الجزائر وقابلية الاستعمار بين الواقع والوهم الفترة القديمة

بقلم: حسين بوزناشة

تعاقب شعوب العالم على بلاد المغرب

الدارس لتاريخ الجزائر وبلاد المغرب عامة يلاحظ ان المنطقة شهدت تعاقب شعوب العالم على المنطقة إما احتلالا أو غزوا أو فتحا وهي الخاصية التي لم تشمل بقية الشعوب الأخرى وهو الشيء الذي حثني لمعرفة الأسباب التي جعلت المنطقة بوابة استقبال لكل ماهو آت، وهو ما اصطلح عليه المفكر الجزائري مالك بن نبي قابلية الاستعمار وهو ما سأتناوله من خلال طرح هذه القابلية من خلال كرونولوجيا تاريخية توضح المصطلح وتثبته.

غابت بلاد المغرب عن الكتابات التاريخية إلى غاية القرن الخامس ق.م حيث تناولها المؤرخ الإغريقي هيرودوت خلال زيارته إلى مصر حيث ذكر أنها منطقة يعيش بها بدو ورعاة ومزراعين، ولا يعرفون الحضارة-وهنا يمكن الإشارة إلى أن طبيعة الإنسان المغاربي الذي لم يكتب تاريخه وبالتالي حق له أن يصفهم بتلك الأوصاف-، ويعود أول تواجد للوافدين في المنطقة إلى الألف الثانية عشر ق.م مع التجار الفنينقين الذين كانو يقومون بالرحلات التجارية إلى قادش بإسبانيا، واستغلو سواحل بلاد المغرب كمراكز للاستراحة والتبادل التجاري.

وهو ماأطلق عليه هيرودوت المساومة الخرساء لانعدام لغة التواصل بين الطرفين، لكن مع مرور الوقت تحولت تلك المراكز من مؤقتة إلى دائمة، ومن هنا بدأ التواجد الأجنبي في بلاد المغرب بصفة دائمة -وهنا لا نهمل الهجرات من وإلى بلاد المغرب قبل هذه الفترة – ، وبعد الاستفرار الفينيقي من خلال المدن التجارية، وبحكم الظروف السياسية التي سادت مدينة صور انتقلت الأميرة عليسا إلى بلاد المغرب سنة 641 ق.م ، واشترت من الحاكم المحلى حرباس قطعة أرض بمقدار جلد ثور-هي حيلة استخدمتها عليسا وحصلت بها على قطعة أرض كبيرة -.

الحرب الرومانية القرطاجية

ومن خلال اطلاعنا على الموقع الاستراتجي للموقع تصبح فرضية الصدفة في اختيار المنطقة والموقع أمرا غير وارد، ومنه أسست عليسا قرطاجة التي نمت وازدهرت وأصبحت حاضرة كبرى وقوة إقليمية توسعت في حوض المتوسط إلى غاية 480 ق.م معركة هيميرا ضد الإغريق، حيث تغير منهاج توسعها من الحوض المتوسط إلى الداخل -حيث ألغت قرطاجة الضريبة التي كانت تدفعها للأهالي بل وتوسعت على حساب أراضيهم، وأصبحت هي تفرض عليهم الضرائب-، وهنا لا نهمل التواجد المحلي في الجيوش القرطاجية، ونطرح فكرة قابلية الاستعمار حيث إن المشاركة المحلية في الجيوش القرطاجية كانت قوية فلماذا سمحت بالتوسع على حساب أراضيها وفرض الضرائب على أهاليها.

بالموازاة مع التوسع الفرطاجي ظهر في بلاد المغرب  مملكتين محليتين – لا نعرف التأسيس لأنها ذكرت فقط من خلال الصراع الروماني القرطاجي حيث اتخذت مملكة ماسيل من سيرتا عاصمة لها وكان ملكها غايا، واتخذت مازيسيليا من سيقا عاصمة لها وكان ملكها سيفاكس، ودخول هاتين المملكتين إلى التاريخ القديم كان من خلال الخوص في الحروب البونية والتي شارك فيها الطرفين حيث تحالفت ماسيل مع قرطاجة ضد روما- اتخذت ماسيل من اللغة البونيقية وهي اللغة القرطاجية وكانت اللغة الرسمية فيها، وهو من مظاهر التبعية -، في حين تحالف سيفاكس مع روما لكن بعد مؤتمر سيقا 206 ق.م تغير محور التحالف حيث حالف ماسينيسا بان الملك غايا  ملك الماسيل روما من أجل استرجاع ملكه الذي سلبه منه سيفاكس متحالفا مع قرطاجة، حيث استعان ماسينيسا بالرومان وأدخلهم إلى بلاد المغرب وأسس بذالك لدخول كيان جديد إلى المنطقة وكان ذالك بعد معركة زاما 202 ق.م.

معاهدة زاما

وعقد بعدها معاهدة زاما بين روما وقرطاجة سنة 201 ق.م، بموجب هذه المعاهدة ضم ماسينيسا بلاد مازيسيل وأصبح تسمى نوميديا، واستغل ماسينيسا البند الخامس من هذه المعاهدة القاضي باستعادة أراضي أجداده التي توسعت قرطاجة على حسابها كما أسلفنا، استطاع ماسينيسا التوسع على حساب قرطاجة رافعا شعار -إفريقيا للأفارقة- وهو الأمر الذي أقلق روما التي اتخذت ذريعة واهية من خلالها قضت على قرطاجة وأرخت لبداية استيطان روما في المنطقة وكان ذلك عقب الحرب البونية الثالثة 146 ق م – .

قبل نهاية الحرب البونية الثالثة وبالضبط سنة 148 ق.م أحس الملك ماسيينيسا بدنو أجله فاستدعى القائد الروماني سيبيون إيمليانوس الذي كان في حرب مع قرطاجة بغية قسمة الملك على أبنائه الثلاث، فما كان من سيبيون إلا تقسيم نوميديا على الإخوة الثلاث ومنه استطاعت روما كبح آمال ماسينيسا التوسعية من جهة وتقسيم نوميديا من جهة أخرى والتي ستكون لقمة سائغة مع مرور الوقت للتوسع عليها وهو ماسيحدث سنة40 ق.م -هنا أيضا نؤكد على طرح القابلية للاستعمار وهو ما جسده ماسينيسا من خلال استنجاده بسيبيون من أجل تقسيم الملك على أولاده دون أن نتناسى دوره البارز في وجود الروماني في المنطقة والذي من تبعاته السيطرة الرومانية على بلاد المغرب عامة.

جزاء من لا يكتب تاريخه

من لا يكتب تاريخه يجهل ماضيه هو القول الذي يمكن تلخيص به تاريخ بلاد المغرب، فهي وصفت بما رآه الكتاب الأجانب  من خلال الغياب الكلي للكتاب المغاربة على عكس كل من القرطاجيين والرومان حيث غابت الشخصية المغاربية -وإن وجدت فقد عرفوا بفئة البونيقين وهم المتأثرون بالثقافة القرطاجية والمترونمين أي المتشبعون بالثقافة الرومانية ،   رأينا من خلال هذا الطرح التناول الموضوعي للأحداث والبعد عن الجانب العاطفي وهو ليس بغية احتقار بل للاعتبار وأخذ الدروس.

بقلم: حسين بوزناشة

 

أضف تعليقك هنا