مراحِل تنشأة \ تربية الأبناء

“داعِب ولدك سبعًا ، وأدِّبه سبعًا ، وعلِّمه سبعًا ، ثم اترك حبله على غاربه!”،

والقول منسوب الى عبدالملك بن مروان كما ورد في كتب الأدب لا كما يظنه البعض حديثاً نبوياً.

ألا أنني كذلك سمعته بالصيغة التالية:

داعِب ولدك سبعًا ، وأدِّبه سبعًا ، وراقبه سبعًا ، ثم اترك حبله على غاربه!،

ألا أن حالة مجتمعاتنا في هذا العصر تتطلب سبعاً آخــرى!، وتكون بدمج المقولتين لتصـبح؛

داعِــب ولدك سـبعًا ، وأدِّبـهُ سـبعًا ، وعلِّمــهُ سـبعًا ، و راقـبـــهُ سـبعاً، ثم اترك حبله على غـاربه!

والأم أو الأب الفطن هو الذي يُراجع أساليبه التربوية أولاً بأول، ويتراجع عما ظن أنهُ جيد أذا ثَبُت لهُ غير ذلك.

تربية الأطفال قبل سن المدرسة

أولاً فلا خلاف ان الأطفال بحاجة للعب و الحركة التي تساعد نموهم الجسدي والذهني الى عمر السادسة او السابعة، بعدها يُقدمون على مرحلة جديدة.ومن الجدير بالذكر أن المرحلة الدراسية الابتدائية للطفل تبدأ في سن السابعة في بلدٍ متحضر مثل السويد وألمانيا خلافاً لكثير من الدول الأخرى بشرط أن يحضر الطفل الصف التحضيري و يسمى صف ما قبل المدرسة وفيه يُعطى الأطفال مقدمة عن الدراسة و يوهيأون نفسياً للعام الدراسي القادم.

تربية الأطفال خلال المرحلة الإبتدائية من المدرسة

المرحلة الثانية من عمر الطفل وهو يجتاز صفوف المرحلة الأبتدائية هي لغرس الأداب والقيم والعادات في نفوسهم ليتطبعوا بها وينشؤوا عليها، فالأدب هنا مقدمٌ على العـلم لأن الطفل في مثل هذه الفترة العمرية عادة ما يكون أسهل تأثراً وأتباعاً للكبار في عاداتهم وتصرفاتهم. ومثال على ذلك فأن تعلم كيفية الكتابة سواء كانت بالقلم اي اللوح الرقمي أهـمُ من مادة الكتابة نفسها،فالهدف هنا هو خلق مهارة الكتابة و القراءة أولاً في هذه المرحلة قبل التعمق في نوع وكم الكتابة والقراءة في المرحلة اللاحقة.

ومن الأهمية هنا ذكر ما يوصي به أطباء علم النفس من أهمية خلق و تطوير المهارات الأجتماعية للطفل في هذا العمر لانه اساس لأجتاز المراحل اللاحقة ( الأطفال الذين يتمتعون بشعبية ولديهم العديد من الأصدقاء يميلون إلى استقرار نفسي اكبر خلال فترة المراهقة والبلوغ. لذلك يجب على مقدمي الرعاية والمعلمين تشجيع الأطفال على تعلم المهارات التي من شأنها مساعدتهم على أن يكونوا مقبولين من الأطفال الآخرين)من كتاب ” علم نفس الطفل والتنمية”لورا ل. سميث ، تشارلز .

التربية في منهج السويد التعليمي

وكمثال على التربية في هذه الفترة العمرية أشير الى المنهج الذي. يرسم بعض من ملامح المنهج التعليمي في السويد:

“إن مهمة المدرسة هي السماح لجميع الأطفال/الطلاب أكتشـــاف شخصيتهم الفريدة من نوعها مقارنة بأقرانهم، وبالتالي يمكنهم المشاركة في المجتمع من خلال تقديم أفضل ما لديهم في نفس الوقت الذي يمارسون الحرية الشخصية يضعون في أعتبارهم المسؤولة الجماعية ولتعزيز قدرة التفاهم مع الآخرين والقدرة على التعاطف معهم. فالمدرسة هي أول وأهم مكان اجتماعي وثقافي للاطفال يمنحهم الفرصة والمسؤولية لتعزيز قدراتهم الأجتماعية “.

وهذا يعني أن للمدرسة دورًا مهمًا لفهم و ممارسة القيم الأساسية التي يعتمد عليها المجتمع.

وقد نأمل و نحلم ونتمنى أن تكون مدارس أبنائنا مثالية مليئة بالفضيلة لكن المرجو حقاً أن نحقق مكا بأيدينا وهو الجو المثالي في بيت الأسرة، فالبيت الأول والأخر في تنشأة الأبناد:

يَنْشا الصغيرُ على ما كانَ والدُهُ

إنّ العُرُوقَ عليها يَنْبُتُ الشجرُ

تربية الأطفال خلال سن المراهقة

فأذا ما تجاوز هذه المرحلة الى مرحلة سن المراهقة حيث يتذبذب مزاجه كنتيجة طبيعية للكم الهائل من الفرز الهرموني الذي يؤثر على الجسم كلياً، بمعنى تأثير عضويّ و نفسيّ، حتى يكون المرء بطبعه ميالاً للمقاومة والمعارضة محــاولاً أيجاد بصمة ما لشخصيتهِ التي تنمو تدريجياً، حيث يحتاج المراهقون إلى قول لا و التشكيك و رفض سلطة الأباء و المجتمع عليهم لمعرفة اتجاهات حياتهم المستقلة الخاصة.

هذه الفترة تقود المراهقين إلى أستنتاجات قد تبدو مشابهة للمفاهيم الخاصة بوالديهم ، أو مختلفة جدا ، أو مزيجاً من الأثنين. وفي هذه المرحلة يتم النظر في قضايا مثل الدين والقيم وأخلاقيات العمل والجنس ومناقشتها، فكل شيء قابل للنقاش،والرفض أو القبول خلال فترة المراهقة.

مرحلة اكتشاف الذات

والخطورة هنا تكمن في أن يرى المراهق نفسه مخالفاً لوالديه أو مجتمعه، فينعزل تديجياً و يبحث عن اصدقاء يشاطروه الرؤية نفسها و بذلك يقوي بعضهم بعضاً فتترسخ تلك المفاهيم لديهم.

وهي مرحلة أحب أن أُطلق عليها تسمية مرحلة اكتشاف الذات عن طريق التعميق في مفاهيم المجتمع، العلم، الأدب، والرياضة وحتى الفن أو العلوم الدينية، ولذلك فأن النظريات الحديثة في علم النفس تفيد بان هذه المرحلة (المراهـقة حتى البلوغ) هي أهم مرحلة في تكون الشخصية بعد أن تتضح ميولها و توجهاتها وفيها تأخذ القرارات التي قد تكون مصرية سواء اكانت سلباً او ايجاباً، ومن الأهمية بمكان التركيز على تطوير مخزون الطفل العلمي والأدبي و الفني كذلك، لأن هذا المخزون في هذا المرحلة العمرية سيكون ركيزته في الفترة العمرية اللاحقة، حيث الدراسة الجامعية او التدريب المهني الذي في أفضل الضروف يؤدي الى الدخول في الحياة المهنية والتي سترسم نوع وملامح كل ما يلحقها من مراحل.

المراهقة والقدرة على إتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات

صحيح أن المراهقين لا يتمتعون بأدمغة متطورة تمامًا ويميلون إلى أن يكونوا أكثر اندفاعًا من البالغين، لا يعني أنهم غيرُ قادرين على اتخاذ قرارات معقولة و تحمل المسؤولية عن أفعالهم.

ومن الأمور التي أرغب أنا شخصياً تجربتها لجذب انتباههم هو توجية سـؤال مباشر لهم ؛ “صف لي حالك أو كيف ترى نفسك بعد عقد من الزمن او انت وبعمر الخــامسة والعشرين؟”.

هذا السؤال غالباً يسبب لهم صــدمة (صدمة فكرية) وان كانت خفيفة داخلية غير ظاهره لكنها تفيد في جعلهم يقومون بأعادة تقيمهم للأمـور من حولهم، وأن يعدوا ويراجعوا حساباتهم وأهتماماتهم الشخصية.

المرحلة قبل الأخيرة وهي المراقبة

أما المرحلة ما قبل الأخيرة (المُــراقبة) والمقصود المراقبة ليس بصفة الآمر الناهي، كلا أنما بمثابة الصديق الصدوق،والأستشاري أحياناً، هذا أن توفر للأبوين الخبرة العلمية او العملية غير متجاهلين الرغبات و التوجهات الشخصية للأبناء.

هي مرحلة التحول الى البلوغ، مرحلة عمرية تؤخذ فيها قرارات مهمة من أختيار الدراسة او المهنة أو حتى البقاء والهجرة او أختار شريك الحياة وغيرها،

للأسف في هذه المرحلة يحاول كثير من الأبناء الأستقلال تقريباً في كل شيء ألا في أمرٍ واحـــدٍ! ذلك الأمر هو التبعية الأقتصادية فيحلوا لهم و برضى الأهـل عادةً أبقاء الأبويين كمُمَولين و كمصارف أو بنوك حية!

وهنا ينصح خبراء أجتماعيين العمل على دفع الأبناء للأعتماد على أنفسهم أقتصادياً لأن ذلك من أهم عناصر البلوغ. ولذلك مهم جداً في هذه المرحلة العمل معاً ليكون الأبناء مستقلين مادياً سواء في مرحلةالجامعة او بعدها!

المرحلة الأخيرة وهي مرحلة العطاء

أخيراً وليس أخراً فأذا ما أخذت القرارات و دخل المرء مرحلة التطبيق العملي والمهني او حتى الحياة الأسرية الآن والآن فقط يحق للأبوين ان يتركا: حبلَـهُ على غاربه! فعندما ينال الأبناء الأســتقلال يدخلون المرحلة ألأهم وهي مرحلة العطــاء، ولا غرابة أن أذا ما كان التأسيس جاداً مخلصاً كان هذا التحضير نافعلاً لما يلحقه من مراحل عمرية.

فكيف يحصل كل هذا!؟ هل سعادة أبناءك مقدمة على كل شئ؟

والجواب غالباً ولا شك (نعم)،فأجمل سعادة للمرء تستحصل من سعادة الآخرين لا سيما أبناءه، تشعر بذلك عندما تعرف أنك انتقلت عندها من الـ ” أنا “إلى” نحن “. لكن للأسف ليس بالضرورة كل العوائل تصل لهذه المرحلة التي تلغي الأنا و الكل ينصهر في الـ ” نـحـن”.

تذكر أن هناك فرقٌ كبير بين من يرعى أبنائه ومن يربيهم، الأول يوفر المأكل والمشرب والملبس، والثاني يبني القيم والقناعات ومعايير الخطأ والصواب.

هذه البناء يحتاج لمن يشمر عن ساعده ويجهد نفسه وأن يكون قد تربى ليربي أبناءه، وألا لكان كمن قال فيهم الشاعر:

أعمي يقود بصيرا لا أبا لكم

قد ضل من كانت العميان تهديه

وما يدرينا لعلهم بعد كل هذا التحضير سيكون الابناء هم الناصح الداعم لابائهم وليس العكس!.

وكل منا يريد لا يرضى أن يسبقه بالفضل أمرء سوى أبنائه فأن لم تكن كذلك فأليك قول عبدالملك بن مروان رحمه الله تعالى لأولاده يوماً:

(يا بَنِيَّ، عليكم بالأدب والعلم، فإن كنتم فقراء عِشْتُم، وإن كنتم أغنياءَ سُدْتُم، وإن كنتم سادةً فُقْتُم، واستفيدوا مِن الأدب ولو بكلمة واحدة، فمن لم يكتسبْ به مَالاً، اكتسبَ به جَمَالاً).

فيديو مقال مراحِل تنشأة \ تربية الأبناء

أضف تعليقك هنا