هجرةٌ قهريةٌ

حكموا  على حريتهم بالإعدام، تركوهم يغوصون في فكر الفرار إلى عوالمٍ مجهولةِ الهوية…
ليكابدوا أوجاع الهروب من بقعةٍ لأخرى عبر حدود البرد و الجوع و الخوف من موتٍ حتمي و هم على قيد الحياة.
لا أحدٌ يبالي بطفولةِ أمنياتهم و لا حتى بكهولة أرواحهم التي أرهقها ظلم سجن غزة القهري.

هنا في غزةٍ… قصةٌ لم تنتهِ…

تمرسَ الظلمُ في قلبها و ضواحيها؛ رغم صغر الأيام و ضيق الأمكنة… لم يُترك لهم مجال تنفس الحريةِ، بل سُجنواْ في زنزانة الفقر و الجوع بقضبانٍ قيدتْ عقولهم و أجسادهم، و لم يتبقَ لهم مخرجاً سوى الهجرةِ، هجرةٌ عن ذواتهم ليرتدوا زي الانزواء رُغماً عنهم…

تراهم يستسلمون لسبات الضعف تارةً و لتمرد اللحظات تارةً أخرى، بينما يهربون كثيراً لنومٍ يُنقذ كياناتهم من أمراض اليوم.
و من تُتاح له فرصة الخلاص كما يظن… يخرج إلى بقعة أوسعْ… ظناً منه أن الهجرة من غزة هي الخلاص من سجنها… فيجد نفسه في سجنٍ أكبر عند حدود بلدان لا تحمي هروبه غير الشرعي… يصدر عليها أحكاماً ظالمةً، فالبعضُ يموت قبل أن يُكمل درب الفرار.

يقف في زاوية الغربة و يتساءل؟!

من أوصلني إلى هنا؟!  أين رحل حب غزة؟! تلك الأرض الطاهرة التي لم أتخيل تركها يوماً…
يضحكُ مرةً و يبكي أخرى… فالتيه صاحبَ حقيبة عقله.

لم يعد قادراً على تحمل ويلات الضياع… هاجر دون رغبة منه ليعيش شباب عمره الواقعي رغم شِيخَ طموحه… هجرةٌ قهرية حاصرته بخيوطها ليحزم أمتعة اليوم ضارباً كل أفكار الأمس عرض النسيان، أشعرته أن وطنه غريبٌ عنه أهمل حاجته لكينونة الذات… لتصبح صورته وطنه الدامعة بلا ملامحٍ تُوقظه من غفلة التوهان…

غبشٌ حبسَ دمعته و لم يسمح لها بالولوج لترتاح مقلتاه من وجع الغربة و ألم الندم على ترك ركنٍ لم يتخيل يوماً أن يسير بعيداً عنه.

قصة لن تنتهيَ…

هجرةٌ قهرية رغم مرار ويلاتها… أصبحتْ في نظره سبيل الحرية من سجنٍ قتل أحلامه.

قصةٌ لن تنتهيَ..

سيطول التيه جيلاً آخراً باتت طفولته وَهمَ براءةٍ في ظل الموت الحتمي لأحلامٍ حاصرتها أنانية الظلم.

فيديو مقال هجرةٌ قهريةٌ

أضف تعليقك هنا