حبيبتي

بقلم: داود

جارتي التي حازت فؤادي

جارتي فتاة عشرينية بيضاء البشرة ذات عيون بنية كبيرة لو حدث و امتزجت مع أشعة الشمس لأصبحت كسوفا لا تقوى على تحمل نظراته العين المجردة، دائما ما ترتدي حجابا يزيدها حسنا و بهاء، تحمل من الخلق و العفة ما يشعل فتيل حرب لنيلها، تقدمت لخطبتها يوما و ما كنت لأتجرأ على قرع باب منزلها لو لم أكن أعلم أنها في انتظار دقات يدي فقد سبقتها دقات قلوبنا ذهبت و بيدي باقة زهور و علبة حلوى، و عدت و بقلبي حزمة أشواك و غصة مريرة فلقد رفضني والدها بحجة أني لست بالمناسب لابنته مع أني أملك من متطلبات الزوج الروتيني من عمل و منزل ما لا يغلق طريق حياتي بكلمته.

و أملك قدرا من الأخلاق لطالما كان أول من شهد بها لي، و أملك مقدارا من الحب لابنته لا أغالي إن قلت أنه يوازي كفة حبه لابنته…مرت السنوات و كل منا باق على حاله، و كأن نسل حواء كله انقطع إلا من غيرها، فمهما تعددت توسلات أمي واحتيالها علي لاختيار من تشاركني هم الحياة، إلا أن قلبي باق على عناده لا يريد سواها، باق في مواجهة عناد أبيها. و هي اعتكفت في منزلها و اعتزلت كل الناس و طرحت من عقلها فكرة أن تكون شريكة لغير من هوى له قلبها منذ الصغر.

عذابها وعذابي

زارت يوما أمها أمي و كغيرها من زيارات الجارات، تخللتها أسئلة عن الصحة و العافية و مشاركة لوصفات طبخ جديدة واحتساء لأكواب قهوة و التقطيع في خلق الناس، و في سياق ثرثرتهم سألتها أمي عن ابنتها فما كان إلا أن لاحت في الأفق تنهيدة طويلة تحمل ألما كبيرا. ماذا أقول يا جارتي وأنا أرى قرة عيني كشمعة تذوب يوما بعد يوم؟، من يوم رفض أبوها لابنك و هي بائعة للدنيا و ما فيها، حاولت أمي مواساتها في مصيبتها بأن لا حال يبقى على حاله و سيأتي يوم و تفرحين بها عروسة في زواج من هو أفضل من ابني. و كأن أمي غرزت في قلبها رزمة سكاكين.

أي تغيير و أي حال يا جارتي و منذ طرقت يد ابنك بابنا لم تقرب بابنا يد أخرى؟، أصبح بابنا غريبا شاحبا كئيبا يدق من كل السائلين إلا من يد الخاطبين، فصراحة يا جارتي وأنت من تعرفين عز المعرفة ابنتي، أيعقل أن يكون وراء ذلك الباب لغز غامض و لا تستثار عقول البشر لحله؟، أيعقل أن يكون وراء ذلك الباب كنز عظيم لا تتحرك غرائز البشر لاكتشافه؟، أيعقل أن يكون وراء ذلك الباب رزق فائض و لا تتجه أيادي البشر لاصطياده؟، و غيرها من الأرزاق التي يطمح بنو البشر لنيلها موجودة وراء ذلك الباب، ولكن و كأننا في عالم العدم.

حارس الباب ولن يفتح لغيري

هذا الباب باق على حاله لا يغاث، أهو عيب في الباب و مكوناته أم هي عيوب بشرية؟!. يا ترى هل أصابت أيادي البشر الكسل أم أنها تعطلت بفعل الشلل؟!، هل لعيون البشر تطلعات أم أنها عليلة تحتاج لنظرات؟! وهل بعقول البشر أفكار أم أنها عقيمة لا تثار؟! و هل بقلوب البشر مشاعر أم أنها باعت الضمائر؟ مسكينة خالتي لا تعرف سبب هجرة الأيادي لابنتها، والحقيقة أن وراء ذلك كله هو أنا، فمن ذا الذي يجرؤ على مجرد التقرب من ذلك الباب إلا و نسفت وجوده.

طردت كل خاطب تقرب إلى ذلك الباب، منهم من طردته برجاء و أمل أن هذه أميرتي أنا و لا تصلح لسواي فجرب حظك في طريق آخر ومنهم من تعاونت مع أصدقاء الحي لطرده من أمام باب العمارة أو تضليله في عمارة أخرى، وما ساعدني في زيادة فرص أملي من هذا  كله هو مصيبتي التي تختبىء وراء ذلك الباب لما رأت من عذاب، تنتظر جليد قلب أبيها حتى يذاب، و تبدأ باستقبال أعز الخطاب.

بقلم: داود

 

أضف تعليقك هنا