الترجمة وقود المعرفة

التواصل سمة إنسانية جبل عليها البشر

التواصل والتعارف بين الشعوب هي من أحد السمات الإنسانية التي جبل عليها البشر لاختلاف ألوانهم وألسنتهم ومشاربهم. بل إن هذا التنوع في الثقافات هو ما يميز المجتمع الإنساني وما فضل الله به الإنسان على سائر المخلوقات. وإن من الوسائل التي يقاس بها مدى حضارة ورقي أي مجتمع هو حجم التبادل المعرفي بينه وبين بقية الأمم في شتى المجالات العلمية والعملية، بل إن المعرفة تعد من المكونات الاقتصادية الجوهرية للمجتمعات المتقدمة في عصرنا الحاضر عصر العولمة والاقتصاد القائم على المعرفة.

ومن هنا يأتي دور الترجمة كأداة رئيسية في تبادل المعرفة واستقطاب أحدث التكنولوجيا، ونشر الثقافة المحلية وبناء واجهة حضارية فكرية على المستويين الإقليمي والعالمي. كما أن لها دورا رئيسيا في الحركة الثقافية والفكرية في كل مجتمع. ولا ننسى دورها الرئيسي والهام في الجوانب السياسية والأمنية.

ومن المعلوم أن الترجمة لعبت دورا كبير في العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية. وبناء على ما تم نقله وترجمته بدأ عدد من الفلاسفة والعلماء بأخذ تلك المعارف والعلوم التي تمت ترجمتها، ومن ثم صنعوا منها فكرا وحضارة بعد أن أكبوا عليها بالتحليل والنقاش والتطوير.

أهمية الترجمة في العصر الحالي

وفي العصر الحالي، عصر الثورة المعلوماتية والعولمة، تزداد أهمية الترجمة في ظل التنوع الثقافي واللغوي في إثراء التلاقح المعرفي والثقافي بين دول العالم، وبناء جسور التواصل في كافة المجالات، وعلى مختلف المستويات. ولا شك أننا في العالم العربي في مرحلة نحن أحوج ما نكون إلى حراك في مجال الترجمة ونقل العلوم الحديثة إذا ما أردنا أن نزيد الإنتاج المعرفي والثقافي في الدول العربية، وذلك أن الترجمة هي الوقود الذي بدوره سيدفع بعملية بناء الإنتاج المعرفي في العالم العربي إلى الأمام.

وإذا ما أردنا أن يكون دور الترجمة فاعلا في الحراك المعرفي في العالم العربي في عصرنا الحديث يجب أن تركز على الجوانب التي نعاني فيها من القصور المعرفي، وفي ذات الوقت لا نهمل الجوانب الأخرى. فعلى سبيل المثال يجب التركيز على مجال العلوم والتكنلوجيا لما يعانيه العالم العربي من ضعف في هذا المجال. وذلك بحسب تقرير المكتب الإقليمي للدول العربية التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الصادر عام 2003.

ويجب أن تعمل الدول والمؤسسات العلمية على زيادة الإنفاق على البحث العلمي والترجمة والتعريب كجزء منه في هذين المجالين. ويذكر التقرير المشار إليه أن الترجمة” تخلق إمكانات لاكتساب المعرفة ونقلها” و ” تفتح فضاءات للتفاعل وللتأثير المتبادل”، وكذلك يشير إلى ” أن الترجمة بالنسبة إلى المجتمعات العربية هي تحد رائع وضرورة حتمية تتطلب جهودا موجهة ومنظمة في إطار استراتيجية عربية طموحة ومتكاملة”.

مبادرات للنهوض بحركة الترجمة عربيا

هناك مبادرات وجهود بذلت في العالم العربي للنهوض بحركة الترجمة لما لها من أثر في زيادة الإنتاج المعرفي وتبادل الحوار الثقافي بين الدول العربية والعالم المتقدم، من ضمنها جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز للترجمة. ومن بين أهداف الجائزة تشجيع الترجمة في مجال العلوم إلى اللغة العربية.

وفي هذا السياق أيضا يأتي معهد الملك عبد الله للترجمة والتعريب التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية والذي بدأ عمله الفعلي عام 2011، وهو عبارة عن مؤسسة علمية متخصصة ذات طابع أكاديمي وعلمي. وتتمثل رؤية المعهد في ” أن يصبح معهد الترجمة والتعريب رائدا في مجال إيصال الثراء العلمي والمعرفي في المجالات العلمية والعربية والإنسانية لغير الناطقين بالعربية. وأن يسهم في تعريب المعارف والعلوم في المجالات المختلفة ونقلها للمستفيدين من الناطقين بالعربية”.

وإذا ما استثمرت هذه الجهود الاستثمار الأمثل فإنها ستسهم في التشجيع والتنافس في مجال الترجمة وهذا بدوره سيكون ذا أثر إيجابي في إثراء الإنتاج المعرفي في العالم العربي ودعمه وتقليص الهوة التي بين العالم العربي وبين الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا.


المصادر:

  1.      كتاب الترجمة والعولمة: تأليف كوكبة من الباحثين
  2.      تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2003

فيديو مقال 

أضف تعليقك هنا