مواطن مع وقف التنفيذ

رحلة غريبة

رحلة غريبة هي التي جمعتني بركاب سيارة أجرة, كنت قليل الحظ فكانت جلستي بين شيخ مسن وشاب من جيل قصًات الشعر الغريبة, الأول كان صامتا تفوح منه رائحة عطر جميلة تعود بالذاكرة لكل جميل فيها، وتخبر القلب بأن أيام العزة والرفعة قائمة ومتواصلة والشاب كان يضع سماعات أذن, اختار أن يشاركنا أغنيته بصوت مرتفع مزعج زادها غرابة سائق لم يتجاوز الخمسين من العمر، بل ولم يتجاوز مؤشر السرعة معه الخمسين.

“ابني” هكذا خاطبني الشيخ فقال: ” كم الساعة ؟” أجبته: ” الساعة الثامنة صباحا ” فابتسم واستدرك في الكلام ” أنا حقا مستعجل فهذا الملف في يدي يحتوي مستندا يجب أن يصل المحامي في أقرب وقت ليغيًر في أوراق القضية.. ” ثم صمت مرة أخرى ليتركني مع صوت موسيقى الشاب ذو قصة الشعر الغريبة، وفاتحُا بابا من خواطر الفكر.

مواطن مع وقف التنفيذ
سيارة أجرة

لو أمكنني أن أغير مجرى حياتي بمستند أقدمه. لو أمكنني أن أغير أوراق واقع مجتمعي العربي بملف بسيط و أعلن براءتنا من تفكير ساستنا؟

ملف القضية

أصدر الحكم وقال القاضي كلمته: “نعلن نحن القاضي العربي أنا المسمى مواطن مذنب بالانتماء وبدليل الأصل واللغة وحتى العلم … وعليه نعلن أنك مواطن مع وقف التنفيذ”.

جملة من حكاية واقع عربي لم تُقل ولن تُقل، ولكن هي بين أسطر الكلام وثنايا الحكاية, تختصر الواقع لحياة الشعوب العربية، بل تثبت الذنب المرتكب. قاضينا هو ثورتنا, هو ديمقراطيتنا وكلام ساستنا وذنبنا هو أننا قلنا نريد الحياة بكرامة الحياة, نريد العمل والتعليم، ونريد كل حق دونته قاضينا في كتابك وأسميته دستور. ذنبنا بدليل اللغة والانتماء صحيح, فأنا عربي ولغتي وحروفي تشاركني فيها أنت قاضينا.

سؤالي لكم قاضينا

لماذا صدر حكمكم بعدما صدر حكمي بترشيحك لتكتب دستور حكمك؟ أفقنا يوما بعدما تعودنا النوم وقلنا وقتها ” لا ” كفانا ظلما, كفانا سكوتا وكفانا من وقف التنفيذ. نحن نريد حقا، نريد وطنا. ما أشبه الأمس باليوم فبعضنا أخذه النعاس وتعود النوم، وقبل مجددا بوقف التنفيذ, أنا مواطن مع وقف التنفيذ هذا نص حكمي.

“لا” هي نفس “لا” الأمس ولكن اليوم هي لي, لا حق لي في الشغل، لا حق لي في الصحة، بل لا حق لي في الحياة، هكذا قال قاضينا و هو يقرأ من كتابه بصدق ولكن بحرف لا. “ابني هل غفوت أم أخذتك روعة الربيع وجمال الطريق من نافذة السيارة ” سألني الشيخ. بالفعل غفوت وما أجملها من غفوة! دافعت وقدمت مستندا غيّر في القضية بالفعل أخذتني روعة ربيع مجتمعي، ربيع عربي.

المهم لم أجب بل صمتُ بعد مرافعة أمام قاضينا, تركت الأمر للسائق وبعد طول الانتظار توقفت السيارة وافترق الركاب كلٌ إلى حاجته, الشيخ بملفه المهم بين يديه، والشاب غير مدرك لما يجري بموسيقاه المرتفعة. فعلا رحلة غريبة هي ما نحياه في مجتمعاتنا اليوم.

فيديو مقال مواطن مع وقف التنفيذ

أضف تعليقك هنا