بعدها تطوع “فان غوخ” للانتقال إلى منجم الفقراء في جنوب بلجيكا، وهو المكان الذي عادة ما يرسل إليه الوعاظ كعقوبة. وقام بالتبشير وخدمة المرضى، كما رسم لوحات عن عمال المناجم وأسرهم، والذين أطلقوا عليه اسم “مسيح مناجم الفحم”. لم تكن اللجان الإنجيلية مسرورة. وقد عارضوا نمط حياة فان غوخ، الذي بدأ يتخذ نزعة استشهادية, ورفضوا تجديد عقده، واضطر إلى إيجاد مأوى آخر.

بدأ مسيرته الفنية بمساعدة من أخيه “ثيودور” ، وأصبح فناناً على الرغم من عدم تلقيه أي دروس في هذا المجال بل إنه بدأ التعلم من تلقاء نفسه، ودرس كتب مثل Cours De Dessin لتشارلز باراغ.

بعدها انتقل للعيش مع أبويه ووقع بحب إبنة عمه ، وكانت أرملة تُدعى “كيت” ، لكنها صدته مما أدى إلى تحطيم قلبه مرةً أخرى، لكنه لم يستسلم بل إنه ذهب ليزورها في بيت أبويها و حين رفض والدها أن يسمح له بمقابلتها قام “فينسنت” بوضع يده على المصباح ليحرق نفسه متعمداً قائلاً لهما : “اجعلوني أراها قدر ما أستطيع وضع يدي في هذا اللهب” . و لكن رغماً عن ذلك أصر والدها على موقفه.

ثم انتقل إلى لاهاي ووقع في حب “كلاسينا ماريا هورنيك”، وهي بائعة هوى مدمنة على الكحول. وأصبحت رفيقته، وعشيقته والموديل الخاص للوحاته. ولكن اكتئابه عاد مرةً أخرى حينما علم أن حبيبته عادت للبغاء فتركه وانكب على الفن ثانيةً.

كان أخيه قلقاً جداً على حاله فحاول أن يوصي أحد الأشخاص المقربين برعاية أخيه ، وأعطاه المال الكافي لهذا، و في إحدى الليالي ذهب “فان جوخ” إلى أحد بيوت الدعارة المحلية ودفع المال لبائعة هوى تدعى راشيل، وبيده التي تسيل منها الدماء، قدم لها أذنه، وطلب منها “الحفاظ على هذا الكائن بعناية”. وجدته الشرطة في غرفته في صباح اليوم التالي، واستجوبوه بمستشفى ديو.

وصل ثيو في يوم عيد الميلاد لرؤية فان غوخ، الذي كان ضعيفًا إثر فقدان كمية كبيرة من الدم, بالإضافة إلى الاحتجاز والعنف الذي تعرض له. أكد الأطباء لثيو أن شقيقه سيعيش وسيقدمون له رعاية جيدة، وفي 7 يناير 1889، أفرج عن فان غوخ من المستشفى على أمل أنه سيتعافى بالرسم في الطبيعة، ولكنه لم يتمكن من العثور على السلام الداخلي وأدخل المستشفى مرة أخرى. كان يرسم في البيت الأصفر خلال النهار ويعود إلى المستشفى ليلًا.

وكانت تلك الفترة من أزهى الفترات التي رسم فيها “فان جوخ” فقد رسم لوحات شهيرة من ضمنها “Irises” و”Starry Night”.

خرج فان غوخ في صباح 27 يوليو 1890 ليرسم كالمعتاد ولكن هذه المرة كان يحمل مسدسًا, وأطلق النار على صدره، ولكن الرصاصة لم تقتله. وعثر عليه ينزف في غرفته، وأرسل أطبائه إلى “ثيو”، الذي وصل ليجد شقيقه جالسًا في السرير يدخن الغليون. أمضى الشقيقان اليومين التاليين بالحديث معًا. توفي” فنسنت فان غوخ” بين ذراعي أخيه في 29 يوليو 1890، وكان عمره 37 عامًا.

وهكذا انتهت مسيرته الفنية التي بدأها بعمر السابعة والعشرين و أنهاها وهو في السابع والثلاثون. لم يبع خلالهم سوى لوحة واحدة.

3)جوان رولينج

من مِنّا لم يقرأ سلسلة روايات “هاري بوتر” الشهيرة أو يُشاهدها و لو لمرة واحدة على الأقل ؟! . تم تأليف تلك السلسلة العظيمة على يد كاتبة بريطانية أعظم  ولدت في 31 يوليو من عام 1965 و لديها ثلاثة أطفال. و ذُكر أن ثروتها قد كسرت حاجز المليار دولار في عام 2004.

حصلت “رولينغ” على إجازة في الأدب الكلاسيكي من جامعة “إكستر”، ثم عاشت في فرنسا لمدة عام لدراسة اللغة الفرنسية. عملت مع Amnesty” ” منظمة العفو الدولية، وانتهى بها المطاف إلى العمل في البرتغال كمعلمة حيث التقت بزوجها الأول والد ابنتها “جيسيكا”، وانتهت هذه الزيجة بالطلاق. لجأت بعدها إلى السفارة البريطانية ليحموها من بطش زوجها.

عادت “رولينغ” إلى بريطانيا، وهناك فُجعت بموت أمها، الأمر الذي أثر كثيراً على حالتها النفسية، فعاشت حالة من الإحباط الكبير، وأقامت في تلك الفترة مع أختها “دي” في منزل الأخيرة في “أدنبرة”. بدأت “رولينغ” بكتابة مغامرات الصبي الساحر ” هاري بوتر” في عام 1995 عندما تجلت لها الشخصية أثناء رحلة في القطار، لم تكن تعي لحظتها الشهرة العالمية والثروة التي ستهبط عليها بفضل هذا الصبي.

لم يتحمس الناشرون كثيراً لهذا الكتاب، حيث اعتقدوا جميعهم أن القصة لن تلقى حماسة من الجمهور، ولن تغطي تكلفة طباعتها، والناشر الوحيد الذي قبل نشره رفض أن يكتب اسم “رولينغ” كما أرادته “جوان رولنغ” بل استخدم الحروف الأولى، لأنه اعتقد أن القراء سينفرون من قراءة كتاب أطفال كتبته امرأة. إلا أن الكتاب الأول “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” نجح نجاحاً مُبهراً، وبعده تتالت الكتب، وحقق كل واحد منها أرقاماً مذهلة تزيد عن سابقه، وأخرجت أربعة أفلام من السلسلة ذات الكتب السبعة، فتكونت امبراطورية ضخمة لـ “هاري بوتر”. ويُعتقد أن عدد الكتب المباعة من سلسلة “هاري بوتر” بأجزائه السبعة، قارب 300 مليون نسخة حول العالم والتي بدء صدورها في عام 1997 . ترجمت الرواية بمختلف أجزائها إلى 66 لغة، وبالنسبة للنسخة العربية من السلسلة، قامت دار نشر مصرية “نهضة مصر” بترجمة ونشر الرواية. ومن ناحية أخرى، حققت صناعة السينما في هوليوود فائدة كبيرة من سلسلة روايات “هاري بوتر”، حيث تم تحويل الروايات الثلاثة الأولى إلى أفلام سينمائية ناجحة. كما ألهمت العديد من الصناعات وبخاصة الحلوى وألعاب الأطفال والملابس التنكرية وألعاب الفيديو.

واتهمها كُتاب آخرون بالسرقة الأدبية، واتَهَمت هي كُتاباً آخرين بالاقتباس عن سلسلتها، وخرق حقوق الملكية. لكن بالنهاية خرجت رابحة من كل القضايا، فامبراطورية “هاري بوتر”، تضمُّ مجموعة من أكثر الشركات نفوذاً في العالم مثل “وورنر برذرز” و “كريستوفر ليتل”، وتعدّ علامة “هاري بوتر” التجارية، واحدة من أكبر العلامات التجارية المسجلة في العالم. أصبحت رولينغ ثرية، تزوجت من جديد، وأنجبت طفلين آخرين، وصارت واحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً ونفوذاً. بفضل رؤيا جاءتها في قطار، حولتها بموهبة فذة إلى سلسلة ناجحة بمختلف المقاييس.

و غيرهم من العظماء الذين لا يكفيني مقالاً مخصص لكل منهم على حِدى . كلهم إستطاعوا أن يضعوا أهدافاً لأنفسهم و حققوها ، فهل حققت إستطعت أن تُحقق أهداف حياتك أيضاً أم أنك مازلت بإنتظار الفرصة التي ستقلب حياتك راساً على عقب و تجعلك بطلاً بِلا قِتال ، بطلاً بِلا بطولة …؟

فيديو مقال هؤلاء عظماء لم تقهرهم ظروفهم ، فما الذي يمنعك أنت؟

 

أضف تعليقك هنا