المشورة القاتلة

استشارة الأصدقاء

في شهر نيسان الماضي كنت أتجاذب أطراف الحديث مع شخصين عزيزين في وقت متأخر من الليل، أي وقت صفاء النفس وتغلب القلب على العقل، وغالبا تتوارى الأفكار السيئة وتحضر أجمل الأحاسيس والأفكار الإيجابية.

وكان أحدهما يتكلم عن أمور متنوعة ويطلب مشاركة الأفكار ويريد أفضل الاستشارات التي تهديه إلى طريق قد يكون لم يره من قبل.

وحينما اتكأت جاعلاً مرفق يدي على طرف ركبتي وراحة كفي على خدي ، أستقبل الكلام بعمق وأجعله يدور في عقلي يلامس كل خلاياه من أجل أن أعطي ذاك الصديق أفضل ما يجود به فكري ، وفي لحظة؛ توقفت عن التفكير ، استوقفني نهر الأفكار التي تنهمر من صديقنا الآخر وعند محاولتي لجعلها في عمود واضح يساعدني على التفكير وجدت بأنها تأييد للمستشير وتلامس ما يرغب وبعكس مسار ما يجب ، على الأقل هذا ما بدا لي حينها، توقفت عن التفكير وجعلت عقلي يسجل كل ما يقوله صاحبنا ، وبعد ما انتهينا من تجاذب أطراف الحديث انطلقت عائداً للمنزل وقمت بوضع كل ما قيل من الطرفين أمامي .

ودون تفكير طويل وجدت أنه فعلا تأييد ولكن في موضع استشارة، وهنا استوقفني الأمر هل هذا التأييد جيد يصب في مصلحة طالبها أم أنه (اعط صديقك جوه ولا تشغل بالك) وفعلا وجدت بأنه تأييد لكسب الرضى بل تعدى ذلك إلى أنه ضمن نطاق الاستشارات القاتلة.

ما هي المشورة القاتلة؟

إذن؛ ما هي المشورة القاتلة؟ (تعبيرٌ قد يكون فيه مبالغة)

تدور في صنفين: إما بحسن نية وإما بسوء نية، ففي الصنف الأول توجيه المشورة لطالبها دون تمحيص وتدقيق وعدم فهم غاية المستشير أو محاولة الفهم على الأقل وفي الثاني هي توجيه المشورة باستهتار أو بدراسة تفاصيلها من أجل الحاق الضرر بطالبها.

الأولى غالبا تكون لدوافع ذاتية حسنه دون مراعاة ما قد يحدث مستقبلا (اللامبالاة وعدم الجدية) الثانية هي بدافع حقد وغل في داخل النفس والهدف منها إيقاع المستشير في حفرة لا يخرج منها.

ليس كل من أيدك هو الصديق الصدوق صاحب الاستشارة الرائعة، وليس كل من أغلظ عليك القول ونهرك عما تريد حاقد، بل هو أسلوب الرد يختلف حسب الطبيعة.

إذن؛ علينا أن نفكر فيمن نستشير وننظر هل هو مؤيد لمجرد التأييد وكسب الثقة أو أنه ناصح أمين أو يبث حقده في العقل المتوتر، المشورة قد تلقي بصاحبها للمهالك متى ما كانت غير مبنية على منطق وعقل راجح.                                      هنالك دول انهارت وأسر تفككت وأصدقاء تفرقوا والسبب الخطأ في اختيار من يستشار.

الرأي المسَبَبْ دليل وعي

عندما تستشير ويأتيك سيل من المشورات ففندها ومحصها ولتكن الاستشارة المسببة والمبنية على منطق واضح هي مدار اهتمامك.

المشورة نور يضيء الدروب

عندما تستشير فأنت تستأجر العقول، فلو فكرت في موضوع معين فأنت تفكر بعقل واحد ولكن لو استشرت خمسة عقلاء فأنت الآن تفكر بستة عقول، فأنت أخذت عقل كل من استشرت وفي الأخير ستأخذ ما يهديك إليه تفكيرك المبني على المنطق، فقد يقرأ أحدهم ألف كتاب ولديه خبرة عشرات السنين، فأنت ستأخذ عسلها النقي في جلسة لا تتعدى شرب كوب من القهوة.

وللمشورة في الإسلام شأن عظيم حريٌ بكل ذو لب أن يعود لما كتب وينهل منه لتعظم مداركه.

ومضة

اختيارك لمن تستشير دليل على وعيك ودليل آخر على أن قلبك بعيد عن الكبر ويريد الصواب دائما،إذن ليس كل من نرتاح له مستشار فطن، وليس كل من ننفر منه مستشار غليظ، فالمشورة كنز يبحث عنها الناجح حيث وجدها.

فيديو مقال المشورة القاتلة

أضف تعليقك هنا