زنزانة التوقعات

كيف نشكل حياتنا؟

نشكِّلُ حياتنا بعيداً عن الواقِع بِمثاليةٍ وفقَ ما يتوقعه الآخرون مِنا، ومستقبلنا وفق ما يتأملون، ونعطي أهميةً لما سيُقال عنا، واهتماماً كبيراً لما يُنتَظر منا، ونتغافل في كثيرٍ من الأحيان عن رغباتنا وميولنا واهتماماتنا وكل إبداعاتنا، ونضرب بعرض الحائط إمكانياتنا وقدراتنا وطاقاتنا التي وهبها الله لخلق فرص النجاح.

فالحياةُ بالنسبةِ لكثيرٍ منا احتراقٌ للنفس وجَلْدٌ للذات، سباقٌ دائمٌ مستمِر وفي كل شيء يحدُث علينا تحقيقُ المركز الأول، وعلينا الظهور بمظهر مِثاليٍّ رائع جميل، المهم أن لا نُخالفَ التوقُّعات، وأن نترك انطباعاً جميلاً لمن هم حولنا وللمجتمع ولكل من يعرفنا حتى وإن لم يحقق ذلك الانطباع ذاتك، ولايهم إن كان ما تقوم به لا يشبهك ولا يُمثّلك، فالمهم ما ينتظره ويتوقعه الآخرون منك.

سير حياتنا وفق رؤى غيرنا

كثير من أجزاء الحياة تتشكل وفق مايتمنى الآخرون، فقد تصبِح طبيباً بِراً وطاعةً لوالديك، وقد تكون مهندساً محبةً وتقديراً لشخصيةٍ تُحِبها، ومحاسباً تكراراً لتجربة أخ أكبر، أو أن تكون في تخصصٍ دقيق ونادر نتيجةً لمدحِ صديق أو قرِيب لا تتوافق قدراته وطاقاته وإمكانياته وشخصيته معك، أوقد يكون الاختيار موضة عصرٍ أنت فيه، أو أن يكون نصيببٌ كالزواج فالوالدة حجزت لك قبل حتى أن تبلغ الحُلم!، أو قد يكون القدر وحده هو الذي اختارك وساقك وليس لك في هذا الاختيار ناقةٌ ولا جمل.

فليس لك في كثير من الأحيان حتى حقُّ الاختيار، والنتيجة الغائبة أنَّ الحياة هي التي شَكَّلتك وفق ما يختاره ومايتمناه ويتوقعه الآخرون منك، فالأماني والأحلام والخُطوط التي خُطَّت لك أصبحت حدوداً تُكَبِّلُك، والخُطَّة التي رُسِمَتْ لك قد تتعثَّر بها في الطريق إن كانت البوصَلة في غير اتجاهها، ولا غرابةَ إن كانت الآثار ظاهِرةً في طريقةِ تفكيرك وفي قراراتك التي أصبحت لا تخرج عن الصندوق…

قرَّرتَّ أن تُسلمَ نفسك للآخَرين ، وحكموا عليك أن تعيش جزءً من حياتِك وواقِعك أسيراً في زنزانةٍ تّحقِّقَ فيه أُمنياتهم وأَحلامهم بطريقةٍ ما وفِق ما كانوا يُحبون ويتوقعون.

قراراتك قبل الخبرة ونضوج التجربة 

قد تكون في مرحلة من مراحِل التيه في حياتِك، لا تعرف أين تضعُ قدميك، فاقداً للبوصلة وخصوصاً بعد التَّخرج تلك المرحلة الذهبية التي لا تستطيع الاستقرار فيها إلى وجهة، وحائرٌ لا تُحسن اختيار الطريق الذي يُمكن من خلاله أن تصنع قرارتك الذاتية وخياراتِك المستقلة والمستقبلية لصناعةِ الفُرص في هذه الحياة وهو طبيعي في باكورةِ العُمر ومع حداثة السِّن.

يقول أحد الكتاب بعد أن تجاوز 60 عاماً: “إن القرارات التي يتخذها الإنسان كالدراسة والتخصص والوظيفة وغيرها كثير في هذه الحياة يتخذها الإنسان قبل نُضوجِ تجربته وقبل اكتساب الخبرة المناسبة لاتخاذها” فالخبرة لم تكن مُتراكِمة، والتجربة ليست مُتكامِلة، والخطأ وارد، والظروف قد لا تكون مواتية، والفلسفةَ في الحديث وفي كتابِة الحروف يسيرانِ على كل كاتِبٍ ومُتحَدِّث، فكلاهما قد يحسن الكِتابةَ والحدِيث عن البدانة وأضرارِها والحمية وتحسين النظام الغذائي ووسائلها وفي الواقِع لا يحسنان التطبيق ووزنهما قد جاوز الحد! أما التحرُّك والتغيير والتَّحرُّر من الذات ومن المِثالية الزائدة هي المُعادَلة الصَّعبة.

لاتكن أسيرا لمايتوقعه الآخرون

إنَّ العيش في عالمٍ أصبح من أدناه إلى أقصاه ومن شرقِه إلى غربه كقريةٍ واحدةٍ صغيرةٍ بِحاجةٍ إلى شيء من التحرُّر من قيود المجتمع والذات، ويحتاج إلى كفاح وتضحية للوصول إلى هدفك ومبتغاك، بل يحتاج جُهداً شخصياً ذاتياً استثنائياً تتحمل فيه بصلابةٍ كل نكساتِه وعواقبه وعقباته وتحدياته مواجِهاً نفسك بصدق بلا مثالية ولا تكلف ولا مبالغة، فليس شرطاً أن تكون متميزاً ورائعاً وجميلاً ومشهوراً يُشارُ إليك بالتفوق في كل شيءٍ لتكون ناجِحاً…

دع عنك الآخرين واستمتع بِحياتِك البسيطة وباللحظات الجميلة منها وبكل محاولاتك التي تعثرت فيها وتجاوزت وأخفقت فيها ونجحت بصعوبة ظروفها وأوقاتِها وبصراحة، ولا تجامِل الآخَرين على حسابِ نفسك…

متِّع نفسكَ أيها الصديق، وحرر ذاتك منك، ودعِ التَظاهُر والابتساماتِ الصفراء والمُجاملة، واختر ما تميل إليه واستشِر أهل الإختصاص فيما تحتار واعقِلْ وتوكَّل، وعش حياتك وفق ما تهوى وما تُحِب وما ترغب وما تريد أنت لا غيرك، ولا تسمح لنفسك أن تكون، رهينةً ولا أسيراً لما يهوى ويتمنى ويتوقعه الآخرون منك.

فيديو مقال زنزانة التوقعات

أضف تعليقك هنا