وعملوا الصالحات

الصالحات من أجمل الكلمات

لقد وردت في القرآن الكريم أكثر من 60 مرة، في أكثر من 50 منها جمع معها “العمل”، ومن أسرار القرآن “أنه يُكثر من لفظ ” الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ” بصيغة الماضي وليس المضارع، في إشارة إلى أن الايمان والعمل بلغ من الرسوخ حتى أنه قد مضى وسار على وتيرة واحدة”[1] وكما وردت أحاديث كثيرة في الحث على العمل الصالح منها قوله r :” ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ[2].

فما هو العمل الصالح؟

ما رأيك أن نتشارك التفكير، من خلال الجدول التالي ضع علامة √ على العمل الصالح:

م
العمل
العلامة
1.
قراءة القرآن
2.
زراعة القمح
3.
الصلاة
4.
الصيام
5.
تجربة علمية تطبيقية
6.
العمل في مركز البحوث الدراسات الاستراتيجية
7.
صناعة السيارات
8.
ذكر الله
9.
الصدقة
10.
الابتكارات العلمية المجسمة

 

أظنك ستكون أفضل مني، فقد كانت إجابتي في البداية أن 40% منها فقط تدخل ضمن العمل الصالح المذكور في القرآن والسنة، ذلك أن كل مَن سمعته يتحدث عن العمل الصالح يضرب أمثلة على العبادات خاصة وهي الصلاة والصيام والصدقة وقراءة القرآن وغيرها، وكذلك غالب الكتب الموجودة تُعطي أمثلة مثلها أو قريبة منها.

فما مفهوم العمل الصالح؟

طرحت هذا السؤال في العديد من المجالس واللقاءات، وكانت الإجابة بنفس ما عندي تقريباً، لكني توقفت كثيراً وبدأت بالمراجعة:

  • هل يُعقل حصر عمل المسلمين في العبادات الخاصة؟
  • كيف لأمة هي خير أمة أُخرجت للناس، لا تعطي أهمية كبرى للعمل الإنساني ونهضته مثل العمل في الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.
  • ألم يُقدِّم المسلمون للبشرية حضارة ًراقيةً في مختلف مجالات الحياة، فتربعوا على عرش الأرض لقرون عديدة، أليس عملهم هذا من الأعمال الصالحة؟
  • كيف فهم الصحابة -رضي الله عنهم- والسلف الصالح مفهوم العمل الصالح وهم مَن كان يباشر شتى صنوف الحياة؟

اقرأ

إن أمة بدايتها” اقْرَأْ” وفي طريقها” ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ “، أمة قال رسولها: ” فضل العلم خير من فضل العبادة[3]، أمة كان من حواراتها أيهما أفضل دم الشهداء أم مِداد العلماء؟، لا يمكن أن تحصر مفهوم العمل الصالح في جزئية من الحياة ولو كانت مهمة جداً، لكنها ترسم طريقاً ومنهجا كونياً ليكون صالحاً ليسعد فيه الإنسان المُكرم والمُستخلف في هذه الأرض.

وبالعودة إلى كلام علمائنا وسلفنا الصالح، أيقنت أن هناك مَن حاول حصر مفهوم العمل الصالح وتضييقه لسببٍ أو لآخر، لسلامة نية أو لخبث طوية، ومع طول الزمن والبعد عن المصادر النقية تشربنا هذا المفهوم وباشرنا تطبيقه، وأنت أعلم بالنتيجة.

ركنا العمل الصالح

والمتتبع لكلام سلفنا الصالح عن مفهوم العمل الصالح سيلاحظ أنه يتطلب ركنيين:

  1. ألا يكون العمل محرماً لذاته مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير
  2. الإخلاص لله تعالى – ومن الطبيعي أن الإخلاص يتطلب الايمان-.

وإذا كان من العبادات الخاصة مثل الصلاة والذكر فيشترط شرطاً ثالثاً وهو

  1. المتابعة: وتعني موافقة السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعليه يكون العمل الصالح: “هو كل عمل غير محرم لذاته، مخلصاً لبارئه، موافقا في أدائه”.

ومن قواعد علمائنا العظيمة قولهم: أن العمل المتعدي قد يكون أعظم أجرا من العمل الخاص[4]، بمعنى أنه قد يكون سهر العبد في معمله أفضل من القائم في صلاته، وقد يكون المزارع في مزرعته أفضل ممن يصلي نافلة في بيته، وقد يكون وقد يكون…الخ.

ولك أن تتخيل لو استمر المفهوم الصحيح في هذه الأمة ولم يُقزَّم، ولم يُحاصر ويُحارب، كيف ستكون حياة المسلمين، بل كيف ستكون حياة الناس أجمعين. ماذا لو كان مخترع المصباح مسلماً مخلصاً لله في اختراعه، كم سيكون أجره؟! وماذا لوكان مكتشف البنسلين كذلك؟، وماذا لو كان مخترع المطبعة كذلك؟، وماذا لو كان… كثير، كان يمكن أن نكون سبّاقين في تلك الاختراعات والصناعات والزراعة والاقتصاد وغيرها كثير، لو استحضرنا أن مَن يعمل فيها هو من الذين ” عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ “.
ألا توافقني؟


[1] م.د كاظم دنينه، محاضرة مادة تحليل النص القرآني.

[2] أبو داود: سنن أبي داود 2438، الألباني: صحيح أبي داود 2438

[3] “صحيح لغيره”: صحيح الترغيب والترهيب للألباني 68

[4] هذه القاعدة ليست على إطلاقها، لها تفصيل ليس مجال الحديث عنه الآن

فيديو مقال وعملوا الصالحات

أضف تعليقك هنا