الإنسان الفعال

بقلم: خالد الجامعي

النفس الانسانية

من حيث واقعها الأنطولوجي (الذي يتحقق عن طريق الجسد) تعتبر النفس الإنسانية حقيقة مركبة، لا يمكن بأي حال من الأحوال نفي هذه الحقيقة التي خلقتها قوة خارجية متحررة من جميع القيود والقوانين الإنسانية والمنطقية التي لا يمكن للعقل الإنساني أن يتحرر منها مهما بلغ درجات عالية من النضج.

ويمكننا الإشارة هنا إلى أن المنطق ليس قوانين ومنظومة متكاملة سبق وجودها وجود الفكر الإنساني وإنما هو نتيجة اجتهاد الإنسان أي أن العقل البشري هو الحاضنة الأولى التي ولد فيها المنطق وترعرع و بذلك يتوجب علينا أحيانا الخروج من حدود المنطق لننجز شيئا ما أو لنقوم بتفسير ظواهر مبهمة و غريبة  فالمنطق كقانون يسمح لنا بتجاوزه للوصول إلى بعض الغايات التي بدورها تعطينا جرعة منطقية جديدة ,قد يكون مرفوضا عند البعض لكن كل ما هو منتج آنساني يمكن تجاوزه  [افتقار الإنسان للكمال يدعم هذه الفكرة] أما الذي لا يمكن تجاوزه هو السابق لوجودنا و السابق لاجتهادنا.

الفرق بين النفس الانسانية والروح

النفس الإنسانية التي يتم الخلط دائما بينها و بين الروح هي شيء وحقيقة مختلفة تماما عن الروح ,فبالنسبة النفس لدينا من المعارف ما يكفي لإثبات وجودها و فهمها أما الروح فلا نملك سوى الأدلة لوجودها أما فهم حقيقتها فلا وكل الأحكام و الاستنتاجات في حقها  قد تكون باطلة ولا تشفي فضولنا تجاهها.

لكن هذا  لا يمنعنا من خوض بعض النقاشات حولها ,قد تكون الروح هي مصدر العقل أو المشرع لقوانينه لأن  آبن آدم امتاز عن الحيوان بالروح ومن  ثم بالعقل ,قد تكون  المحفز الإنساني للحرية و لتحلي بالضمير وقد تكون أيضا البوصلة المرشدة للإنسان نحو حقيقته  ووجوده  .الروح لا يمكننا أن نكتشف حفيتها حتى و إن اقتربنا منها و لكننا لا يمكننا أن ننسب إليها إلا الأشياء الجيدة ,قد أكون توسعت قليلا فيما يتعلق بالروح لكنني أؤمن بأن خيال القارئ يجب أن يكون مقيدا  بفهمه للفكرة  التي أقوم بطرحها افهمها كما أريدك أنا أن تفهمها ومن ثم أطلق خيالك.

عندما نتحدث عن النفس يجب أن نلغي الروح

و أن نتفادى السقوط في المغالطات  التي أنتجها فهمنا العقيم و أن نتعامل معها كحقيقة مستقلة ليس عنا و عن الطبيعة وعن الذات العليا التي خلقتها و إنما مستقلة عن الأشياء الملحقة و المنسوبة لها ,النفس الإنسانية خلقت مركبة و لم تكتسب هذه الصفة فقط بعد احتكاكها بالطبيعة (هذا لا ينفي أنها تكتسب بعض الأشياء الجديدة في احتكاكها بالطبيعة)خلقت النفس الإنسانية متكونة من مجموعة عناصر مثل  الغرائز ,الإرادة ,الميولات,الوعي, الفاعلية  ,الفطرة وغيرها من العناصر المختلفة .الطبيعة يمكنها أن تضيف للإنسان أشياء جديدة كما يمكنها أن تقتل أشياء مركبة داخله ,في حياتي يمكن أن تموت الأشياء التي فطرت عليها و أفقد بعضا من إرادتي و أيضا يمكنني أن أفقد فاعليتي ,كما يمكن أيضا أن أطور هذه الأشياء داخلي  ويحصل العكس ولكن يجب أن نطرح السؤال التالي:

هل يعتبر الإنسان مسؤولا عما حصل له ومذنبا؟

بالتأكيد فالعالم والظروف يضغطون على الإنسان ولكنهم لا يجبرونه داخل هذه النفس المركبة التي نتحدث عنها يوجد شيء رئيسي و مهم اسمه الإنسان الفعال وهو الإنسان المبادر الذي يبني و يعمر ويقود ويطور من أجل حياة أفضل.

و للأسف في مجتمعاتنا مات هذا الإنسان و لم يعد له وجود. نعم مات ،نحن باختياراتنا السيئة قتلناه ، بصمتنا وبسلبيتنا قتلناه، ببحثنا عن الأمن والراحة قتلناه، أنا و أنتم كلنا مذنبون ,ليس بيننا بريء.

الفرق بين المجتمع العربي والغربي

المجتمعات التي نعيش فيها على عكس المجتمعات الأجنبية لا تقدم الضمانات الاجتماعية للفرد لكي يعيش حياة الرفاهية ويطلق العنان للإنسان الفعال داخله وبدل أن يحاول الفرد تغيير الوضع السائد التف حول نفسه و وجه جميع طاقاته من أجل أن يكسب ضمان وجوده تحول للعيش على طريقة سلفه البدائي الذي يخوض كل يوم حربا ضروسا مع الظروف و الواقع من أجل يضمن بقاءه و استمرارية حياته.

لم يحاول أن يوجه بعضا من طاقاته على الأقل من أجل أن يصنع مجتمعا يقدم لأفراده الضمانات اللازمة لقد صار أقصى طموحه وغايته أن يكسب القوت و أن يؤسس عائلة  لم يعد ينظر إلى الحياة على أنها الفرصة التي من خلالها يستطيع أثبات نفسه و قدراته و وجوده بل صار ينظر إليها على أنها ساحة حرب من أجل البقاء يجب عليه أن ينتصر فيها.

انفصام المبدأ الإنساني

إن مثل هذا الوضع المقيت يفتح المجال لنمو  بعض القيم اللاأخلاقية و انتشار ظاهرة  انفصام المبدأ الإنساني أي بمعنى أن يكون. الإنسان مؤمنا بمبدأ معين و يتصرف وفق مبدأ آخر مختلف لا يؤمن به  و أيضا سيجد قانون الغاية تبرر الوسيلة الوسط الخصب الذي يمكنه النمو فيه لذلك نحن في مجتمعنا نتعامل مع الكثير من الميكيافليين و الأخطر من ذلك ميلاد الإنسان الأناني داخل كل فرد  الذي لا تهمه سوى مصلحته الشخصية لا يهتم سوى بنفسه و ضمان بقاءه  لا يمانع إن اعتبر الأفراد الأخرين المحيطين به  وسائل لبلوغ غايته.

مثل هذا الإنسان لا يلتفت إلى الوضع السيء الذي يعيشه مجتمعه ولا يهمه فساده من صلاحه مادامت حياته تسير وفق مخططه لا تهتز له شعرة  ولا يشعر بالقلق  ,الإنسان الأناني هو شخص غير وطني الوطن بالنسبة له لا يتعدى حدود بيته و هو في الحقيقة كائن لا اجتماعي و إن أثبتت المعايير الاجتماعية عكس ذلك  فتلك المعاملات و التصرفات اللبقة و المهذبة ليست سوى تملق و لغة تجار يستخدمها لكي  يصل إلى غايته أن تكون اجتماعي يتوجب عليك أن تلغي حدود بيتك و تتصرف على أن المجتمع بأكمله هو بيتك و أن كل أفراده هم عائلتك بهذه الطريقة فقط يمكن للإنسان أن يكون اجتماعي .

تزايد انتاج موت الانسان الفعال

كل أفراد مجتمعنا الذين تميزوا بموت الإنسان الفعال داخلهم قد أنتجوا أجيالا مماثلة لهم تفتقد للإنسان الفعال داخلها و هذه هي المشكلة التي يجب أن نقلق منها و نحاول أن نجد حلا مناسبا لها يجب أن تتحرر الأجيال من تأثير سابقيها (إن أكبر عدو للإنسان هي الأفكار و المعارف الجاهزة التي تلقن له و هو في بداية تطور أدراكه و المشكلة بأنه يكون في فترة تلقينه أعزل بلا أي سلاح يحارب  به من أجل سلامة أدراكه ).

و  هذه الأجيال الجديدة نوعان:

النوع الأول هو سيء الحظ و الذي يتسلم الراية من الذين سبقوه و يواصل حربه من أجل البقاء .

أما النوع الثاني وهو المحظوظ الي يوفر له الذين سبقوه الضمانات اللازمة فيجد نفسه عاطلا و ينجرف نحو طريق  الفساد و الاستهتار و المتعة المؤقتة .

المشكلة و الحل هما الإنسان ذاته و لايمكن لشيء أن يتغير مالم يأتي الحل من الداخل أي من داخل الإنسان ذاته

بقلم: خالد الجامعي

 

أضف تعليقك هنا