الصدفة الصافية

لقاء صفية

لم أومن أبدا أو أقدم على تصديق القولة التي مضمونها أنها الحبيب الغائب عنك سيحل في أحد أيام كانون الأول، صحيح كنت أحاول أن أعمل على أن يحصل هذا، قررت أن أتأخر للخروج فهذا أخر سبتٍ في كانون الأول، أمضيت نحو موقف الحافلة كان ذهني وأنا أنتظر الحافلة ترادوه كلمات من أحد المدائح النبوية الصوفية ((اشرب شراب أهل الصفاء ترى العجائب)) سرت انتظر بصمت على مضي خمس وثلاثين دقيقة في الموقف بلا ملل أقول لربما هناك خير في القادم>

وصلت الحافلة على الساعة الثانية وأربعين دقيقة بعد الزوال كانت بعض المقاعد الفارغة توحي أنها ستمتلأ بعد حين بالناس الكبار والذي لا يسمح لدواخلنا البقاء جالسين وهم واقفون لكن قررت الجلوس إلى حين صعود أحدهم… كانت تشير سيارة ‘الدولة’ الواقفة بجانب بيت صفية أن أبها موجود بالبيت وبالتالي هي موجودة هناك فقد اعتدت ألا أراها بمفردها أبدا إلى يوم الناس هذا.

لكن ما إن استدارت الحافلة عن الحافة الأخرى للطريق حتى وجدت أمها تصعد الحافلة أكاد أجزم أنني لم أتعرف على النور (صفية) إلا انطلاقا من وجود أمها وهما اللواتي مررنا سريعا إلى أخر الحافلة فقد امتلأت الكراسي جميعها ولم يظل سوى الركن الخلفي للحافلة ، ما ان استوقفت الحافلة في المحطة التي بعد بيتهم حتى صعدت إحدى السيدات كان ملامحها توحي إلى التعب لكن ظلت بسمة ترافقها دعوتها للجلوس فباشرت أول كلمة لها بالدعاء ”الله ينجحك أ ولدي ” أجبت أمين ثم اتجهت أيضا إلى الركن الأخير وجودها جانبا حجب عنها رؤيتي.

تفاصيل رؤية صفية في الماضي

صفية هاته أول حب يلج هذا الجسد يدخل القلب بآداب فعلها وأقوالها  وحسن سلوكها ، قد مضت 13 سنة لم أراها كنت أرى بسمتها وطأطأت رأسها تحية لي عند كل صباح اثنين وأربعاء وخميس حين كنت أتجه نحو الثانوية فأظل أنتظر صديقي نور الدين وكانت تمر رفقت أبيها وأخوها بالسيارة كانت السيارة السوداء الفارهة تشعرني بالرعب لكن في نفس الوقت كانت تشعرني بالراحة لأنني سأحظى بابتسامة قلما اجدها.

استفقت على مصافحةٍ كانت من أحدى الفتيات من المعارف بصداقة أو معارف دراسة وتدعى سلوى كانت ممن درس معنا في المدرسة الابتدائية وبقيت علاقتي معها حتى الثانوية وما تزل ، سألتني عن أخباري كانت الابتسامة الممتدة تجيب فلا يبعدني عن صفية إلا سلوى أجبت بفرح شديد أنني بخير.

خضنا نتحدث عن الدراسة والمستقبل وبعض المشاكل كنت أود أن أوحي إلى صفية التي أنا مدرك على أنها تسمعني رغم حديثها مع أمها كنت أود أن أوصل لها أنني تخرجت بشهادة البكالوريا شعبة العلوم الفزيائية وأنني أتابع دراستي بكلية الحقوق لرغبة مني كانت ترادوني أفكار أنها تحسبني درست بشعبة الأدب لم أكن أستحي من شعبة ثرية كالأدب لكن كنت أود أن أوحي لها أنني قريب فهي اتبعت شعبة التدبير المالي وأنا علوم فزيائية ظللت أستدمج الرعب الذي كان يعتريني على أن أتحدث مع سلوى كثيرا كي لا يصبني بالصمت أي انهيار عصبي… وددت للمرة الأولى أن تطول مسيرة الحافلة وتتأخر ولما لا تجول كل أرجاء المدينة ولا نصل وسط المدينة .

ملامح صفية

كانت صفية قد تغيرت في ملامحها كانت نموذجا لي وستظل تغيرت ملامحها نسبيا لكن البسمة التي كنت أسترقها على غفلة من الراكبين جعلتني أتذكر أيام الصفوف الابتدائية حين كانت ذاكرتي تهيم وتغيب عند نظري لها ، لقد ارتدت النظارات و وضعت حليّ على أذنيها وتغير جزئيا نمط لباس من الموحد في الأولوان إلى المتناسق بين لونين أو أكثر كانت بدلتها الوردية توحي إلى الحياة… بوردية خدودها وبسمتها التي تحضر دائما وتغيب خجلا …

كنت أود أن أسمع صوتها لكن صخب المذياع الذي كان في الحافلة وأصوات الراكبين الذي هي منهم وأنا أيضا حال دون ذلك ، توقفت اردد فقط الموسيقى الغرناطية التي تبث عبر أثير الإذاعة المحلية لمدينة وجدة كان على شاكلة زفاف وضعت الموسيقى لتناول العشاء وهو رائج لدينا

في الحافلة..

وصلنا قبالة الحديقة الموجودة بجوار حينا حتى صعد مراقبين الحافلة كانت وهي تقدم ورقتها للمراقب تذكرني بلحظات تقديم الدفتر للأستاذ ليراقب أعمالنا كانت متفوقة في كل شيء ولكن كنت متفوقا في مراقبتها كان يحلو لي جدا عندما يقول الأستاذ وهو يثني عليها أنها حصلة على العلامة الكاملة ويقول لنا كونوا مثل صفية كانت كنت أتخدها نموذجا للعلم كنت أستفيق على نقط لم تكن كارثية أبدا كانت متوسطة كان دائما يدعوني الأستاذ أو الأستاذة إلى الاجتهاد… توقفت عن التفكير حين وصلت الحافلة وسط المدينة وكنت على حافة باب الحافلة وعليَّ النزول للسماح للأخرين بالنزول أيضا… راودتني في هذه اللحظة أيضا إحدى مدائح الصوفية وهو يقول :((يا له من صوت يحلو أودُّ لا يتناهى)).

فيديو مقال الصدفة الصافية

أضف تعليقك هنا

ياسر ملكاوي

ياسر ملكاوي