الطور في سطور

مدخل تمهيدي إلى إبطال الحجة بالاقتباس وإثبات عَلَمِيَة الطور المذكور

 بادئُ ذي بدءٍ أني قد علمتُ الكلمةَ أخذَها حُجَّةً -من ضمنِ أُخَر-ٍ على سريانية القرآن -حاشاه- افتراءً على الله، وتكذيبا لرسالة خاتَمَ النبيين، ونُكراناً للوحي نُزِّلَ عليه «وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا»، ذلكم على الرغم من أني -لمَّا أن بحثت  سطحياً في خطاَبَي الكتابين المقدسين من غير إضفاء طابع الاكتراث، ولا أولوية التصديق لِما عمَّ صيتُه من هُراءٍ وهذي سيلي الفصل فيه- لمَّا أهتدِ إلى ذكر ذا الجبل لديهم ذكرا صريحاً؛ فإمَّا وصفاً بقول “الجبل المقدس”، أو الاكتفاء بلفظة الجبل -وربما كانت في النص الأصلي غير المترجم الطور كما عوَّدنا الله في حديثه عنه لتعريفه- وإما نسبُهُ إلى موسى واللقاء الإلهي هنالك، وقد تأتي الإشارة إليه بإضافته إلى أرض سيناء الواقع في حدودها.

  وفي العبرية الحديثة -كما أعلم- كلمة جبل تعني «הר» هار -لا طور كما كان في اللغة القديمة- كمثل “هار حفرون” أي جبل الخليل؛ وعليه فنجد اسم جبل الطور المتعارف عليه الآن “هار سيني” -دون النون النهائية في سينين- أي جبل سيناء، ويُتَرجَم في العديد من النصوص بجبل موسى؛ فالحظ معي أنى ذكره الله بلفظهم المعهود -لغةً وديناً- وهم من هم؛ إنهم أغنياء تجار العرب، وسائر الجزيرة، واليمن، والشام؛ وإنما كان ذلك كيلا يفقدَهُ نسبته إلى الرسالة السماوية الجليلةِ، بل يلفت القارئ إليها -كما سنتطرق والياً-.

وأما الأسماء المشتهرةَ بعلَمِيتها؛ فلا ينسبها العبرانيون إلى  كلمة جبَل «أو هار» على الإطلاق -ألا وهذا لب مقصدي الذي تشترك فيه اللغات السامية دونما تفريق- فعلى سبيل المثال نقول «אטנה» أي جبل إتنا؛ فالحظْ أنَّى جاءك الاسم علَماً خالصاً من المضاف؛ لا سيما إن كان عَلَمَاً شهيراً -لا تفتقر ماهيته إلى تبيانٍ، أو تفصيل-، فكذلك نقول «כרמל» أي جبل الكرمل، وهي أيضاً دونما لفظة  הר أو “هار” التي تعني جبل، وأما أسماء العلَمِ الأعجمية؛ فلم تكن للتُتَرجم، إلا أن تتعدَّل مخارج أحرفها لتناسبَ الناطقَ لغةَ مِلسانِه، ولدينا من الأمثلة العبرية السلسة «אוורסט» وهو جبل إيفرست المعروف، وكذلك «אלברוס» جبل البروز بقلب الزاي سيناً مع الإبقاء على ألفِ التعريف ولامِهِ عربيتي الأصل؛ لأصالة الاسم في موقعه؛ وتاريخِ حضارته دون إضفاء طابعٍ عبراني عليه؛ لأعجميته الصريحة، وعلَميته الصُراح.

  ولقد نجد جبل الزيتون معروفاً في الحضارة العبرية لا سيما أسفارِها المقدسة، ويدعونه “הר הזיתים- هار هزيتيم” وفيه قد نلحظ أيضاً الاحتفاظ بكلمة «הר هار»؛ أي جبل؛ وذلك بأنه اسم مترجم عن القدامى العبرانيين، والكتابِ المقدسِ بعهدَيهِ؛ القديمِ والجديد اللذان أكسباه قُدسيةً في كلتا الديانتين سُوى؛ حيث مقابرَ اليهود الأوائلِ وكُهَّانِهم، ومنهم النبي زكريا، وداوود اللذان تنبئا عليه، وكذلك مقامِ العذراءِ وصعودِ ابنِها «يشوع» -أو عيسى بن مريم- عليه كثيراً ليُحدثَ الأتباع من على سفحه؛ إذ كان يُدعى «طور زيتا» أو طور زيتام -بقلب النون العربية ميماً-  لدى القِدَم.

الطور اللفظ العربي الصريح

  ولا يشغلني -وليس اختصاصي- التنقيبُ في جذور اللغة الآرامية ووليداتها، وأخواتها؛ السريانية، والأمهرية، والعبرية، وموروثاتهن؛ لأن كلمة الطور في معجم العربِ ثابتةً، وقد استعملها اللسان العربي قديماً؛ إمَّا عن أصل موروث، أو تخصيصٍ لمُورَدٍ في الإرثِ العبري العتيق، وقد عُنِيَ بها كلُّ مرتفعٍ أخضرَ أو ذي زرعٍ، أو شجرٍ من الأرض، وقيل أيُّ جبل؛ لذلكم، فإني لحقيقٌ على أن أُنكرَهم زعمَهم باقتباسِ القرآن، أو احتوائه كلِماً غير عربيٍّ مبين، لكني لا أوَّلي عين اهتمامٍ لذي القضية؛ حيث لا مجالَ لدي، ولا فُسحةً لمراءٍ أخرقٍ عنها؛ لا لشيء إلا لعربية القرآن المحضة، التي لا يروبها من شيء قاطع ولا غير ذلك -ومن بين ذلك إدعاءُ بعض الحمقى الرويبضة أنَّ وجودَ عددٍ من الألفاظ المحدودة غيرِ العربيةِ فيه لا يُبطل عربيته.

فإني رأيت اللهَ لم يكن ليقتبِسَ؛ ووجدته لم يستثنِ في حُكمه بعربيةِ الكتاب لفظةً ولا ثنتين، بل جاء بها على نحوٍ صريحٍ قاطعٍ مطلقٍ لا يدع للشك مجالاً؛ ودريت قريشاً أفقهَ عُربانَ الجزيرةِ قاطبةً، وقد صدَّقوا محمداً، ولم ينكروا عليه ما يقولُ -حتى المُكذِّبونَ فيهم-، بل شهدوا له بالإعجاز البلاغي، وما نكِروه؛ فتارةً أعرَمُوه بالتكهُن، ومِراراً بالسحر، وأخَرَ بالشعر، وإنما دل ذاكمُ على إشادتهم بجودة المنبع، فكأنما أيقنوا بأنه لا جرم خارق يعلو قدراتِ إنسانٍ بشريٍّ أميٍّ لا يجيد أزيدَ من المتاجرة؛ فأنى تغنيه عِلماً، وتثمره فصاحةً، وثورثه النُبوغَ بعد الأربعين؟.

وإنْ هذا بعينهِ إلا الذي أوكلَه الله سؤالهم في قوله تعالى في سورة يونس: «وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُون» ؛ فالموهبةُ إنما تبلُغُ المرءَ ببلوغهِ عمُرَ الفتوةِ وأوج الشباب، لا الأشُدَّ، وفَوتَ الكهولةِ سنينَها؛ فلاتَ حينَ ابتكارٍ وإبداع؛ وليس تكذيبَهم بيقينه، بل أن أرادوهُ يتْبعُ أهواءهم الدنيٓئةَ، أو نُفُوراً، واستكباراً على الخضوع لشخصهِ مُعَلِّماً قائداً مُتَسَيِّداً قائلين: «وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ».

إلا أنني -على الرغم مما أوردتُ سلَفا،ً  وناهيكم عن تشابه اللغات السامية كلها جميعاً فيما بين كلماتها من أصولٍ وجذور- لأعدُّها قسَماً بالعلَمِ الجليِّ، فلا يحمِلُ الاسم قارِئَه على أن يشرعَ في التفتيش عن نشأته، ولا يستدعيهِ للبحث عن معنىً مُضمرٍ في طياته؛ وإنما ذلكم استناداً إلى تسميته بالطور  واشتهاره به مُذُ عهد بني إسرائيل في مصر؛ لكونِه -أي الجبل- محورَ التنزيل التوراتي، وقُدسَ التكليم الإلهي لموسى النبيِّ؛ ولعلَّكم تُلفونَ دليلاً أُورِدُ في تلكم النقاطِ.

دلائل عربية كلمة الطور وأنه اسم علم

١- خصُّ الطور في القرآن بقَصصِ موسى وقومه

  ورد ذكر كلمة الطور في المصحف عشراً؛ فهــٰؤموا عُوا أنما منهنَّ أربعُ مِرارٍ أتينَ في موضعٍ فيه ذكرُها مقترناً بالحديث عن تنبئةِ موسى في الجانب الأيمن من الجبل؛ حيث الوادي المقدس، ونحصرهم في سورة القصص مثنى «فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا…» ثم «وما كنت بجانب الطور الأيمن إذ نادينا…» وأخيراً في سورة مريم «وناديناه من جانب الطور الأيمن…» ثم في سورة طه كان العتاب إلى بني إسرائيل في قوله: “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ”.

وأما في سورة البقرة فنجد ذكر الطور تارتين بالسياق نفسه في قوله «وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة.. الآيات» ؛ فكان النداء الإلهي لبني إسرائيل -في الآيات- بأن يأتمروا لأمره، وألا يتقاعسوا؛ فلم يكُ منهم إلا أن قالوا سمعنا وعصينا، وذُكر في سورة النساء في قوله «ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم … « ؛ أي أن ذكرَّها في هذي المواضعِ طراً جاء ضمن قصص بني إسرائيل؛ كائناً -أي القَصَص-ُ خاصَّهم، وتراثَهم الذي انسلى؛ فنلاحظُ دلالاته الجليةَ على علَمية المكان، وخصوص ذكره انتساباً إلى كم من حدَث جللٍ خصَّه اللهُ بشهادته كما يتضح في جميع ما سبق من آيات.

٢- لم يورِدْ القرآنُ الطور مرادفاً للجبل

  ولم يرد الطور في مَواضعَ أُخَرَ من القرآن الكريم بصفة الجبل عامةً، ولم يعده الله تعالى إلا مخصوصاً بذكرٍ تاريخي مُيِّيزَ به، وقد يرد إردافاً أنه ذُكرَ في غيرِ موضعٍ بالماهية الكيانية مسلوبَ العَلَمِيةِ، وعِوَلاً على سبقِ التعريفِ ربطاً بين ذا المخصوص، ومناط المقصوص؛ وإني سأورد لك الفصلَ؛ قولَ الله واصفاً، ومشيراً كذلك إلى الطور بالـجبل في بعض المواضع؛ وكيما تتيقن من أمرِ التاريخ الواصلةِ إلينا أوراقُه؛ أكانت العربُ أو بعضُ ألسنتهم تعهدُ ذا المرادفَ عتيقا؛ً  فمنهم من يُعممه على كل جبل بأي صفة كان؛ ومنهم من يطلقه على كل جبل مثمر له زرع أو شجر؟ أم أنهم استحدثوه، وابتدعوا له ما يبتدعون الآن في المعاجم لمَّا أن كانت:-

  • وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون.
  • لَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين.َ

إذاً فالشاهد هنا؛ أنَّما قد كان ذكر الطور فيما سبق من قصص بني إسرائيل إلحاقا عَلَماً، وتحقيقاً للبرهان بما قد ثبت عنهم، وما قد التصق بذكرهم؛ أما في الموضعين السابقين؛ فنرى أن الله تعالى أشار إلى نفس الجبالجبل، ولكنه لم يكن ذاكراً لاسمه في سياق رفعه فوقهم -وقد سبق فلفتَ إليها كرتين- وفي سياق لقاء موسى -وقد سبق الذكر أربعاً لجانب الطور أيضاً- ؛ فأنا لا أرى هذا إلا إبطالاً لدعواهم باستعمال اللفظة في العربية ورسوخها -من قبل القرآن تنْزِلَه- بمعنى الجبل المُنبت، لأن الله قد لفت إليه واصفاً إياه كذلك بالجبل، ولم يكن الله ليبدل بوصف دقيق آخراً عاما شاملا، وإنما ذكرَ الجبل مُغفلاً اسمه لغير الضرورة السياقية للعَلَمِ، كذكره {إرم ذات العماد} دون الإشارة إلى اسمُ قومها العلَمي {عاد} كما المؤتفكة والمؤتفكات دون التأكيد على لوطِيَّتِهم، أو سَدومِيَّتِهم، و عموريَّتهم؛ وهذا في العربية من حسن الإبداع في إلفات الذهن وربط الحديث أولاً عن آخرٍ دونما مَيْزٌ بين دَفَّتَي الكتاب؛ وحيث الربط كذلك بين المذكورين إبرازاً لوحدة الشيء، وتفنيداً للظنون؛ فلا ركاكةَ تكرار في القرآنِ، وإنما يأتي كل لفظ -وإن تكرر مِراراً- في موضعه الذي وجبَ ألا يكونَ في غيره، أو يكونَ غيرَه فيه.

واقتداءً بهذا الدرب، وسيراً على ذات  المنوال؛ فإن الله أورد ذكر الطور بـ الجبل، ولكنه لم يعُدّْ لفظة الطور للجَبل مرادفاً؛ فتجدُه قائلاً -تعالى-: «ويسألونك عن الجبال…» ويقول: «وترى الجبال تحسبها» ويقول: «وإذا الجبال سُيِّرَت..» ، «وإلى الجبال كيف نُصبت…» ، «وتكون الجبال كالعهن المنفوش» ، «وحُمِلت الأرض والجبال فدُكتا دكةً واحدة» ، «وسُيّرَت الجبال فكانت سرابا» ، «وتسير الجبال سيرا» ، «وبُسَّت الجبال بسا» ، «ويوم نُسيِّر الجبال…» ، كما ذكرها تارتين في سورة المزمل في قوله: «يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا»، وكذلك نجد ذكرها اقترن بقصص داوود فقال -سبحانه- عن نبوته: «ولقد آتينا داوود الحكمة يا جبال أوبي معه والطير…» ، وقال كذلك: «إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق» ، وتلواً لحديثه عن مُلك سليمان أردف متطرقاً إلى نعمه على أبيه من قبل؛ فقال:  «…وسخرنا مع داوود الجبال يسبحنَ والطير… الآية».

   ولقد جاء ذكر الجبال جمَّا في القرآن في مواضعَ عديدةٍ متفرقة غير ذي التي سبقت؛ ففي قَصَصِ ثمود «وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين» ، «وتنحتون الجبال بيوتا…» ، «وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين» ، وكذلك قد جاء في وحي الله إلى النحل » أن اتخذي من الجبال بيوتا… الآية» ، وفي فاطر ورد ذكرها تعدادا لمظاهرَ الإبداع الخلقي في قوله «…ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها… الآية» ، وفي سورة النحل أيضا «والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكنانا…الآية» ، وفي سياق وصايا سورة الإسراء الأخلاقية «ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا» وفي إبراهيم » …وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» وفي الرعد «ولو أن قرآنا قُطِّعت به الأرض أو سُيّرت به الجبال أو كُلِّمَ به الموتى …الآية» وتتوالى الآيات في مواضع كثيرة؛ «والجبال أرساها» ، «والجبال أوتادا» ، «ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال… الآية» ، «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال» ،  وفي خواتيم مَريمَ «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا».

بينما تأتينا لفظة جبل مفردة في مواضعَ أخرى؛ كقَصص نوح «قال سآوي إلى جبل…» وإبراهيم  » … ثم اجعل على كل جبل منهن جزءً» ، وأما في سورة الحشر فقولِه تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» ؛ ألا فليتهم يتفكرون!

٣- الطور قسَمٌ بالتوراة ورسالتها

ثم إن الله قد جاء بكلمة الطور في بقية المواضع الثلاث إما فرادى مُقسِماً في مطلعِ سورة الطُورِ، أو زادها إضافةً إلى {سينين}َ في أول سورة التين «وطور سينين» ، أو إلى سيناءَ في سورة المؤمنين «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ» ؛ فإننا إذا تبصَّرنا قليلاً في تلكم الأسطر نجد أن القسم -كما في سورة الطور- ما يكونُ إلا بشيءٍ عظيم القدر على حد شهرةِ علَميته لدى الجميع، وقيامه بذاته وقوامته على ما يُنسب إليه من شيء، لا ينكره أحد، أو يجهله؛ وإن يكن؛ فإن الله أقسم به على ما اشتُهر به؛ ليس فقط من مسمىً، ولكن ليلفتنا تبصراً إلى قصته، وقومِ موسى في الأرض المباركة؛ مهد الرسالة التوراتية، وإعجازاتِه، وآياته؛ هذا لأن الله إنما جعله «قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» -أي من خلال لفتاته، وبلاغاته، وخواصِّه الراقية-؛ وجعله للناس آية ليتذكروا، وليتفكروا، وليتدبروا، ولعلهم يعقلون، فقال سبحانه في سورة طه: «وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا» ؛ فتنزيلُه عربيا ليس لغرض الرسالة فحسب، وإنما لإعمال العقلِ، والفكرِ؛ فتتحققَ الغايةُ العظمى؛ ألا وهي التقوى، ولا تأتي تقوى القلب إلا بإعجازه، وبتفقُهِهِ قدْرَ العظمةِ والكبرياءِ، فيخشعُ لهما؛ ليذكرَ الله، ويُسْلِمَ له نفسَه، ثم يبرأُ إليهِ من حول، ومن قوة.

٤- في رحاب سورة التين

 كما سبق أن أشرت؛ قد أورد اللهُ القسمَ الثانية بالطور في سورة التين مضيفهُ إلى سينين، ونسبهُ إليها علماً بأنها كذلك لفظة سريانية أو عبرانية أو توراتية لسيناءَ، لكن الجدير بالذكر أن كليهما من الأعلام التي نُسبت إليها أسماؤها كما عُرِفَت بها بين عامة الأنام لا سيما العُرْبَ، والمصريينَ، وأتباع الديانتين السماويتين آنذاكَ حتى الساعة، وكما أراد الله أن يثبتها في التاريخ ليشير إلى أمورٍ بعينها، ولا يجعلنا هذا نعود إلى معاجم وأصول ترشدنا إلى معنى اللفظة ولغتها؛ فالخطب لا يتعلق البتة باللغة، والشيء العلَم إنما هو كجلاء الشمس وَضَحَ النهار، وربما يأخذنا الذكرُ في سورة التين على وجهِ الخصوص إلى أمكنةٍ شتىٰ من الأراضي التي خصها الله ببركته، فمع إلفاته إيَّانا إلى خلقهِ التينَ، وفوائدِ الزيتونِ؛ إلا أننا نجد سياق القسم ومحور الآياتِ الأُوَلِ من السورة، يشير إلى أشياء بعينها عَلَميةِ الجغرافيَّة؛ فدلالات القرآن لا تمر مر الكرام دونما إمعان، بل «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ»، ودقة القرآن لا تضاهيها ثمة دقة؛  فالتحدي كان جلياً مذ الفينة الأولى «فأتوا بسورة من مثله» إلى أن قال «ولن تفعلوا» وقال أيضا: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا» وهذي لفته إلى أن إدعاءات الخلل اللغوي في القرآن -دستور العربية- لا تسمن ولا تغني من جوع، بل لا تغني من الحق شيئاً إذا كان كل أمر فيه أوضح من الشِعرىٰ في رُبْضِ البطحاء؛ وعليه، فإننا نهتدي إلى أن إشارة الله في سورة التين إلى أمكنة ثلاثٍ بعينهنَّ، ثم التطرق إلى خلق الإنسان مكرما، وتفضيلِ اللهِ -سبحانه- له على سائر خلقه، حتى ينهيَ الخطابَ بالثواب والاستنكار على المكذبينَ فعلَهم؛ إنما تذهب بنا -تلكم الإشارة- إلى أن خطابَ اللهِ للإنسانِ -الذي طالما جحده وعصاه- يشير إلى الديانات السماوية الثلاث التي جاءت من لَدُنه -سبحانه-، وبقي ذكرها في الأرض -وآخِرُها الإسلامُ- وكذَّبَ بها كُثُر؛ فقسمُه بالتين والزيتون إشارة إلى مهد المسيح عيسى ورسالته في بلاد الشام؛ حيث بيت لحم التي قد وُلدَ فيها ثم هربت به أمه إلى مصر فِراراً من  ملك اليهود عندئذ، وطورزيتا أو جبل الزيتون -كما يُعرف حاليا- من حيث رُفِعَ إلى السماء -حسب المعتقد المسيحي-؛ فتلكما الأرضَين وقعتا في الشام؛ حيث لا فلسطين، ولا سوريا،  ولا لبنان، ولا أردنَ آنذاك، وقد أشار إليهما بما عُرف انتشاره فيهما من منابت التين والزيتون؛ وهما إذاً عُقرُ التبشير المسيحي والرسالة اليسوعية، لا سيما جبل الزيتون الذي لم يكن بن مريم يكاد يفارقه؛ إما لقومه مخاطباً وداعياً؛ وإما مصلياً معتزلَاً إيَّاهم، ثم طور سينين؛ أي جبل الطور الواقع بسيناء لدى الوادي المقدس؛ حيث بذرة الدعوة اليهودية -وبنفس صيغة ذكره لدى أوائل العبرانيين، ويهود العرب المحافظين-، ومن ثم التطرق إلى البلد الأمين مكة؛ مهبط الوحي بالبشارة الإسلامية للعرب، ثم العالمين كافة، ومنه ينتقل الرب -جل علاه- إلى تبكيت الإنسان…

فقد ترى الله يقول بلسان حال الآيات: “أنا الله الذي أرسلت الرسلَ بالحق؛ فكُذِّبوا وأوذوا، خلقت تلك الأمكنة المشهودِ عظَمُها، وصنعت المعجزات، والأماكنُ شاهدةٌ، والحضاراتُ عارفةٌ «قل سيره في الأرض فانظروا»؛ ألا يا أيها الإنسان فإني قد خلقتك -وتأمل في نفسك أنىٰ -في أحسن صورة وأصوب قوام، مُكَرِّما إياك على سائر ما خلقت، ثم جعلتك في الأرض السفلى والدنيا خليفتي تعبدني لا تشرك بي، وتدعو إلى سبيلي المستقيمة؛ ألا فبحق رسالاتي إليك، وتذكير الرسُل الذين جاءوكم بشراً منكم، وما تيقنتَ من بيناتي وآياتي في تلك الأماكن التي عرفتها بما حوت من آياتي التي لم يقحمها، أو يجهلها الزمن، وبحق تلك الديانات كلها والإسلام الأميِّ الخاتم؛ لئن تؤمن وتعمل صالحا؛ فإذن أكُونَ لك شاكراً بالثواب، وإلا؛ فماذا رابَ قلبك تجاه الحق، والبينة المرسلة من لدُنِّي؟ وماذا جعلك لا تريدني يا عبدي وقد صنعت كل ذلك من أجلك وسخرت لك كل شيء وأتممت عليك نعمتي بالتذكير، ولم أتركك سُدى في هذي الأرض، أم َلمَّا  تتبيَّنْ بعدُ حكمتي؛ فتؤمِنَ؟ ”    انتهى

والحظ أن الله ذكر الثواب لمن آمن، ونأى بالسياق عن مقام العقاب للمكذب، وإنما أخذه بمنطق العقل، و الحجاج الفلسفي الصراح؛ فكأنما قال: “يا أيها المكذب أخبرني ماذا دهاكَ لئلا ترى حكمتي؟ ألا فهاكَ تأمل حولك، وانظر تصلْ بك النُهى، وسدادة فطرتك التي خلقتك عليها إلى حكمتي وإلى حقيقة وجودي ورسالتي؛ فتُصَدِّق.” وهذي تعد أسمى دعوة وأرقى رسالة؛ بأنها جاءت من لدن حكيم خبير يدعو الإنسان مباشرةً إلى استبانة الصدق والكذب، ويحمله نحو العقل، ومنهجِه في التفكير، دون تهديدٍ، ودونما وعيد،ٌ ودون إقحامٍ لوساطة الرسول؛ فيُبَلِّغَ هوَ، بل حدَّث الله الإنسان دلاليا، وبالحكمة وعين البصيرة، ومنها نتعلم أسلوب الله في الدعوة الحقة، ليس فقط لدينٍ، وإنما النصح بألوانه؛ بالنقاش المتزن الذي لا يحمل حملاً على فكرة، ولا ينُمُّ عن تعصبٍ، وإنما يسوق الأدلة دون مزجها بالعاطفة، أو شَوبها برأي خاص، وأن تكون الدلالاتُ جليَّةً متعَقَّلاً في أمرها، وليس ريبٌ يشوبها ولا خلْطٌ، وذلك قبل أي أمرٍ يُوَجه إلى العقل؛ هذا لأن الخطاب المنطقي الذي يدعو الآخر للتبيُّنِ بنفسه، ويترك مساحة لخصوصيةٍ في قراره، دون إبداءِ مَيلٍ، أو حثٍّ على أمر بعينه بشكل مباشر.

ومن ثَم؛ فإنك -على الرغم من يقينك الواعي بأن الله ورسلَه جميعا حقٌ، وتعلمُ أن الإنسان جاحد، وأن الله قد تفضل عليه بالكثير من المَنِّ والرفد- تجد نفسك تسبح مع تلك الأيات في خطابِها، الذي لا يصطدم بناصيتك مباشرةً، وإنما تجده كأنما يبث ذبذباتٍ تتخلل صدرك وتخلِّي صدى في رأسك؛ فالخطاب لم يحمل نوعاً من الأمر، ولا نوعاً من التهديد، الذي حثيثاً ما يعده الوعي إجباراً، وتحدٍ، وإغفالاً لدوره، فيزجرَه؛ بل اعتمد على طرح الدلائل جليَّة واضحة، لا تسطيع لها نكرانا، وإلا فقد زجَجْت بنفسك في مقام الجهالة والغباء؛ فتضطر إلى الفهم والإدراك ومن ثم التطبيق، من أجل أن تتبين حقيقة وصدق الذي قد بهَتَك، ثم أحلى ما في الأمر أن يترك لك حريةَ النقد، والتبرير، والتعبير عن مكنون سرائرك، وما يجول عقلكَ من أفكار؛ فيسألُكَ ماذا ترى، ويكأنه ينصت إلى جوابٍ هو قد علمه مسبقاً في نفس كل ذي نفسٍ؛ فالله لم يفرض، والله لم يظلم، والله لا يعاقبك ما لم تهتدِ إلى النور بالبصيرة «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ» وقال -سبحانه- : «هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور» ، والله لا يبغضك إذ لم تقنع بالدليل؛ ولكن بعد أن تبين كل شيءٍ نصب أعينك؛ فالله حقيق بأن تدفعَ له ثمن كل شيء! وذا يؤكد حكمته في الحُكمِ وفي التصرف.

٥- طور سيناء

 وأما في آية سورة المؤمنين نجده تعالى أشار إلى الطور، وشجرةَ الزيتون تخرج منه، وأضافه إلى أرضه بلفظةٍ عرفها العربُ بعضُهم الآخر {طور سيناء} ؛ فجاءَ ذلك ليؤكدَ القولَ بأنَّ الأصلَ في ذكر الشيء «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ» ؛ ولقد نلحظ أن العرب لم تكُ مدنهم تخلو من اليهود الناقلين تراثهم والداسّين لغتَهم؛ فأصبح بعد ذلك علَما موروثا؛ وحتى الآن، ويهود العرب أيُّ يهود! لقد ملكوا مفاتح التجارة وصناعة الدروع والأسلحة، بل كان لهم عتداً وعزوةً، وحسباً ونسبا، ولم يكُ مجدهم ليُجهَلَ، ولا قولهم ليُغفَلَ، ولعلك ترى الآن قولنا «أهرامات الجيزة»، والأكثر دقةً ضرباً لمثال؛ هي الترعة البولاقية نسبة إلى بولاق وأصلها فرنسي كما يُشاع beau Lac أي البحيرة الجميلة؛ ألا فانظر كيف صارت اسما علما مصريا معروفا لدينا كعربان بعد تحريف الزمان؛ وألف يوم التي صارت الفيُّوم ومنها اشتقت صفة كذلك؛ فلا تُعرِّبَّن العلَم من الأشياء، أو تفسر معانِ الأسماء التي لا تحمل لغتك معانيها، أو حتى إن حملت لغتك ما قد يؤلَفُ كفوا ونظيرا؛ لا جرم أن تردَّ الأعلامَ أعلاماً؛ فلا تفسرنْ، ما  كان الأمر لا يحتاج تعريفاً؛ لأن العَلَمَ معروف الهوية والماهية، وما عساك استقصصت شرحاً لاسم سيناء نفسها، أو مكة، أو جدة -مثلا- أو أية مدينة على وجه التعميم.

٦- إبطال الزمان دعوىٰ السريان

 إنك ربما لا تدري أنك إن شكَّكت عن إصرار في عربيةِ الكتاب الخالصة؛ فإنك قد كذَّبت الله جهرا، وإن مقاماً كذلك لا يصح أن يؤخذ على وجهٍ غير قاطع، وإلا فكيف نصدق الله بعد!

  يسردُ الإمام الشعراوي في خواطره أقصوصةً من السير المخلوفة؛ أن رجلاً جاء رسول الله،ِ فقال له اقض إلي دينك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنه فعل، ولكن الرجل أصر ولم ينتهِ إلا أن يؤتَ بشاهدٍ؛ فإذا بأحد الصحب الكرام -رضوان الله على الصالح منهم- فزَّ؛ فهمَّ بالشهادة قائلا: “أنا كنت حاضراً يا رسول الله، ورأيتك تسد إليه الدين” ؛ فبُهتَ الرجُلُ، فانصرفَ، ومن ثم التفت النبي إلى ذاك الصحابي، فقال له: “ما كنت بشاهد” ؛ فإذا بالرد يخلد لنا درسا في الحياة؛ إذ أجابه: “يا رسول الله، أصدقك في كل هذا، وأكذبك في تلك…! “ والشاهد ممَّا سبق -يا حضرات- أن الشارعَ الأعظم لا يتكلم، ولا يرسل عبثاً، وإنما «أليس الله بأحكم الحاكمين» ؟

  ولربما تتوارد على ذهني إحدى النوادر التي قد قرأتها في بعض كتابٍ من كتب الأدب العربي، والتطورات الطارئة على لسان ولهجات العرب؛ أنَّ كتاب الوحي قد استهجنوا ثلاث ملافظ في القرآن لما نزلنَ على النبي، في قوله «مجنون وازدُجِرْ»، «واستكبروا كبارا»، «إن هذا لشيء عجاب»؛ فكان في كل مرة من تلكم المرار يبادرون الرسول صلى الله عليه وسلم بالتساؤل؛ أن يا رسول الله  ما ازدجر؟ فيقول اكتبوها هكذا نزلت، ثم استنكروا؛ ما كُبَّارا؟ فقال مثله، ثم أتى بالأخيرة؛ فقالوا: “إنما قد عهدناها عجيب، فما عُجاب؟” فقال مثله، وتتوالى السنون، حتى يأتي فتح مكة، وعام الوفود، وتهافت القبائل إقبالا على إعلان المبايعة والإذعان للنبي؛ فلما أن كان بين تلكم القبائل إحداها التي لم تكن ذات ذكر بين العرب، ولم تكن إلا نائية، دونما صلة، ولا اتصال؛ أتى كبيرهم إلى النبي يُحدثه، فريثما طفق يهمُّ بالكلام “يا رسول الله لقد جئت وقومي … ” فقاطع النبي معتذراً؛ أن غير مكانك إلى هنا، ثم عاود الكرة ثلاثاً في كل منها يبدِّله  النبي بمكانه غيره مقاطعاً لا يدعه يتكلم، حتى حنِق الرجل فصاحَ: “يا محمد، ءازدجر وأنا من كُبار قومي؟ إن هذا لشيء عُجاب” — فما كان رد النبي عندئذٍ إلا أنه وحي من الله قد حمله على ذلك لحكمة أراد الله أن يُنفِذَها؛ لذلكم فإن القرآن قد أتى ليكونَ هو منهاج قواعد العربية، وميزان بلاغتها، وهذا قمة الإعجاز لقوم هم الأبلغ في لغتهم، وقد جمع القرآن بين مختلف القبائل لسانهم، ولفظهم، وأتى بالبديع من القول، والبلاغة في السرد، حتى تخذه العرب مصدر اللغة الأول لهم؛ حيث كانت فصاحتهم فصاحة عوام؛ أي أنهم ورثوا اللغةَ عن كثب دونما تدارسٍ أو تأويل، ولم يكونوا مخَلِّفي إرثاً مكتوبا غيرَ الأشعار تناقلوها أباً عن جد مذ نقوش ثمودَ النبوغ، وتطورات ألسنة القبائل في الشام واليمن والجزيرة منذ إسماعيل حتى تلكم الساعة.

٧- رد الرحمن من القرآن

  وفيما يلي سأسرد عليكم آيات الله التي خصها بذاك الحديث إدحاضاً، وإزهاقاً لادعاءات الحاقدين؛ فلذلكم قد نوهت عن المساس بتلكم القضية المفتراه؛ ما من شيء بعد الدليل إلا لأن الله ذاته قد فصل فيها وأنزل فيها قرآنا قد صار جزء من كتابه فلات حينَ مراء؛ لأن إغفال الجزء إغفالٌ للكل، واستنكارَ خطاب إلهي سرد دلائل معجزاته بلاغةً لغويةً  -كما سنعرض- لا يمكن أن يعقلَ، الله ببساطة شديدة تحدى المستعربة سادة مكة وأفصح العُرب طُراً بالقرآن، وقد استسلموا وأُفحِموا، ولم يجعل الله للنبي من معجزات أخرى غير ذاك البيان العظيم الذي جاء في حد ذاته إدلالاً على الحق سبحانه؛ وجودهُ، ورسالته، وحقيقته فقال: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» أي كذب الله قولهم بأن النبي اكتتب القرآن يمليه عليه أحد رهبان المسيحية؛ ثم انظر معي أنى يؤفكون في طرحهم؛ لقد نفى الله عن القرآن شبهتهم، صارت إثارتها تكذيبا للدين كله؛ ذلك بأنما يقولون أن الألفاظ السريانية جاءت من اقتباس محمد أساطير القدامى من دين عيسى ابن مريم، فإذما تقل بهذا الرأي؛ لم تعد محض قضية رأي!

فدعني أسألك متجاهلاً كل الإعجازات والمكتشفات الحديثة بعد أربعة عشر قرنا من الزمان في أنفسنا ثم في الأفلاك والآفاق «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» ، وقد تنبأ بها القرآن على لسان بشرٍ مختار، ما كان ليعلمَ الغيب ثم يتحدى به «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ؛ ولكن دعنى أخوض معك في الظنون التي بلغت من دنو الفكر ودناءة الحجة أسفل سافلين -«ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ»– عزما على تكذيبه دونما إتقان للشبهة ولا الدليل «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ، فإذا سلكنا ذاكم المسلك من حيث صدق الأحاديث، والنظم الإبداعي البارع في  القرآن؛ أيعقل أن يكونوا على حقٍ بأنه محض أساطير نقلت وادارست بينهم لإبقاء مكة أم القرى يحج الجميعُ إليها ويعظمون أسيادها، ويعلو ذكرها، بعد أن أخذت الرسالة التبشيرية في التوسع آنذاك؟ وماذا لو كانوا حقاً؟ -ونحن تعودنا في منهج البحث الوقوف على المجازفة والإطلاع دون إيقاف مراكب العقل، أو تهميشه، وتخويفه؟ ألا إن الإجابة على هذا لا تحملها كلمات ولا سطور، وإنما هي أقل بكثير وأرقى في بساطتها، وعمقها الشديد؛ فالقرآن حجة أقامت حجة؛ «وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا» إذاً قد اشتمل القرآن على إعجازاتٍ واضحة بين دفتيه؛ إما علميةً، أو أدبية، أو طبية، أو أخلاقية تربوية؛ قد خلَّت القضية تلكم التي بين أيدينا منذ قرون مفصولا فيها بالقطع والإحباط، ولنقرأ بعضاً لا كل الآيات التي أورد الله فيها التأكيد على أن القرآن الكريم عربياً خالصاً مبيناً في لفظه، ومعناه، وتكوين؛ فنجد الآيات تكرر فيها {بلسان عربي مبين} ، {قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} وهكذا ، إلا أنني سأورد في هذا المقام ذكر الله إدعاءاتهم مبطلا مستنكرا على عقولهم وردا فصلاً في قول أهل الكتاب -لا العرب- بغير عربية القرآن:

  • وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مبين
  • وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا * بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا

وانظر إلى عجيب صنيعهم الذي صنعوا؛ فقد أتوا بكل مثل وكل حجة ركيكة حتى إلا يصلوا إلى نقطة تكذيب مبينة فيثيروا الشبهات حوله ويردوا قلوباً لا تفقه يقينا، «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»

فربما لي أن أختتم هذي النقطة بقوله -تعالى- الذي يفسر نفسه بجلاء في سورة الأنبياء «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ»

٨- الأعلام في القرآن

وإلا يكون ذاكمُ الذي سبق؛ فلنعد إذاً إلى معاجم الهيروغليفية القديمة لنفسر ما يعنيه اسم فرعون الذي هو كذلك علم أعجمي مُنِع من الصرف دائما في القرآن، للدلالة على شخص بعينه كان معروفاً آنذاك، فاشتق له من لقبه الوظيفي اسما علما لشخصه، مثلما نقول أرسل إلى قيصرَ، ونقول انهزم كسرى.. وهكذا؛ فالله إذاً -أيها الأحباب- يذكر الأشياء بما هي قد عُهدت عليه، كما قال «أبي لهب» وهي كنيته بها كان يكنى -قيلَ لجمال وابيضاض وجهه- فجعل الله مثواه من النكال من جنس الذي كان يفخر به؛ وذكر السامريَّ، الذي هو من سبط سامر وآمن مع موسى نفاقا، فقد كان هو الآخر معهوداً فريداً بينهم من قبل اتخاذ العجل، وذكر كذلك قارون، وهامان، ولقمان والنمروذ وما إليهم من الأسماء العلمية -التي لا يتوجب علينا أن نفتش عنها لغةً ولا معنى- إن دلت على شخص أو مكان أو جماد أو زمن كقوله تعالى  «يوم الزينة» وهو يوم عيد؛ وقوله أيضاً بكة بلهجة بعض القبائل ناهيك عن أسماء الأقوام مثل: المؤتفكة الذين هم قوم لوط؛ فأعطاهم من وصفهم اسماً علماً -كفعل العرب قديماً وفي كل آن- كقولنا «مسيلمة الكذَّاب» وذكر الله عاد وثمود -أسماء القبيلتين نسبةً إلى جديهما الأكبرين- ولم يضفهم إلى أنبيائهم كقوله قوم هود أو قوم صالح؛ وقال سبحانه «قوم تُبَّع» فقيل أنما ذكر أولاء بذي الصيغة خصَّ به مواطن العذاب والإنذار؛ فذكر الله نسبهم العريق وأصلهم لا سيما أنهم أشدُّ العرب قوةً وأطغاهم سُلطاناً وأكثرهم صيتاً بين المستعربة -بني عدنان بن إسماعيل- فكانوا يمجدونهم ويشيدون بعراقة حضارتهم، وهم منهم قريب فلا يخفى عليهم من أمرهم ونبأ تاريخهم؛ فكان ذلكم للإشارة إلى عزهم ومجدهم اللذين لم يغنيا عنهم من شيء لما أن كذبوا، فخصَّ للعرب العدنانيين ذكرهم ليوقع في قلوبهم الحذر والتخوف لمعرفتهم المسبقة والأكيدة بتلك الأعلام العتيقة؛ وإن تُبَّعاً هذا لقبُ ملك اليمن السبأية وكان اسمه “أسعد بن مكرب” ويُطلقُ على ملوكها «التبابعة» بلغ ملكه الهند وغزا يثربَ والجزيرة  وتركها ثمَّ أثراً لدن الأوس والخزرج بأنه مؤمنٌ بنبيٍّ عربيٍّ اسمه أحمد سيُبعَثُ في مكة ثم يهاجر إلى يثرب؛ وهو يهودي حنيف من يهود اليمانة قرَّبَ إليه اليهود وحكم بشريعة موسى وقضى على الوثنية في بلاده؛ حتى إذا مات عاد قومه فأشركوا؛ ومكرب كلمة عبرانية كما سبأ، إذ تبارى أجدادهم مذ الوهلة الأولى في اقتباس الألقاب من العبرانية لما أسلموا للرحمن إله اليهود، الذي حُرِّفَ بعد ذلك فعُبِدَ صَنَماً؛ وعن ذلك جاءت إشارته سبحانه إلى اسمه -الذي عرفه الحميريون اليمنيون ولم يصلوا إلى إلوهيته- في قوله «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن. أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى» فالشاهد أن الله أعمد إلى الألقاب التي تمت إلى الحضارات والممجَّدات الهالكة والمعهودة لدن العرب؛ لبث الخيفة في قلوب المكذبين، ولم يقل قوم أسعد كقوم نوح وغيره؛ وقال كذلك بني إسرائيل ولم يقل بني يعقوب لأنه غير مستساغ لدى العرب، على الرغم من أنه لم يذكر إسرائيل علماً قاصداً بيه يعقوب في قصصه من دون بنيه، ويعقوب هو إسرائيل وإسرائيل هو يعقوب.

خاتمة

وآخراً؛ فقد ذكر الله جبل سفينة نوح «الجودي» فهو أيضا اسمٌ علمٌ واحدٌ معروفَةٌ سيماهُ وأرضه، ولقد اكتتبني قلمي تلك الأبيات في هذا المقام أنشدكموها:

ألا يا أيُّها الذين عَلَماً تُعَرِّبُوناْ

أمَا قلوباً قد حَوَتْ يُسْرَاكُمُ تفقهوناْ

قد قالـه «مقتبساتٌ من عندنا

فهي تُمْلَىٰ عليه» أوائلُ أقدموناْ

ألا فإنهم أقوامٌ به قد كذَّبوا

أم بذا الهُدىٰ والقيلِ أنتم تقتدوناْ

وكمْ مِرَارٍ أبْرَمُوا جَهْرَاً تكذيبَهُ

ومِنَ الأوزارِ جَهلاً كمْ حَمَّلْتُمُوناْ

لا تفتروا على المُنزِّل بالهُدىٰ

«غيرَ ذي عِوجٍ لعلهمْ» لو تتقوناْ

قرآناً عربياً من أمِّ الكتاب عليَّاً

إنَّــا أنْزَلْنَاهُ لَعَلَّكمُ تَعقـلونــاْ

ثُمَّ ها مَنْ ثَمَّ قال: “ذاكَ مُفتَرٍ”

أفَنُسْمِعُ الصُمَّ الدُعاءَ ما لا يَسمَعُوناْ

أمْ تهدي أحرُفي العِميـَانَ إنْ نَكُ

نكتبُ الصحائفَ لِمَنْ لا يقرأوناْ

بَل: نضْرِبُ الذِكْرَ صَفْحَاً عنكمُ

أنْ كنتم كالأنعامِ قوماً تُسْرِفُونَاْ

ولئن يكُنْ مِلسَانَ أعاجِمَ يُقالْ

«لولا فُصِّلتْ» ثُم أنتم تَمْتَـرُونـاْ

ألا فإنه علمُ الساعةِ ذي النُهَىٰ

كُفُّوا عَمَّنْ بالتدليسِ كنتم تَتْبَعونـَاْ

إنَّمـا الرحمن شاهدٌ مِنْ فوقناْ

وبالفرقان عليهم لَدُنْهُ تشهدونـاْ

وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

فيديو مقال الطور في سطور

أضف تعليقك هنا

أحمد محمود القاضي

أحمد محمود القاضي
شاعر وكاتب، باحث ومفكر في الفلسفة الإسلامية النقدية، يدرس ليسانس الألسن- جامعة عين شمس- قسم اللغة الإيطالية