رسالة رقم: 421

ذكريات

أركض. أغمضت عيني سرى دمعي من جفني. قبضت على يدي وتخيلتك تلامسينها متذكرا كيف كنت تضحكينني على نحول وطول أصابعي. تذكرت بسمتك عندما كانت وجنتاي تحمران خجلا، فتمسكين بيدي. عندها كنت تقفين على أطراف أصابعك، وتضعين كلتا يديك على خديي كي أنظر إليك وتخبرينني بأنك أحببتني كما أنا.

أركض. فأصل إلى تلك الغابة ذات الأشجار العالية المتشابكة التي دوما ما رغبتِ أن نركض سويا إليها. أتذكرين كيف كنت تققين على حافة الشباك الندي وتطلبين أن نخرج سوية في المطر؟. عندما كنت تطلبينني بتلك النبرة الناعمة وعيناك تنظران إلي، وهل كان لي حيلة آنذاك؟ لم يك بيدي أن أرفض لك طلبا بالرغم من كرهي أن تبتل قدماي خاصة في تلك الغابة الموحلة.

كنا نتسابق صوب الغابة. ولقد سبقتني تلك الليلة إلى شجرة البلوط الشاهقة كنت تضحكين وتدورين حول نفسك فاتحة يداك كما لو أنك فراشة تتعلم الطيران. وكانت عيناي لا تفارقك طيلة الوقت، فأمسكت بيدي في ذلك اليوم الراعد، وطلبت أن ندور معا بين أوراق الشجر. كنت أنت أمسيتي في الغابة، وبالرغم من أن البرد كان قارصا، لم تخذلني أناملك الرقيقة ولو للحظة من أن تدفأني.

واقعي اليوم بعد الفراق

أما الآن فأنا أرتعش بردا. كل الأغصان في مرآي ترتوي الليلة، ولكني أمسيت غصنا بات يرتجي مطرا. أنا الآن في وسط الغابة. أتذكرين عندما كان رأسي عاليا في السماء شامخا. كان يرتطم بالأغصان المجاورة، ولكنه الآن مطأطئ في الأرض. عندما كنت تحدقين بعيني كان الزمن يحبس نفسه لبرهة، ليجعلني قويا بجوارك وضعيفا خوفا من خسارتك في الآن ذاته.

ويرجع الزمن لمجراه مسترجعا أنفاسه مرة أخرى. أشعر بأن المسافة بيني وبين وجهتي تطول. كم هي بعيدة هذه الشجرة!. إني أراك بين كل ثنايا الأشجار وطيات الأغصان المتشابكة، بين كل من يحيا في هذه الغابة، إلا روحي التي انطفأت. أرى نفسي أغرق في عينيك وأتوه في بسمتك الرقيقة، أراك وكيف لي أن أنساك، وانت من جعلتني أسبح في الفلك إذ عانقتني؟ ها أنذا قد وصلت وجهتي. من بين كل الأشجار التي في الغابة هذه هي العزيزة إلى قلبي.

شجرتنا والقبر

بالرغم من بعدها وإحاطتها بشتى أنواع الأشجار من مختلف الأحجام والأنواع، وبالرغم من أني أكره ذلك المطر الذي يجعلني كهرة بائسة مبللة، إلا أني أحبها. أحبها من أعماق قلبي هذه الشجرة الصعبة الوصول، بل إني أعشقها. آه لو لم ينته سباقنا إلى شجرة البلوط في ذلك اليوم، واستمر أبد الآبدين.

لكني سأكمل ككل يوم المجيئ إلى هنا كي أتنفس من عبقك. كي أتخيلك تمسكين بيدي وتضحكين من أصابعي كي تتلامس أرواحنا ولو لبرهة من الوقت. اعذريني، ولكن قد ابتلت هذه الرسالة التي أكتبها إليك من الأمطار. سأضعها هنا فوق قبرك ككل يوم من بعد فراقك وستغطيك شجرة البلوط كما تفعل دوما.

فيديو مقال رسالة رقم: 421

أضف تعليقك هنا