جريمةٌ في حق طفل

((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون))

أيهما أشدُ ظلماً ظلمَ النفس أم ظلم الآخر؟

لا يوجدُ بشريٌ على وجه الأرض لا يُخطئ أو يرتكب ذنباً سواء كان ذلك في حق نفسه أو حق الغير، و إذا سألنا أحداً أيهما أشدُ ظلماً ظلمَ النفس أم ظلم الآخر؟

من يرى أن ظلم الإنسان لنفسه هو الأشد

تأتي الإجابة مُهرولةً و كأنها تنتظر من يُطلق سراحها من فيهِ أن ظلم النفس هو أبشعُ صورَ الظلم. و لو سألنا آخراً أيمكنك أن تأتي لنا بمثالٍ؟

مثال على ذلك

فيردَ: ذلك الذي يُلقي بروحه في غياهب الموتِ و هو يعلم عُقبى ذلك فهذا الانتحار بذاته و يسترسل قائلاً أنه عندما ذهب إلى حدود قطاع غزة الشرقية ليصور حال الناس  بريشته، صادف شاباً كان يعرفه منذ عهد الطفولة و الذي صدمه بحقيقة أن ذهابه هناك ما هو إلا رغبةً في الخلاص من حياة أُهينت فيها كرامته بعد أن رُكنت شهادة الدكتوراة في الفلسفة على رف الكتب في غرفته ليعملَ عاملاً في البناء ليعيش دون تسول كسرة الخبر، بينما رأى آخراً كلَّ طموحه الارتقاء بالشهادة خلفاً لوالده الذي نالها قبل سنوات، و دمعت عيناه و هو يتحدث عن أمٍ اصطحبت أطفالها إلى مكان الخطر لينالوا ما يحلو لهم من طعامٍ يوزعه البعضُ هناك.

من يرى أن ظلم الآخر هو الأشد ظلما

و إذا عُدنا للسؤال تارةً أخرى قد نحصل على إجابات متشابهة و تأتي فئةٌ قليلة تقول أن ظلم الآخر أفظع لأنك تُؤذي نفساً هي ملكٌ لآخر؛ فتتفنن في إيذائها كنتَ قاصداً أم لا و تجلد صاحبها بسوط الجبروت دون أن تترك مجالاً للغفران؛ فيبقى الذنب معلقاً في رقبتك، و لكن لا أحدٌ منا يدري إن كنت ستبحث عن التوبةِ و التهافت على الغفران أم أنك ستتخفى وراء هيمنة الغرور دون أن تطرف لك عين ندمٍ.

و عندما سألتُ نفسي السؤال ذاته!
أدركتُ أن كلاهما ظلمٌ بشعٌ في شكله و جوهره، فالذي يظلم نفسه يقتل إحساسَه بالحياة و يبلغ من اليأس أوج درجاته، و الذي يظلمُ آخراً يهتك عرض إنسانيته و يخنق أنفاسه إلى حد الموت.

ماهو الظلم الذي هو من أبشع الجرائم التي لاندركها؟

و بين هذا و ذاك…
يأتي ظلمُ الطفل ليكونَ أبشع جرائمٍ لا ندركها.

  • طفلٌ لا نوفر له الإحساس بالأمان، طفلٌ يتضور جوعاً للحب و يتعطش للأمان.
  • طفلٌ نحرمه اللعب هنا و هناك بدعوى الخوف من فسادٍ ندعيّ أنه انتشر بين الطرقات أو من قصص سمعناها من هذا و ذاك لنخيفه بها قبل أن ينام.
  • طفلٌ نحرمه حق الاستقلالية بحجة خوفنا عليه من الأذى فنمنعه من الاعتماد على نفسه حتى في أبسط الأشياء؛ بل نسجن إرادته في معسكرات الاعتمادية لينشأ اتكالياً لا يعرف حتى إعداد كوباً من القهوةِ لوحده.
  • طفلٌ نمنع صوت تعبيره عن ذاته من الولوج خوفاً من كسر هيمنة عقولنا و تسلطها عليه.

تأتي هذه الجرائم لينشأ معها طفلٌ مهزوز و مهزوم، و نتساءل بعدها لماذا هو هكذا؟ و لا ندري أننا نحن من فعل به ذلك.
و لكن!
هل نطلب الغفران و نتوب عن جرائمنا بحقه كما نندم حيال أنفسنا و حيال غيرنا لنعطيه الحق في الحياة اليوم دون الخوف من غدٍ لا يعلمه أحدٌ منا؟! أم أننا سنبقى في ظلمات الرجعية بدعوى أننا نخاف عليه و نربيه كما تربينا لنحميه من مستقبلٍ مُبهم؟!.

فيديو مقال جريمةٌ في حق طفل

أضف تعليقك هنا