حق الاختلاف

بقلم : منيرة جوادي

مظاهر الاختلاف في الكون

الكون -بكل ما فيه- خاضع لمبدأ الاختلاف كسنة من سنن الوجود التي لا يمكن دحضها أو انكارها، ومنذ انطلاق البذرة الأولى للكيان الإنساني كان الاختلاف محوراً رئيسياً تدور حوله الحياة، كان آدم ومعه حواء، فلم نخلق من جنس واحد بل من جنسين مختلفين لكن في نفس الوقت متكاملين. و لم يقتصر التباين في هذا الوجود على جنسنا البشري، فكنا أمماً وقبائل وأوطاناً، لكل منها لغتها وعاداتها وتقاليدها ودينها، وظهرنا على هيئات و ألوان مختلفة متقابلة منا الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، وكان ذلك متعلقاً بانتماءاتنا الجغرافية الممتدة من القطب إلى القطب.

الاختلاف بين المخلوقات أساس الاستمرار في العيش 

و سار الكون على مبدأ الاختلاف في ما يخص المخلوقات الأخرى من حيوان ونبات، فحملت سفينة نوح عليه السلام -التي بناها بوحي من الخالق العظيم وهديه عندما اجتاح الطوفان الهائل الكون- من كل صنف حيواني زوجين حتى تستمر الحياة على اختلاف فصائلها وموجوداتها، ورغم استقواء بعض الموجودات على البعض الآخر، وظهور بعض النظريات التي تؤكد ديمومة العنصر الأقوى وفناء الضعفاء مثل  نظرية “الانتقاء الطبيعي” التي أنشأها عالم التاريخ الطبيعي والجيولوجي البريطاني “شارلز روبرت داروين” منطلقاً من الفكر الذي أسسه الإنجليزي “مالثوس” الذي أكد أن القوي هو الأجدر والأحق بالبقاء، فإن الكون حافظ على كائناته قويها وضعيفها؛ سواء كان ذلك من النبات أو الحيوان أو الانسان، وبذلك نستطيع القول أن فكرة استمرار القوي دون الضعيف فُنِّدَت وبقوة وظلت الأرض تزخر بالأسود والنمور والفيلة ولكن أيضاً بالبعوض والجراد والنحل، فلم تلغ ضخامة الأسد وجود الفأر ولا تكاثره الفطري.

كيف تعاملت المجتمعات مع الأقليات؟

ورغم اعتراف قانون الوجود والشرائع السماوية على اختلافها بحق الاستمرار لكل الأجناس البشرية، ظهرت بعض الحركات التي أسست منهاجاً تدميرياً يحكم بالقضاء الكلي على مجموعات معينة لأسباب عرقية أو عقائدية أو فكرية أو اقتصادية، فكانت أحداث الإبادة الجماعية في كثير من أمصار العالم، ولعل إبادة الهنود الحمر من طرف الإنجليز الذين هاجروا الى القارة الأمريكية وأسسوا مستوطناتهم على طول الشريط الساحلي (ساحل المحيط الأطلسي) أحدَ أمثلة الإبادة البشرية، لكنه لم يكن أشدها قسوة أو أغربها حيث تواصل الفكر التدميري عبر التاريخ، ففي استراليا مثلاً كان نفي السجناء  الإنجليز على أرضها سبباً في تفكيك كيان الأستراليين الأصليين الذين عرفوا باسم الأبورجين، إذ تواصل إعمار الأراضي الأسترالية بسكان أنجلترا من غير السجناء أي “السكان الأحرار” فلاحظ الشعب الأصلي موجة الاستيطان، وثاروا ضد الغزو الجائر، ودخلوا في حروب ضد الانجليز كانت كلها غير متكافئة ووجيزة، أدت إلى نفي العديد منهم إلى جزر نائية، لم يتعايشوا مع مناخها فكانوا ضحايا للأمراض ومستوى العيش المتدني فمات أغلبهم، ولم يبق منهم إلا القليل حيث تقدر نسبتهم اليوم بحوالي 2.4./. من إجمالي السكان.

و تواصلت أعمال الإبادة حتى هذا القرن في بعض البلدان مثل “رواندا” حيث قام الأغلبية المتمثلون في المجموعة العرقية المعروفة باسم الهوتو بسحق الأقلية المتمثلة في شعوب التوتسي في أقل من مائة يوم.

لم تكن أعمال السحق البشري عن طريق القتل فقط إنما كان للمجاعات والأوبئة أيضاً دوراً مهماً في ذلك، مثلما حدث في “إيرلندا” في القرن التاسع عشر، والمجاعة الكبرى التي اجتاحت أوروبا في أوائل القرن الرابع عشر، وغيرها من المجاعات والأوبئة التي محقت أعدادا كبيرة من سكان العالم.

رغم كل ما ذكرناه من نظريات تؤكد بقاء الأفضل ورغم كل حروب الإبادة التي اكتسحت العديد من البلدان والكوارث الطبيعية والأوبئة ظلت الأرض مليئة بمخلوقاتها المختلفة من نبات وحيوان وبشر تُقر قول الله تعالى في سورة الروم الآية 22:

“ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنَّ في ذلك لآيات للعالمين” صدق الله العظيم

بقلم : منيرة جوادي

 

أضف تعليقك هنا