حروب الوعي

ضرب الحواس العقلية استراتيجية أساسية

المقصود بالحواس العقلية أو كما تسمى ملكات العقل و هي: الإدراك, التعليل, التخيل, الإرادة, الحدس, الذاكرة ,, والتي تنبني عليها كل معتقدات الفرد و المجتمع والتي بها يكون قادرا على الرؤية والفهم لما حوله من البيئة و العالم وبها يلاحظ التغيرات و الاكتشاف و الاختراع بما يجعله قادرا على التكيف وتزداد تلك القدرة بمدى صحة تلك الرؤى و التصورات الذهنية و المعتقدات لمفاهيم الإنسان للحياة و العالم من حوله وكذلك المتكونة عن نفسه و قدراته.

آفات ضرب الحواس العقلية

 “التلقين”

ربما يكون أول الآفات التي استطاعت تعطيل أو تدمير تلك الأدوات العقلية وبالتالي إنتاج تصورات ذهنية مشوهة عن المفاهيم و الذات و العالم، كان “التلقين” و الذي كان و مازال النهج المتبع في التعليم مما نتج عنه أوهام وضلالات في صورة المفاهيم و المعتقدات.

آفة “التلقين” التي ربما عاني منها أجيال في مراحل التعليم المختلفة والتي حين تم طرحها للنقاش لم ينظر إليها على قدر خطورتها فهي المدمر الرئيس لحواس عقلية و ذهنية و المصدر الأصيل لمعظم مشاكل الفكر و المجتمع و السياسة و الاقتصاد و كل قطاعات الحياة فبها، تم إلغاء التعليم ضمنيا كمفهوم لا يسعي إلى حفظ مقررات و معلومات و نظريات علي الهارد ووير للمخ دون معرفة بها أو سؤال عن كيفية استغلالها أو مصدرها و أصبح مفهوم التعليم مبتذلا و مختزلا بين مجاميع و حفظ دون تساؤل أو تفعيل حتى للذاكرة لأن المخزون من معلومات تم تلقينها لم يكن لها جذر فهم من الأساس فتذهب في مهب الريح بعد كل إمتحان و كانت تلك السمه السائدة ومرت علينا مرور الكرام وتعللنا بأنه أهم حاجة “دلقت كل اللي في دماغك في الورقة” وبعد كده مش مشكلة بقي المهم المجموع.

بناء على التلقين تم تلقين المستقبل للأجيال بناء على مفاهيم مختلة ككليات القمة و كليات القاع وأصبح الكل يسعى لمجاميع دون أن يسعى لحياة يعيش فيها بعقله، يعيش لما هو موهوب فيه فانضمرت المواهب و احتجزت على هامش الحياة دون تفاعل في الحياة نفسها وسيطرت مرتبات الوظائف على مصائر أجيال في تحديد مستقبلها كسمة من سمات عالم مادي خبيث فرغ كل شيء من قيمته الحقيقية حتى الإنسان بتفريغه من مضمونه ككائن ذو حواس عقليه ميزته عن غيره من الكائنات …

ثم أتت لحظة الصدام لتلك الأجيال مع حقائق العالم, هذا الصدام الذي كان له بالغ الأثر حين اصطدم الفرد ضحية التلقين بما حوله من واقع فيكتشف مدى هشاشة بنيان عقله وصدأ ملكاته الذهنيه التي تم تجاهلها منذ عقود فتكون النتيجة فقدان الفرد ثقته فيما لديه وحالة شلل فكري وإرادي وضعف العلاقة بين الإنسان و حدسه و كذلك شعوره بعدم الأهمية لذاكرته التي يكتشف يوما بعد يوم في أرض الحياة الواقعيه تسوس ما فيها من مفاهيم و تصورات مغلوطة وأوهام معلبة فاسدة أو انتهت تاريخ صلاحيتها دون أن يدري.

بدأت عملية ضرب الحواس من التعليم حين اعتمدت وسائل التلقين وتعطيل التساؤل للطلاب بالسخرية من المتسائل تارة أو ضعف و عدم تأهل القائم علي عملية التعليم بالرد على التساؤل فيتحجج المدرس للطالب المتسائل ب(الالتزام بالمنهج المقرر) تلك الجملة الشائعة ومفاهيم ضمن المقرر و خارج المقرر,  وتعزيز أسلوب الحفظ فكان الطالب المتميز هو الذي يحفظ حتى دون أن يفهم و إن فهم يقتصر فهمه على التفسير المقرر ضمن المقرر ومعاقبة من يحاول الاجتهاد في إيجاد حل آخر جيد لمعضلة رياضية ومعاملته كالمنبوذ الذي لم يلتزم بالمقدس المقرر إلا من رحم ربي حين يتوفر المدرس المقدر لملكات العقل و الفاهم لمسؤوليته و دوره الحقيقي .

السخرية

السخرية من كل ما يوحي أو يشير إلى أن هناك مؤامرة وتلك سخرية تناقض الطبيعه الكونية و الخلق الذي بني على الصراع القائم منذ البداية بين الخير و الشر و أن الشر لم و لا و لن يهدأ في حبكه لمؤامراته و خداعه المستمر من أجل إعلاء رايته …فينشر بين العقول السخرية ممن يشير بأن هناك مؤامرة على شعب كشعبنا أو دولتنا وهو الذي جعل المؤامرة جزءا من اللعبة العالمية القائمة على نظرية الألعاب العلمية سواء في الاقتصاد أو السياسة أو العلم دائما ما يتبع سياسة الخداع و جعل الخضوع شرطا من شروطه على كل من يريد التعاون معه فهو الأقوى و الأعلى ومن أراد فعليه اتباع ما يملى عليه …

من هنا كان عليه أن يحتفظ بالأسرار لنفسه و جعلك في ذيل القائمة و كنت أنت خير معين لذا كانت المؤامرة بنا و علينا فليست مؤامرة عادية , العدو هنا “غير مرأي” ” أقنعك بعدم وجوده” كعدو وسخر من كل ما يشير إلى هذا و يستدل بكل البراهين المقنعه وأهمها ب”أنك من فعلت بنفسك هذا”  فلا تلومن إلا نفسك و له الحق في هذا الجزء فكما أشرنا في السابق أنها “مؤامرة بنا و علينا” و هذا الشق الذي كان بأيدينا أن تكاسلنا و ملنا إلى راحة التبعية و هناك الشق الآخر أنها علينا يحرك خيوطها و يستدركك إليها بآلياته الحديثة و علمه مستخدما في ذلك جهلاءك و سفهاءك.

فالكلام هنا في عرض استرتيجياته في استدراك العقول إلى مهلكها على أساس أنه لم يعد هناك مجال للبكاء على ما اقترفنا من تقصير في حق أنفسنا و قمنا نحاول أن نفهم ما حل بنا و ما أدى إلى هذه الحالة نعترف بجهلنا و تخلفنا عن عدونا ونسعى إلى فهم مبادئ تلك الحرب و ووسائلها و أدواتها التي زرعها بين ظهرانينا تأكل من أكلنا و تشرب من شربنا و تتغذي على الجهل فينا و تسعى إلى دمار ما بقي منا لعلنا بعد فهم طبيعة هذه الحرب القائمة و كشف وسائلها نعرف فيما قصرنا و فيما يجب علينا الحذر و من أين نبدأ حتى نرد العدوان و نعود إلى طبيعتنا كإنسان قوي غني مستخلف و ليس إنسان متحول إلى زومبي أو  نسناس فقير تابع غير أهل بالمسؤولية.

فيديو مقال حروب الوعي

أضف تعليقك هنا

نور حسام الدين مرسي

صيدلي يعمل في مجال الدعايه الطبيه وكاتب مقالات ومهتم بمجالات البيع والتسويق علوم النفس والاجتماع والتنمية البشرية والتطوير