تعال معي لكي نقرأ رواية “ذهول ورعدة” لصاحبتها أميلي نوتومب

بقلم: نوال العوني

براعة الكاتبة في السرد

إذا كنت تحس بألم حاد في هذه اللحظة، فكل ما أنصحك به هو أن تقوم بتحميل رواية “ذهول ورعدة” لصاحبتها أميلي نوتومب، وتقوم بقراءتها دفعة واحدة، أتعلم لما عليك أن تقرأها دفعة واحدة؟ لأنك لن تستطيع مواجهة كمية التشويق الموجودة بين سطورها، ولن تقدر على مقاومة سحرها.

استطاعت اميلي نوتومب أن تتخلص من قيود السرد في مساحة قصيرة لا تتجاوز 130 صفحة، وأن تنتج لنا بذلك عملا رائعا بأسلوب فكاهي ماتع وبسيط. حيث أنها تناولت بالسرد تجربتها الحياتية التي عاشتها لمدة لا تقل عن سنة واحدة،  بحلوها القليل ومرها الذي تجاوز كل الحدود.

تجربة عام في الوظيفة

فالرواية “ذهول ورعدة” تحكي تجربة فتاة تبلغ من العمر 21 سنة أنهت دراستها الجامعية، وحازت على عقد عمل لمدة سنة كاملة، بأحد أكبر الشركات اليابانية. تبدأ الرواية أحداثها بمشهد في المصعد، وتقوم الكاتبة بالتصريح بكونها تركت انطباعا سيئا منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماها شركة يوميموطو، فكانت أول كلمة نطقت بها في الشركة هي “نعم”، وهذه الكلمة كانت عبارة عن جواب لسؤال طرحه عليها السيد “صايطو” حول مدى حبها للتحديات.

فكان أول عمل تقوم به إميلي هو تحرير رسالة باللغة الإنجليزية إلى شخص يدعى جونسون، لكنها لم تفلح في هذا التحدي، وكان  عبارة عن بداية لانهزامات غير معدودة ستعاني منها الكاتبة.

ثم تتوالى بعد ذلك الأحداث والكاتبة لا زالت تأسرنا بأسلوبها المميز في السرد، إذ أنها ستنزل إلى أسفل السافلين عبر القيام بمجموعة من المهام التي ستوكل إليها، والتي لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة لإذلالها. فنحن باعتبارنا قراء سوف نصدم من هول ما تعايشه الكاتبة، لكنها في المقابل عبثا تواجه هذه الظروف بلامبالاتها المعهودة.

عمل لا يخطر على بال

ستتعرف على أشكال العبودية التي يمارسها الرؤساء على موظفيهم، وكل واحد منهم هو الجلاد والضحية في الآن نفسه. باستثنائها هي التي تكون دائما الضحية، إذ إنها بعد مرور كل يوم تقوم بقبول وضع مهني يزداد سوءا، إلى أن استقر بها الحال كعاملة في دورة المياه للرجال، هنا بالذات تبلغ الرواية ذروتها من المتعة، حيث أنها ستبدأ حياة جديدة مليئة بالتأمل الوجودي.

كما جاء على لسانها في الصفحة 184: “منذ أن تلقيت المهمة التي لا تخطر على بال، دخلت بعدا آخر من الوجود، عالم الهزل بما في الكلمة من معنى. وسرعان ما صار القذر في ذهني هو النظيف، والعار هو المجد، والجلاد هو الضحية، عشت في تلك الأمكنة أكثر الفترات مرحا في حياتي”.

الاستقالة

وفي نهاية الرواية تخلص الكاتبة، إلى اتخاذ قرار مصيري، هو قرار استقالتها لكن هذا الحدث لا يخلو كذلك من متعة.  فالتقاليد تحتم عليها أن تتوجه بطلب استقالتها إلى أربعة أشخاص تباعا، وهم رؤساؤها، انطلاقا من أسفل الهرم إلى صاحب الشركة، مما جعلها تستعد لذلك ذهنيا وكان من البديهي أن تحترم القاعدة الكبرى وهي عدم التذمر. وأن تنسب كل الأخطاء إليها.

إن رواية “ذهول ورعدة” هي رواية بحق أكثر من رائعة، حازت على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية لعام 1999، ونقلها المخرج الفرنسي ألان كورنو إلى السينما عام 2002، وهي أكثر أعمال نوتومب التصاقا بسيرتها الذاتية.

بقلم: نوال العوني

 

أضف تعليقك هنا