الإعلام والديمقراطية بالوطن العربي.

يعتبر الإعلام هو المركز الرئيسي لتسويق ونشر الديمقراطية، وفضاء فكريا لتبادل الآراء وتدبير الاختلافات. فهو مؤسسة تسهر على تنوير الرأي العام وتحليل مختلف القضايا التي تتعلق بالمجتمعات والتفاعل مع المستجدات، ويعتبر الإعلام هو السلطة الحقيقية في المجتمع والموجه الأساسي والحقيقي للفرد والجماعات.

والإعلام القوي هو الذي يفرز لنا ديمقراطية حقيقية ويؤثر فيها ويتأثر بها، هو أيضا ذلك الإعلام الذي يستمد قوته ومشروعيته من المجتمع المدني ويحولها لقوة مضادة داخل المجتمع تعمل على إنتاج ثقافة ديمقراطية ونقاش سياسي يقومان على التحليل والمراقبة وكشف الحقائق والوقوف ضد الفساد والتجاوزات، واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة وترشيد القرار.

لكن تبقى الأسئلة التي يطرحها الكثير من المهتمين بالشق الإعلامي والسياسي هو أيهما أهم الإعلام أم الديمقراطية؟ و هل الإعلام العربي يحقق لنا ديمقراطية حقيقية وشاملة؟

أيهما أهم الإعلام أم الديمقراطية؟

بين الإعلام والديمقراطية تختلف الآراء وتتنوع القراءات باختلاف الزوايا والآراء، فهناك من يرى أن حرية الإعلام شرط أساسي لقيام الديمقراطية وأن الإعلام الحر في حد ذاته تجسيد للديمقراطية، خاصة وأن الإعلام هو طريق لتدعيم الأوضاع الديمقراطية في المجتمع، وأن حرية الإعلام خاصية من خصائص الديمقراطية، وأن أحد معايير قياس نسبة الديمقراطية في أي مجتمع هو مدى احترام حق الإعلام والإعلاميين، وما تتمتع به وسائل الإعلام من حرية دون المساس بحرية الآخرين، وهو ما يتحدد وفقا للقانون المتعلق بالصحافة والإعلام القائم على تنظيم العلاقة بين الإعلاميين ووسائلهم ومدى احترامهم للأفراد والجمهور.

كما أن الإعلام الحر هو تلك الوسيلة الأكثر نجاعة لمراقبة السلطة وتجاوزاتها، ولذلك يطلق على الصحافة لقب السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وفي نفس الوقت لابد من توفر شرط الديمقراطية في أي مجتمع لقيام حرية الرأي و التعبير التي تشكل الحاضن الرئيسي لنمو إعلام حر ونزيه عبر وجود نظام ديمقراطي قائم على أسس المواطنة، والحوكمة الجيدة، والتداول الرشيد للسلطة على كافة مستوياتها، وسن قوانين تشريعية تضمن حرية الحصول على المعلومات، وحرية تداولها بكافة الطرق تتوافق مع المعايير العالمية لحرية الرأي ومعززة بنظام قضائي مستقل، وتواجد خاصية البيئة المجتمعية التي تحترم الاختلاف والتنوع، وحرية الاعتقاد والرأي الآخر ،وتنبذ عقلية العنصرية والانغلاق.

هل الإعلام العربي يحقق لنا ديمقراطية حقيقية وشاملة؟

وفي الوطن العربي لم تعد هناك دولة في وقتنا الحاضر لا توجد فيها صحافة وإعلام خاص إلا أن ذلك لم يتطور بعد ليشكل إعلاما مستقلا، فكلما تباعدت الديمقراطية عن الإعلام زادت الفجوة، أو بمعنى أخر سيطرة الدول العربية على الإعلام الداخلي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر قد يشكل تحديا حقيقيا لدور الإعلام و لوظائفه الصحيحة.

إن توجه دول العالم العربي نحو الإصلاح الديمقراطي الحقيقي والشامل يجب أن يترافق بتحرير الإعلام من سيطرة الدولة وتحكمها في السلطة الرابعة كسلطة مستقلة تراقب عن قرب كل صغيرة وكبيرة.

فاليوم لا يمكننا الحديث عن مفاهيم مثل الديمقراطية والشفافية والمساواة دون الحديث عن حرية الإعلام، ورغم محاولات البعض الفصل القسري بينهما، إلا أنه يوجد بينهما ترابط عضوي يجعلهما متحدين ومتكاملين وكل واحد منهما يشكل مؤشراً ومعياراً وسنداً لوجود الآخر، ومن المستحيل وجود إصلاح ديمقراطي شامل وحقيقي في المجتمع دون وجود حرية للرأي والتعبير يكون عمادها الإعلام المستقل المتحرر من سيطرة الدولة، وتبعات المسؤولين، وأصحاب المال يسيرون الإعلام بالهواتف مما يضرب في مفهوم الديمقراطية كمفهوم شامل.

إن الاعلام والديمقراطية مفهومان متكاملان يبقى ترشيدهما رهين بالإعلامي الحر في نقل الخبر ومصداقيته أيضا، فلا حديث عن ديمقراطية بدون مصداقية، كما أن من تجليات الديمقراطية الحقة هو مدى احترام السلطة للحقوق والحريات عامة، والحصول على المعلومة، واعتبار المتلقي فرد محايد يقيم مدى دمقرطة الإعلام وتوجهاته الحقيقية.

إن تواجد الإعلام العربي، هو تلك اللبنة الأساسية لبناء النظام الديمقراطي في أي بلد يريد شعبه الانتقال من مرحلة الاستبداد، والديكتاتورية، والنظام الشمولي إلى مرحلة بناء المؤسسات الديمقراطية وتثبيت قواعد القانون ونظامه.

هل الإعلام العربي حر أم مقيد؟

الأسس التي يبنى عليها الإعلام الحر

أن تحقق إعلاماً عربياً حراً لا بد من توفر عدة أسس لا يمكن الاستغناء عنها ويبنى على أساس العدل والمساواة والحرية.

  • أولا: أن الإعلام الحر يحقق مبدأ حرية التعبير الذي يمنح المواطن فرصة الاختيار والتعبير .
  • وثانيا: فرصة التفكير قبل أن يختار مما يعتبر ديمقراطية أيضا دون تقييد الفرد بإعلام دون آخر، ما يساهم في تنمية روح المسؤولية الذاتية لدى المواطن العربي، كما أنه يحقق مبدأ الرقابة والمساءلة والمحاسبة وكشف المستور الذي تسعى السلطة والدولة إلى إخفائه عن الناس.

لكن للأسف لا زال اعلامنا العربي عامة والإعلام المغربي على سبيل الحصر إعلاما موجها مئة بالمئة اللهم من رحم ربه، إعلام تابع لقيادات وتيارات وأحزاب سياسية ينقل ما يشاء ويخفي ما يشاء ينهج التعتيم على الجمهور والمتلقي لتغيير الأفكار والتوجهات وكسب التعاطف والتأييد.

العنوان الحقيقي للإعلام العربي عامة والمغربي خاصة

للأسف اعلامنا العربي عامة والمغربي خاصة لا يختلفان، عنوانهما الحقيقي غياب ديمقراطية فعالة وحقيقية أمام سن قوانين تضرب في عمق الصحافة، وتهاون بعض الإعلاميين دون تشبثهم بأخلاقيات وأعراف المهنة.

إعلامنا إعلام مقيد بشروط تطبقها الدولة وتستثني منها الديمقراطية، فكم من إعلامي سجن نتيجة نقله للخبر، وكم من إعلامي قتل واغتيل، وكم من أشباه الصحافة يبيعون الأوهام للناس يشكرون السلطة في الوقت الذي يعتبر الإعلام هو مراقب السلطة وتجاوزاتها.

إن حقيقة الإعلام العربي الحالي قد لا تبشر بالخير أمام تراجع حرية الإعلاميين، وسن قوانين جديدة تضرب في عمق الديمقراطية كمبدأ أساسي لإنتاج إعلام نزيه، وأن دور وسائل الإعلام في دفع المسار الديمقراطي في الدول العربية يبدو غير كاف، فهو في حاجة ماسة إلى ثقافة سياسية جديدة ومرجعية إعلامية تقطع مع موروث إعلام الدولة ومفهوم الاسترزاق الصحفي.

هل يمكن للإعلام الحر أن يكتفي بترسيخ ركائز التحول إلى حكم ديمقراطي؟

في الحقيقة يصعب التنبؤ بنتائج مزج العملية الإعلامية بقضية الديمقراطية في المجتمعات العربية التي تفتقد إلى أرضية ومرجعية صلبة في العمل السياسي والديمقراطي، وأن إنجاح الديمقراطية بالوطن العربي لا زال رهين بحل الصراعات السياسية، واحترام حقوق الأقليات وحقوق الإنسان، ومحاربة الفقر، والعنصرية، والإرهاب، والجريمة المنظمة في مختلف أشكالها وهي كلها علامات قد تؤثر في أداء الديمقراطية ومعها وسائل الإعلام، ومن الأمثلة على ذلك ما يجري في (فلسطين وسوريا و لبنان) أذن فلا يمكن للإعلام الحر أن يكتفي بترسيخ ركائز التحول إلى حكم ديمقراطي بل الأهم من ذلك هو حمايته والدفاع عنه.

النموذج المغربي

ويمكن في هذا الإطار الاستدلال بالنموذج المغربي وما تعرفه الساحة من تغيرات سياسية، واجتماعية، وارتفاع نسبة البطالة ناهيك عن الفوارق الاجتماعية، وارتفاع الهجرة السرية، وعدد العاطلين في صفوف المعطلين حاملي الشواهد العليا.

فبالرغم من تواجد عشرات القنوات، والجرائد الورقية، والصحف، والمنابر الإعلامية لكن لم يستطع هذا التنوع والتعدد الإعلامي أن يحمي الديمقراطية ولم تتمكن الديمقراطية من توفير شروط الإعلام الحر والنزيه والمستقل، ناهيك أيضا عن اعتقالات وتهديدات في صفوف إعلاميين ومدونين تفاعلوا مع الحراك الريفي مثلا (اعتقال الصحفي المهداوي) وهذا ما عرض عمل وسائل الإعلام إلى أن تدفع ثمن عملها من رجال الصحافة الذين سجنوا.

اقتراحات لإصلاح الإعلام العربي 

إن إصلاح الإعلام وتحرير الطاقات حتى تبدع وتنتج رسالة إعلامية تتماشي مع طموحات الجماهير ومقتضيات التنمية والتطور، يتمثل في التشجيع أكثر للقدرات والطاقات واستثمارها، وتوفير الإمكانيات البشرية المؤهلة لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار وتبادل الآراء، وتفاعل كافة مكونات المجتمع الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع وتنويرا لإعلام هادف يخدم المتلقي ويوجهه توجيها صحيحا، وتلقين الإعلاميين أيضا دورات تكوينية مستمرة تتماشى مع التغيرات التي تعرفها كل منطقة، والحسم مع ممتهني المهنة لأغراض سياسية أو مالية بسحب الثقة منهم وإلغاء هواة الصحافة الذين لا يجيدون قانونها.

من أين يجب أن نبدأ، من النظام الديمقراطي السياسي أم من النظام الإعلامي؟

الحقيقة والواقع هو أن الإعلام في المجتمعات لا يحقق مصالح الشعب ولا يعكس آماله وطموحاته، وكلما كان التقاعس والخلل والقصور في النظام الديمقراطي السياسي كان مرجع ذلك تزايد الخلل والقصور في النظام الإعلامي، ومن ثم يدخل الأثنان في دوامة مفرغة ولا نعرف أيهما المسؤول عن تدهور الأخر.

ولكن علينا أن نبدأ بالإعلام وهذا يتحقق من خلال ديمقراطية الإعلام والاتصال، وجعل الإعلام من الجماهير الى الجماهير، وجعل الكلمة للشعب وحرية التعبير والاحتجاج.

مفهوم ديمقراطية الإعلام

إن ديمقراطية الإعلام والاتصال مفهومها هو جعل الإعلام فضاء للتعبير، وترسيخ مبادئ الحرية، وتقبل الرأي والرأي الآخر، ونقاش الأفكار وليس على فرض وجهة النظر الواحدة أو الرأي الواحد من القمة إلى القاعدة، وتعلق الإعلام بقضايا وهموم الناس والاهتمام بشؤون حياتهم سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو تعليمية.

الهدف المثالي من الإعلام والديمقراطية

إن الهدف المثالي من الإعلام والديمقراطية هو الدفاع عن الحقوق وضمان الواجبات وتحقيق تقدم للبشرية وتمكين الإنسان من تحقيق حرياته ومساواته وتحقيق العدالة.
إن هذا الطريق الصائب والسليم للإعلام والاتصال سوف ينعكس على طريق الديمقراطية السياسية ويصحح مسارها.

وهكذا يتضح أن ديمقراطية الإعلام والاتصال هي الطريق الوحيد لتحقيق حقوق الإنسان وضمان الدفاع عن الأقليات والتفاعل مع هموم المجتمع وتحدياته في جو يسوده القانون واحترام الرأي والرأي الأخر .
فلا حديث بالوطن العربي عن إعلام حر ونزيه، ولا وجود لديمقراطية حقيقية ما دام الإعلام العربي إعلاما مقيدا ومتبوعا، وتبقى الديمقراطية ذلك المفهوم الذي تتغنى به الدول دون منح شعوبها وإعلامييها أدنى الحقوق.

فيديو مقال الإعلام والديمقراطية بالوطن العربي.

أضف تعليقك هنا