حلم الملك

من حيث أني لست الوحيد الذي يقف مذهولاً أمام روعة قصة نبي الله “يوسف” فهذا صحيح، فكلنا يحير أمام عظمة الأحداث و تراتبها و مجراها، و هذا الذهول ليس على مستوى المتلقين فقط (أي نحن) و إنما على مستوى رواد الفكر و الفنانين أيضاً، فكثيراً ما ستجد رسومات لفنانين كبار مُجسداً فيها مشهداً من القصة، أو مقتبساً منها كالمخرج المصري يوسف شاهين في فلم “المهاجر”، أو مسلسل “يوسف الصّديق” ذي الإنتاج الإيراني و قد نالا كليهما نصيبهم من الاستهجان و النقد.

و لعلّي أشير إلى فلم شاهين و مسلسل يوسف الصديق كونهما ذوي الانتشار و التأثير الأكبر في جونا العربي، إلا أنني و أنتم على سواء و مَثَلُنا كَمثلِ الذئب، بريئين منهم جميعاً كبراءته من دم يوسف، فلست هنا لأوافق على شيء أو لأهجو شيء و أكتفي بوصفي للقصة ككل كما جاء فيها في قوله تعالى “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ( أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ”.

الحدث الرؤيا (حلم ملك مصر في قصة نبي الله يوسف)

كما ذُكر أنفاً بأن القصة مليئة بالأحداث كما هو معلوم للكثيرين، و إن كل حدث فيها يحرف وجهة القصة إلى اللا متوقع ، أي أن كل حدث سيودي بمصير يوسف عليه السلام إلى مصير غير واضح أو معلوم.

و لكنني هنا أريد الإضاءة على رؤيا ملك مصر في الوقت الذي يكون فيه يوسف عليه السلام مسجون، حيث أن الملك قد رأى في نومه سبع بقرات عجاف ( هزيلة – نحيفة ) يأكلون سبع بقرات سمان و سبع سنابل خضر و سبع سنابل يابسات ، مما يضطر الملك لعرض رؤياه على الملأ و هو دليل على الأثر الذي تركته الرؤيا في نفس الملك منتظراً فتوى.

إلا أن الإجابة التي وافته لم تكن سوى “أضغاث أحلام” (أحلام مختلطة و متداخلة يصعب تفسيرها و تأويلها)، فيتم التأويل عن طريق أحد رفاق السجن على يد نبي الله يوسف.

التساؤل الجدير بالذكر حول حلم الملك

و أياً كان قد طرح هذا التساؤل من قبل فإنه لم يخطئ، “كيف يحدد حلم واحد مصير أحلام الملايين؟” أو بعبارة أخرى “كيف يمكن لشخص أن يحلم لوحده حلم يتحدد فيه مصير الألاف من البشر؟”

الوضع الوظيفي في الحياة

للإجابة على التساؤل السابق فإننا بحاجة لاستعراض مجموعة من النقاط:

النقطة الأولى

أولها هي أنه لم يصادف أن ألتقيتُ بملك أو حاكم لأسأله عن طبيعة الأحلام و الرؤى التي يراها في منامه ، إلا أني أقدر أنه إذا كنت أنا أو أنت نحلم بما يخص وضعنا في الحياة ( زيادة في الرزق أو نقص فيه ، حادث أو طارئ معين أو غيره ) إذاً لا بد لمن يدير شؤوننا أن تراوده أحلام تختص بما أنشغل فيه ، أو – بطريقة أخرى – أحلامي و أنا عازب تختلف عن أحلامي و أنا متأهل مثلاً ، و هذا ما سأصفه “الوضع الوظيفي في الحياة”

أي أن الأحلام و الرؤى ستختلف من شخص إلى أخر و كذا ستختلف عند الشخص نفسه بحسب وضعه في الحياة و بحسب الوظيفة أو الوظائف المكلف بتأديتها.

النقطة الثانية

في النقطة الثانية سنلاحظ أن البشر في الغالب يميزون بين ” الرؤيا ” و ” الحلم ” فيميلون للقول بأن الرؤيا هي بفعل قوى عليا ، في حين أن الحلم قد يُرد إلى أحداث يومية أو ضغط معين نعيشه أو بالمجمل إلى اللا وعي أو العقل الباطن ، و في كلتا الحالتين ( الرؤيا أو الحلم ) فإن الوضع الوظيفي سيحافظ على ذات التأثير ، فإذا كانت رؤيا من قوى عليا فعلينا أن نأخذ بالاعتبار الوضع الوظيفي الذي نحياه و إذا كان حلم قادم من اللا وعي أو العقل الباطن سنأخذه بعين الاعتبار أيضاً .

النقطة الثالثة

أما النقطة الثالثة فسنعود إلى القصة نفسها و التي تتناول رؤيا النبي يوسف أساساً و التي قصها على أبيه النبي يعقوب “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ” و التي تتحقق في نهاية القصة ، ثم يعترضها في الصُلب رؤيا الملك “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” -إذا ما أغفلنا ذكر حلمي رفيقي السجن- و في الرؤى إشارات واضحة فالقصة هي قصة الرؤى بدون استثناء.

و كلاهما ( النبي و الملك ) يحلم بحسب وضعه الوظيفي، أما نبي الله فرؤياه تخص النبوة و الرسالة ، و أما الملك فرؤياه تخص مصير الدولة في خيرها و قحطها ، فيمكننا القول بأنه يمكن لشخص واحد أن يحلم فيؤثر بحلمه على أحلام الملايين.

غاية في نفس يعقوب

لم أغفل فيما سبق عن تلقي القصة على أنها إحدى آيات الله و أني أعلم في الوقت نفسه بأن ما يخص الأنبياء لا يخص بقية البشر ، إلا أن هذا الشيء لا يجنبنا أو يمنعنا من طرح الأسئلة و هذه غايتي في الحقيقة.

أليس من الجدير بنا أن نتعامل مع من يدير شؤوننا بوضوح أكثر (ولا أقصد الأمور الشخصية فهي خاصته أياً كان)؟
إذا كان الحاكم قد أحس بضرر ما (أزمة أقتصادية ، حرب محتملة و غيرها) أليس من حقي أن أكون بصورة الوضع؟ أم أنني سأبقى أسير الخطابات السياسية إلى أن يمسني الضر؟
ألا يمكننا أن نتقي شر أحلام الملوك؟

فيديو مقال حلم الملك

 

أضف تعليقك هنا