مصر والعالم

الشعور بظلم العالم الخارجي على مصر

تشعر مختلف القوي السياسية في مصر، وقطاع لا بأس به من الرأي العام بالغبن والظلم تجاه العالم الخارجي. فهذا العالم هو سبب تأخرنا جراء تآمره الدائم علينا، وتغوله على حقوقنا واستباحته لبلادنا ومواردها سواء في الماضي، أو حتى هذه الأيام ولنا فيما حدث في العراق وفلسطين نموذجًا. تشترك العديد من النخب الفكرية المصرية، ربما باستثناء الليبرالية منها – واعتقد ليس كلها – في التوجس من العالم وعدم الارتياح تجاه سياساته وقرارته التي تمتاز بالتحيز الأعمى لكل ما هو ضد مصالحنا نحن المصريين العرب المسلمين الشرق أوسطيين الطيبين المظلومين المتدنيين.

في حين يمثل العالم الخارجي القوة القاهرة التي تمثل أشد خطر على تماسك مجتمعاتنا، ومنظومة قيمنا الأخلاقية وعاداتنا وتقاليدنا من خلال ما ينشره من أفكار شاذة عن الحريات التي تجلب الفوضى، والمساواة التي تناقض الشريعة والانفتاح الثقافي الذي يفسد القيم، وحقوق الإنسان قرينة الانحلال الأخلاقي والتفكير العلمي مرادف الإلحاد، والدمقرطة التي لا تتواءم مع طبيعة شعوبنا، والعلمنة التي تفرغ الدين من فحواه، والعولمة التي تمسخ هوية الشعوب الوطنية، وتنتزعها من تاريخها العريق المزدهر بالبطولات والأمجاد، وتنتهك خصوصيتها الثقافية.

انتشار الرؤية المعادية للواقع 

المشكلة ليست في تلك الرؤية المعادية للواقع والتطور الإنساني والحضاري فحسب، بل في انتشارها على نطاق واسع بين أطراف يفترض في خطابها السياسي السعي نحو التحديث والمدنية ومقاومة مظاهر السلطوية السياسية والاجتماعية. فإذا هي تقع في فخ التناقض مع الذات والعجز عن إدراك متطلبات الزمن ومتغيراته.

إن هذا العجز عن إدراك تخلف الرؤية، وصدامها الحتمي مع مستجدات القرن الحادي والعشرينن بما يحمله من تطورات مذهلة في البيئة التكنولوجية والعلاقات الدولية ووسائل الإعلام والتجارة وغيرها من أنماط التفاعل البشري مع الآلة والمادة، لهو السبب الرئيس فيما نحن فيه من تخبط وازدواجية، فنحن نريد ما في الغرب من إبداع وحرية لأنفسنا فقط دون غيرنا، ونهاجم سلبياته من عنصرية وتحيز لنمارسها دون أن ندري على أنفسنا قبل غيرنا.

إن رؤية الأفراد لعالمهم لا تنفصل عن رؤيتهم لأنفسهم، فاعتبار العالم الخارجي مصدرًا للشرور لا يعني سوى أننا نرى أنفسنا جديرين بهذا الشر والتربص من خلال المبالغة في تمجيد الذات وتحصين الخطاب السياسي والديني والاجتماعي ضد النقد والمراجعة والإصلاح. فلماذا يتربصون بنا ويهاجموننا إلا إذا كنا أقوياء ومهمون ومؤثرون؟! التفسير الآخر – وربما الحقيقي – لهذه الرؤية الأحادية للعالم هو أننا نشعر بمدى ضعفنا وهواننا على أنفسنا قبل غيرنا، فقررنا عن وعي أو غير وعي أن نسقط هذا الشعور السلبي على الآخر كي نشعر ولو بقدر من التعادل النسبي. وأننا لسنا وحدنا السيئون الفاشلون المنهزمون، بل هم أيضًا لديهم ما يكفيهم من سوء النية والأفكار والأفعال، بما يجعلهم جديرين بكل مذمة وهجوم.

الاستفادة من تجارب الدول شرقا وغربا

إن وقوع أي مجموعة في فخ المظلومية التاريخية والانسحاق الفكري والشعور بالدونية الحضارية، لا يمكن أن يسفر إلا عن رؤى مراهقة سطحية تجعلها تعزف عن الاشتباك الحقيقي مع مواطن الخلل. وكيف لها أن تفعل وهي إما تنكر وجودها أو تبررها بحجج الظروف والمؤامرات؟ إن العالم الخارجي يمكن ان يكون لنا معينًا على الإصلاح لو بشكل غير مباشر، فالاطلاع علي تجارب الآخرين – لو تم بعين واعية وعقل مفتوح – كفيل بإمدادنا بقدر غير مسبوق من الخبرات في المصالحة السياسية (جنوب أفريقيا)، والتعددية (الهند)، والنمو الاقتصادي (شرق آسيا) والتحول الديموقراطي (أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية)، وغيرها مما نعانيه من معضلات السياسة والاجتماع والاقتصاد.

إن رؤية المرء لذاته تنبع من رؤية محيطه وموقعه في هذا المحيط ودوره الذي يراه لنفسه وتحدده قدراته. من هنا تبدو ضرورة إعادة تعريف علاقتنا بالعالم على أسس جديدة تتعامل مع الحاضر، وتستشرف المستقبل. فإذا كانت مصر جزءًا من العالم الخارجي فهل يمكن تحقيق التقدم – بمعناه الواسع على صعيد التشريعات والنظم والهياكل –  دون تبني منظومة القيم التي تحكم هذا العالم؟ هل يمكن التفاعل مع الآخر دون الصدام معه؟ هل يمكن الانتقال مما نحن فيه بمعزل عن العالم أو من خلال تحدي النظام الدولي -بما فيه من عوار- ؟.

وإذا كانت الإجابة على ما سبق بالنفي فأين هي النماذج التي استطاعت تحقيق تقدم في نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمعزل عن العالم؟ هل هناك نماذج أخرى من شرق العالم إلى غربه حققت نجاحًا دون أن تلتزم – عن قناعة حقيقية من جانب النخب والقواعد –  بمعايير الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان والأقليات وحماية حرية الإعلام واستقلال القضاء وسيادة القانون، ورسم حدود واضحة لعلاقة الدين بالدولة وعلاقة المدنيين بالعسكريين، وتبني الشفافية والمحاسبة كآلية أساسية في السلطة؟. الإجابة علي هذه التساؤلات تمثل في رأيي بداية الطريق للخروج مما نحن فيه بأيدينا لا بيد عمرو وعلى الله قصد السبيل.

فيديو مقال مصر والعالم

أضف تعليقك هنا