ومضةٌ في ذاكرة العقل

رحلة إلى باطنك

إنها رحلة سفر وإبحار إلى حيث ذاتك وباطنك تنقلك إلى عالمك الآخر، رحلة إلى واد سحيق وعالم بعيد، سفر إلى هناك ، حيث تقبع نفسك وذاتك وحيث يوجد عقلك بين مستقره وعالمه. إننا نتحدث عن ذلك العالم، الذى تختلف فيه كل المعاني وتظهر بين معالمه كل الحقائق. إنه  الواقع الخفي، الذي يسكن بداخلنا.  واقعك في باطنك ومستقرك في دنيا المعاني، وموضع اتصالك بواقعك وحياتك.

إننا عند هذا الواقع نكون على اتصالٍ بالصفات والمعاني الفريدة، التي تكوِن بداخلنا حسا جديدا، يوقظ بداخلنا ملكةً فريدة. إنه الواقع الذي يخاطبنا بمعانيه، فنخاطبه بملكات شعورنا وغحساسنا. غنها كلماتٌ قد تبدو غريبة، إلا أنها قد نتجت عن تجربةٍ وتفكيرٍ عميق تجربةٌ مع ذلك الفكر الجامح، القابع في وديان العقل.

السفر  إلى مستقر هذا العقل وعالمه

ولنحاول الآن معا وبهدوء، ان نسافر إلى حيث مستقر هذا العقل وعالمه، لنفهم بمعنى آخر ونتعايش معا في هذا الواقع الفريد، إنها رحلةٌ قد تكون خطيرة، تودي بنا في متاهةٍ من متاهات الفكر إلا أنها رحلة تستحق المخاطرة، فهذا الواقع لا يتحكم فيه زمن كزمن واقعنا، إنه عالم مطلق الزمن.

وها نحن الآن سنبدأ رحلة إبحارنا إلى ذلك العالم المطلق، لنتخيل الآن هذا العالم على أنه مدينةٌ غريبة، لا تبدو لنا بها أى معالم ولا نفهم لها أي معانٍ، ولنجعل أنفسنا كما الجنين الصغير الذي يخرج لحظة إلى الحياة ولا يعرف من أين أتى ولا ألى أين جاء. فنحن الآن تائهون عند هذه المدينة نريد أن نهتدي إلى طريق، وعلينا الآن أن نبدأ في تدريب عقلنا على فهم معالم هذه المدينة، الامر لا يبدو سهلا فهو يتطلب منا شعورا فريدا وإدراكا أعمق من مجرد إدراك سطحي.

إلا أن الذي يسهل علينا فهم هذه الصورة هو أنت نفسك أيها القارئ، فعندما تكون نائما وترى حلما فإنك تراه بعين عقلك الباطن وبعد أن تصحو تبدأ في تذكر تلك المشاهد التي رأيتها في منامك. إنك قد تذكر كل المشاهد التي رأيتها في منامك، ولكن ماذا عن هذا الواقع الذي كنت تعيش فيه حلمك ورأيت فيه هذه المشاهد.

هذا الواقع هو هذه المدينة التي نحكي عنها، فهل عرفت الآن أيها القارئ الكريم واقعي الذي أقصده في مقالي. إننا في هذا الحلم قد عشنا لحظة التحام بين عالمين بداخلنا، إنهما عالم الحلم وعالم اليقظة. نعم، لقد عشنا هذه اللحظة التي يلتحم فيها واقع عقلنا الظاهر بواقع عقلنا الباطن فيصور باطننا ما يراه إلى ظاهرنا.

حدث عظيم

ما هذا الحدث العظيم؟ وما هذا الشعور الذي بداخلنا الآن عندما نحاول أن نعيش في هذا الواقع، ونحن في يقظة كاملة هل أدركت الآن مدى خطورة هذا الأمر؟ ربما، لكن لا تقلق فهذا العالم هو العالم الذي تعرف فيه نفسك وموضع وجودك، وتعرف فيه كل ما كان مخفيا عنك، من حقائق لم تكن تجدها في واقعك المقيد بالزمن.

إنه عالم ستعرف فيه معنى جديدا وتفهم به فهما فريدا، إنه العالم الذي ستعرف فيه ذاتك، وتقابل نفسك ثم تسكن قلبك، وعقلك بين كل هؤلاء شاردا إلى وادي أفكاره. يحاول أن يصور لذهنه عظمة هذا التناسق الإبداعى وروعة انسجامه، إنها عظمة الخالق الذي أوجد بداخلنا هذا العالم الخفي. إنه عالم الخطاب الذي يدور في داخلك بين جوارحك كالقلب والنفس والعقل وغيرهم.

وهذه الخطابات الكثير والكثير والكثير لا يشعر بها، فلكي تشعر بها عليك أولاً أن تسلك بابا إلى عقلك وتخاطبه بشعورك، وتنتظر أنت بعد ذلك من عقلك أن يرد على خطابك، ولكن مهلا، كيف يخاطبك عقلك وهل يتكلم العقل؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أن نقف وقفة هنا ، ونعود إلى جملة سابقة في هذا المقال، هذه الجملة هي (إنها رحلة قد تكون خطيرة وقد تودي بنا في متاهة من متاهات الفكر إلا أنها تستحق الإبحار إلى ذلك الواقع الذي لا يتحكم فيه الزمن الذي يحكم واقعنا).

عندما يخاطبنا العقل

نعود الآن من جديد إلى هذه اللحظة التي يخاطبنا فيها عقلنا، ولنعلم جميعا أنه عند هذه اللحظة تكمن الخطورة، فعند أول وهلة يبدأ فيها خطاب عقلك إليك فإن وقع هذا الخطاب سيكون شديدا عليك، ويبدأ بطرح تلك الأفكار الغريبة التي تبدأ انطلاقتها بعقلك حتى تتيه بينها أفكار تشعر أنت بأنها قوية ولا يتحملها عقلك، وقد لا تستطيع أن تجيب عليها أو حتى تسيطر عليها وتطردها عن عقلك، بل على العكس هي التي قد تسيطر عليك، وهذا لأنك أنت من حاول استثارة باطنه، وها هو الآن باطنك يجيبك ويحدث اتصالا بينك وبينه، تلك الإجابة ستكون شاقة عليك، ستجعلك تعيش معاناة شديدة عليك أن تقاومها بأضعاف أضعاف طاقتك.

فأنت قد تصبح عندها مسلوب الفكر لا تستطيع أن تسيطر على تلك الأفكار التي تخاطبك إلا أنني أقول لك مع كل ذلك لا تجزع، فهذه الافكار في حقيقتها ما هي الا اختبار لك من عقلك إلى عقلك، إنها الرسول الذي بداخلك بين عقلك الظاهر وعقلك الباطن، فأنت بهذا التخاطب قد ايقظت عقلك الباطن وطلبت الاتصال به، وعندما أجابك كان وقعه شديدا على عقلك الظاهر، ذلك العقل الضعيف المسكين.

وإذا كنت أنت بعد ذلك جلدا وقويا وصابرا ستمر من هذه التجربة وتنتقل بعقلك لترقى إلى فلك آخر، إنه فلك المملكة بداخلك وواقع ذلك العالم الفريد، ذلك العالم الذي سيوجد بداخلك حسا جديدا. في النهاية اتمنى ان يكون القارئ الكريم قد استوعب مقالتي المتواضعة.

فيديو مقال ومضةٌ في ذاكرة العقل

أضف تعليقك هنا