الوحدة بين النفس والفكر

الوحدة

إنها ذلك الشعور الذي يتولد شيئا فشيئا ليراودك بداخلك، تكونه طبيعتك وتجاربك مع الواقع والحياة ،حتى ينشأ في داخلك انطباع نفسي يقترن مع ذلك الشعور، بعد ذلك تعيش النفس مع الشعور كأنهما متلازمان لا ينفصلان. إنها قوى الطبيعة التي لا يستطيع المرء أن يصمد أمامها. تلك الطبيعة التي ترتبط ارتباطا فريدا بذاتنا، وكأنه تفاعل غير مرئي يعكس صورة الواقع إلى معاني أخرى بداخلنا.

تلك الوحدة التي يعيش معها المرء كأنه مخلوق وحيد في عالم بعيد يتسع باتساع الكون، إننا هنا نتكلم عن معاني الوحدة التي تسكن في قرارة النفس فيأتي منها الوجد، ويشرد معها الفكر إلى أعلى وأسمى المعاني، الوحدة في الحقيقة إنما هي شبح وهمي يسكن داخل النفس، ويتجول بين الجوارح وعندما ينطلق ذلك الشبح فإنه يأخذ معه أفكارنا ومشاعرنا إلى عالمه.

وكأنه قد هرب بك مسافرا إلى واقع آخر هو واقع ذاتك حيث تسكن في مستقرها، فالذات ليست شيئا ماديا يمكننا أن نراه وإنما هي ملكة في داخلنا تحوم في فلكها كل معانينا وأسرارنا الوجودية، إنها لغز غامض ودوامة غير مرئية تقلب مشاعرنا وأفكارنا في أعماقها، تلك الوحدة وأثرها الفريد قد تحدث اقترانا مع تلك الذات بداخلك فيصبح كل شيء بداخلك مختلفا. فيشرد عالمك منك ليكشف لك عن العالم الآخر الذي يغاير قوى الطبيعة، ويعكس قوانينها لتوجد أنت مع ذاتك في ذلك العالم اللامرئي بقوانين عقلك الباطن وفلسفتك الشعورية والنفسية.

فترى فيه فكرك وشعورك في واقع آخر يبعد كل البعد عن عالمنا وواقعنا، ذلك العالم لا تستطيع أنت أن تجسده وإنما تعيش بفكرك وشعورك بين توهماته ومعانيه، والغريب أن كل تلك التوهمات بما تحمله لك من شعور عميق في داخلك له كل الأثر على نفسيتك وتكوينك الداخلي قد تراها أنت ترتبط ارتباطا وثيقا بالواقع المرئي رغم أنه ارتباط بعيد لا توصلك إليه ولو سنون السفر الضوئية، ولاستيعاب ذلك الأمر لنعش لحظات من التحول غير المادي، هذا إذا كنا نستطيع ذلك.

(انسلاخ من الجسد)

لتعتبر نفسك أيها القارىء شيئا غير ملموس لا يمكن رؤيته أي أنك تحولت من ظاهر إلى باطن،  وصرت نفسا وفكرا وإحساسا وروحا كأنك طيف عابر. ولتعش معي الآن كأنك هذه الأشياء فقط ، أي بلا جسد. فهل يمكنك أن تستجمع داخلك لتعيش هذه الصورة اللامرئية لنفسك، هذه الملكات غير المادية هى حقيقة تكوينك وكل منها لها موضع وجود في ذلك الجسد وفي المحيط الخارجي عنه، وهذا هو الارتباط بيننا وبين الطبيعة. وما أقصده الآن هو الانفصال عن ذلك الارتباط.

وبصورة أخرى لنعتبر أننا نسمة هواء لا مرئية تحمل نفسا وشعورا وإحساسا. فكيف هو واقعك في هذه اللحظة؟ هل وصلت صورتي بعد أم لا؟ وإن وصلتك فهل استطعت أن تتجسد كنسمة هواء عابرة؟ إنهما النفس والفكر عندما يقترنان، إنه فلك الشريد الذي يعاني الوحدة في داخله، فهو يعيش بين معاني داخلية يصورها له حسه المرهف. فكلما كان الإنسان منعزلا زادت قوة اتصاله بجوارحه والنفس والفكر والشعور والإحساس هم فيض من تلك الجوارح.

إنها حالة الاقتران الداخلي التي يحياها المرء في عالم آخر لا يمت إلى عالمنا وواقعنا بصلة، فهو عالم كل معالمه معانٍ مطلقة الإثبات تطرأ على الفكر الملتهب والنفس الجامحة، وفي النهاية إنها فلسفة النفس الداخلية، هل فهم أحد شيئا مما أتكلم عنه؟. لك تحيتى أيها القارىء الكريم.

فيديو مقال الوحدة بين النفس والفكر

أضف تعليقك هنا