عندما سقطت حلب

مع القلم

نويت البدء في الكتابة، فأمسكت قلمي، وجهزت قرطاسي، وشرعت أسطّر ما يجول في نفسي، لكني لم أرَ حروفي ولا كلماتي، فهززت قلمي، ونفخت عليه ظناً مني أنّ البرد هو السبب، وعدت للكتابة، فلم يتغير شيء لم أرَ حرفاً ولا كلمة، فهززته أخرى، وكتبت لكن لا فائدة. بدأ الغضب يتسلل إليّ، ويملأ كياني حتى شددت يدي على القلم، وفكرت بأن أكسره لأنه خانني، ولم يفعلها من قبل.

وبينما أنا على هذا الحال، إذا بصوت قريب جداً يقول: ماذا تريد أن تكتب؟ فذهلت، والتفت فلم أرَ أحداً، فقال: خفف من ضغطك عليّ، وأجبني على سؤالي، فعرفت أنه القلم الذي بين يدي، فقلت له: أفعلت ذلك عمداً ولم تحبّر حروفي؟ ما بالك اليوم؟ قال: نعم فماذا ستكتب؟ أتريد أن تكذب على الناس أن تخدعهم أن تصنع لهم حلماً لن يتحقق؟ قلت: ومتى عرفت عني مثل هذا؟ ألست رفيقي منذ سطرت أول حروفي في طفولتي حتى يومي هذا؟ أرأيتني يوماً مخادعاً في ما أكتب؟

حوار الخلان

ألست من يسطّر كل كلمة في خاطري وخلدي؟ أوجدت شيئاً مما ذكرت؟ قال: لا هذه حقيقة لا أنكرها وهي سبب رفقتي لك ولزومي إياك، لكن ماذا عسيت أن تكتب اليوم بعد أن سقطت حلب؟ هل ستقول: إنها لم تسقط وتبيع الناس كلاماً كما يفعل الكثيرون؟ قلت: لو أنّ غيرك قال هذا لما استغربت، لكنّ القائل أنت يا من تعيش معي كل لحظة في حياتي، ومن ائتمنتك على أسراري وآثرتك بها دون العالمين جميعاً، لكني رغم ذلك سأجيبك: سأقول لهم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تفاءلوا بالخير تجدوه” سأقول لهم ما قال الرحمن القهار في كتابه العظيم: (والعاقبة للمتقين)

أأكون كذبت عليهم؟ قال: لا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه”.  قلت: نعم، قد قال ذلك، لكن هل هو شرّ على المسلمين، أم أنّ الفواحش والمعاصي تنتشر أكثر مما كان عليه السابقون، وقد وصل الأمر أن يصير فعل قوم لوط قانوناً تحميه الأمم المتحدة كما تعلم. إنّ المسلمين اليوم يعودون إلى ربهم أفواجاً، ويلتزمون صراطه المستقيم ليتحقق وعده سبحانه بأن العاقبة لهم. قال: لكنّ سقوطها كان قاسياً جداً.

قلت: إنّه ليس أقسى من سقوط بغداد في الماضي، وليس أقسى من سقوطها في الحاضر، وليس أقسى من سقوط الأندلس، ولا سقوط القدس. وإذا استطعنا بعد الأندلس فتح القسطنطينية، ووصل الإسلام إلى الصين بعد سقوط بغداد، فإنّا قادرون أن نجعل من سقوط حلب سبباً لانتصارات لا تقل شأناً ولا أهمية عن تلك بالعزيمة والجد.

فأطرق القلم قانعاً بما سمع، وسطر بخطه الرائع المثل العربي العريق: (من جَدّ وجد، ومن سار على الدرب وصل).

فيدو مقال عندما سقطت حلب

أضف تعليقك هنا