خواطر بين العقل والهوى (خاطرة حائر)

بقلم: العلوي محمد أمين

الحيرة

أصبحت حائرا ، حيث الحيرة تجبرني على الاستسلام كأني طائر جريح يبحث عن ملاذ بجناح واحد!
ألوذ بنفسي نحو متاهة عمياء متوجها بمنارة التفاؤل لعلي أخرج منها! ولماذا لذت إليها رغم معرفتي بعواقب قراري!؟
ألأنني في حيرة!؟ أم أنني شجاع؟ أم أنني أحمق لا يتفكر في العواقب؟ ذلك الفراغ العامر بتأوهات المرارة والخذلان والتأسف على خيبة الماضي ، ذلك الإحساس “باللاوجود “!

كأني شبح لا يتراءى للناس، عبارة مُحبطة وشديدة على النفس التي عاتبتها عتاب السيد الجائر على عبده الضعيف، أو العدو الثائر على خصمه المُستضعف. أثقلت على نفسي الدنيا كلها ، كهول الجبل، وتمرغت في الوحل حتى تشنجت جوارحي بحثا عن المتعة ، متبعا هواي الذي يهوي بي في فسحة التمني ، فألقيت كل أماني عبر هواجس الشيطان في سراب السعادة الميتة ، ظنا مني أنني قد بلغت أوج الفضول. ذلك الفضول الخبيث الذي نال مناله و جذبني نحو اللذة العابرة ، عثرات الذل والإحساس بالذنب.

عاقبة سوء الاختيار

تلازمني صيحات التأنيب ، وتباغتني اصطدامات الاختيار ، فتنهال علي بالعتاب ثم بالصراخ كالأمواج العاتية أو كالثور الغاضب ، إنها نتائج القرارات السريعة والاندفاعات المجنونة ، كالأرعن الذي لا يعلم ما يعلم و يصيب ما لا نفع منه ويخوض فيما لا يحسنه ويقول ما لا يفهمه. تلك حركات تلقائية مصدرها حمق غريزي يتحكم فيَّ دون إدراك معرفي، عبر أهواء وعواطف مندفعة تقودني دون فرامل تكبح تهوري. فعقلي حينئذ مكبل بأغلال الهوى ومقبوع في سجن الجهل ، غير واعٍ بحالتي البائسة.

ذاتية مفرطة أفقدتني وعيي حتى لم أعد أميز بين العدم والوجود وبالمعنى الدقيق والشامل -بين الشيئ ونقيضه- أصبحت كالبهيمة الجائعة التي تتبع غريزتها وتقضي حاجتها غير مكترثة بمن حولها، وصف مبالغ فيه ولكنه تعبير حقيقي عن مدى تعلقي بالدنيا وحرصي على بلوغ “مقصد غير مقصود” دلالة مبهمة تفسر حيرتي و تلخص خطابي ؛ خطاب نفسي يحلل وضعي الداخلي و يجزئ كينونتي أجزاء متباينة فيظهر المخفي و تنتزع الأقنعة السوداء الغامضة من وجوه شاحبة وضالة.

اختلاف غايات الناس

وجوه عديدة تتجه نحو سبل مختلفة لكل وجه سماته و ميزاته، فأي ضرر ألمحه حين أرمق بعضها؟ أستفسر نفسي فلا أجد منها جوابا مقنعا. نعم ولن أجده وهي سبب هذا الغموض. إنني أحملها كافة إخفاقاتي حتى لاذت بالفرار نحو الهوى فكان لها صديقا وفيا وفاء كاذبا يغازلها بأجمل الكلمات ويداعبها كالطفلة الصغيرة، لانت و طاب نعيمها في جنة خيالية رسمها بألوان مثيرة ، فظنت أنها هناك بين أحضان السرور تترقب النوال مستشعرة دفء حنانه الزائف و متطيبة بعطر لا رائحة لهز

توهمت أنها وجدت مصدر طاقتها الذي تلتجئ إليه متى ضعفت فغفت راضخة له في غيبوبة طويلة لو تدري إن استفاقت من غفلتها لكان الندم أول ما يبادرها ولكن سحره الفتان حجب العقل عن التفكير في ما آلت إليه. لا ألومها وهي ملكي، أنا مالكها، أنا سيدها، لكنني أطلقت سراحها من قفص ضاقت به ولطالما كانت ترنو إلى الأفق متمنية حريتها المسلوبة. هذا كان ظنها بي وكنت أنا الظالم والغالب، فأصبحت مغلوبا حين بعتها رخيصة للهوى فملكها و استحوذ على كلينا.

لم أكن عاقلا آنذاك، غير حازم، غير مدرك للأمور، ولكن التجارب مؤنة الرحال في الصحراء الخاوية، توجهه وتدله على الطريق هي خارطته التي لا تفارقه.
يتبع..

بقلم: العلوي محمد أمين

 

أضف تعليقك هنا