بوابة التقدم

تحولات حدثت في القرن العشرين

قفزات إنسانية

كان هذا عنوان البرنامج الوثائقي الذي اجتمعت عائلة أبو همام لمتابعته بشغف، وبعد جولة تاريخية، وصل البرنامج في الحديث عن القرن العشرين:

“انتبهوا إنه يتحدث عن وقتنا القريب جداً” هكذا قال الابن الأوسط حارث، صمت الجميع فقال المتحدث:

قفزات إنسانية في آسيا

وفي القرن العشرين، حدثت قفزات إنسانية كبيرة على مستوى الدول، ولن يكون حديثنا عن أوربا وأمريكا، بل عن آسيا بداية فمثلاً: هذه الدولة (ظهرت خارطة)، جزيرة التي لا تتعدى مساحتها 716كم2 والمحرومة من النفط والثروات الباطنية استطاعت خلال أربعة عقود (أربعين سنة) بقيادة “لي كوان يو” أن ترفع دخل الفرد من 400 دولار عام 1959 إلى 22 ألف دولار عام 1999، إنها معجزة حقيقة، إنها سنغافورة.

ومثالنا الثاني دولة صرح عنها الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر بأنها:” ليس لها أي مستقبل ومن الصعب أن تنهض بنفسها حتى لو بعد مئات من السنين”.، في بداية في بداية الستينات الميلادية من القرن الماضي كان دخل الفرد 82 دولاراً، وصادراتها أقل من 40 مليون دولار، بعد سنوات من الكفاح أصبح دخل الفرد 27 ألف دولار سنوياً وزادت صادراتها عن 560 مليار دولار.[1] إنها كوريا الجنوبية، التي كانت نتيجة حروب مزقت كوريا إلى دولتين، هذه واحدة منها.

قفزات إنسانية في إفريقيا

ونختم برنامجنا بالحديث عن دولة أفريقية اسمها يعني بلد الألف تل مساحتها 26000كم²، عدد سكانها 12 مليون نسمة،1994 م دخلت في حرب أهلية راح ضحيتها أكثر من مليون شخص، وبحسب تقارير الحكومة الرواندية فإن دوامة القتل بين أبريل ويوليو 1994 ، أودت بحياة عشرة آلاف مواطن في اليوم ، أي 400 في الساعة و7 في الدقيقة.[2]، لكنها خرجت بعدها لتبدأ عملية النهضة، وقد نشرت محطة سي إن إن تقريرا أظهرت فيه قصة نجاح رواندا العظيم، حيث حققت الاستقرار والنمو الاقتصادي (متوسط الدخل قد تضاعف ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة)[3]، لتحقق المركز السابع في النمو الاقتصادي على مستوى العالم ، وأصحبت جديرة بمقولة” رواندا من الإبادة إلى الريادة”.

حوار عائلي يدور حول الرغبة في معرفة أسباب تقدم الغرب وعدم تقدم المسلمين 

انتهى البرنامج ليلتفت همام مندهشاً مستغرباً حائراً ليقول: يا أبي، لقد تقدمت أوربا وأمريكا وآسيا وأفريقيا، فمتى نتقدم نحن؟

ليقفز حارث ويشاركه: لماذا لا نتقدم نحن، مثل أولئك؟

وقبل أن يتكلم الوالد، تسبقه علياء لتقول: يا أبي ألسنا مسلمين، ولدينا تراث عظيم، ودين قويم، ولدينا ثروات هائلة، كان الأجدر بنا أن نكون في الريادة والسيادة، فكيف نتقدم؟

أَضعفُ الإيمان هو السبب؟

وأمام حرقة الأبناء وتلهفهم، التفت الأب إلى الأم، فأشارت إليه وأنا منهم، لتصبح الكرة في مرمى الأب، وأمام العاطفة الجياشة والباحثة عن الحقيقة، قرر الأب أن يتحدث:

فقال: الموضوع ليس بهذه السهولة، فقضية التقدم تتطلب منظومة متكاملة من الأمور، كما أن أسباب عدم التقدم كثيرة ومتنوعة ومتشابكة، لكن السبب الرئيس هو ضعف الإيمان والتزامنا بهذا الدين، لذا..

وقبل أن يكمل، قاطعه حارث بأدب قائلاً: هل سنغافورة وكوريا الجنوبية ورواندا والصين وغيرها أكثر منا ايماناً والتزاماً بالدين الحق؟

احتار الأب قليلاً، ثم قال: لا. ليسوا أكثر منا إيماناً، ولا تديناً، لكنا نحن ارتبط تقدمنا بالتزامنا بديننا، فكما قال الفاروق عمر t:” نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.

أم الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان هي السبب؟

عليا: وهل قانون التقدم ونظرياته تختلف من أمةٍ إلى أخرى، أعني هل شروط تقدمنا نحن المسلمين تختلف عن شروط تقدم غيرنا من الأمم؟، أليست البشرية متساوية، ومن أصل واحد؟!

الأب: إن ما نقع فيه من الذنوب والمعاصي على المستوى الفردي والجماعي، هو المعيق الأكبر لتقدمنا، فمن عقوبات المعاصي الحرمان من التقدم والنهوض، فلا سبيل لنهضتنا إلا بترك المعاصي في مختلف جوانب الحياة.

همام: إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فإن أكبر ذنب ومعصية هو الشرك بالله، وكما يقولون ليس بعد الكفر ذنب، ومع ذلك نرى الأمم المشركة والكافرة تتقدم وتتطور، بل وتتفوق علينا، أم أن لنا معادلة خاصة؟!

أم الاهتمام بمظاهر التدين هو السبب؟

فانبرت الأم لتقول: لقد سمعت الكثير من المصلحين يقولون: أن الإسلام هو الحل، ولا حل سوى الإسلام، فعلينا التمسك بالإسلام وتطبيقه في كل مناحي الحياة وعندها سنتقدم وسنسود العالم، كما كان أجدادنا، أنسيتم تاريخ المسلمين وتفوقهم على سائر الأمم بما فيها أوربا.

حارث: إني أرى الملايين من المسلمين يصلون ويصومون ويحجون ويزكون ويذكرون الله، وأرى تلك الصورة الجميلة للمسلمين وهم يبكون في رمضان تأثراً بالقرآن، وأتأمل مكتبتنا الإسلامية التي تحوي الآلاف من الكتب الكبيرة والضخمة، وأسمع عن الآلاف خريجي الدراسات الشرعية في كل عام، وفي كل جمعة يردد الملايين على المنابر دعاء الله بنصرة الدين وتقدم المسلمين، لكني لم أر أثر ذلك في تقدمنا، بل على العكس أحياناً، و..

همام: لا داعي للاسترسال فكلنا يلاحظ ذلك، وكلنا يؤمن بقدرة الله، وكلنا متيقنين بقَدَر الله، ومع هذا فأنا أوافقك على هذه المظاهر، مظاهر التدين للملايين من المسلمين، ولا نشك في اخلاص الكثير منهم -نحسبهم ولا نزكي على الله أحد-، لكن أين آثار التقدم؟

الأب: إنها مظاهر كما قلت وليست جواهر، نحن نحتاج إلى جواهر ومظاهر، نحتاج إلى مراقبة الله في الصغيرة والكبيرة، نحتاج إلى حقيقة التدين وليس إلى قشوره، نحتاج إلى فهم الدين الشامل للحياة وليس في جزئيات، متى ما تجذر الإيمان في القلوب وصدقه العمل، عندها انتظروا التقدم. والآن سأذهب إلى النوم فلدي عمل شاق غداً.

علياء: لحظة واحدة يا أبي، دقيقة فقط، إذا كان التقدم الإنساني لأي أمةٍ مرتبطٌ بتمسكها بالدين جوهراً ومظهراً، فما بال الشيوعية والرأسمالية وعباد الأصنام والهندوس وغيرهم يتقدمون، بل ويتسابقون للريادة؟

التفت إليها الأب، ثم قال: تصبحون على خير، السلام عليكم ورحمة الله.

حيرة الأب وعجزه عن معرفة أسباب تقدم الغرب وعدم تقدم المسلمين

وبعد قليل، تدخل الأم الغرفة لترى الأب وهو جالسٌ متأمل، حتى أنه لم يشعر بها، وعندما اقتربت منه قليلاً سمعته يقول: متى نتقدم؟ لماذا لم نتقدم؟ كيف نتقدم؟ كنت أظن أني مستوعب الإجابة، فما بالي اليوم أمام أبنائي، هل صحيح ما كنت أعرفه أن طريق تقدمنا يمر عبر بوابة الدين لا غير!؟ اذن كيف سبقنا الكفار؟

فقاطعته الأم قائلة: نعم ما تفكر فيه صحيح.

قال: كيف! ونحن في ذيل القائمة وفي آخر السباق العالمي.!

قالت: قبل أن نتقدم، لابد من مراجعة بنيتنا الفكرية والثقافية، فهي الأرضية التي ستقوم عليها الحضارة والتقدم، فقبل العمل لابد من العلم، فلا تقدم بلا أرضية علمية وثقافية وفكرية تمهد طريق التقدم وتجعله واضحاً، لا لبس فيه، فلا تكفي سلوكيات ظاهرة وقلوب طاهرة حتى تضاف إليها بنية قاهرة، أوربا استنزفت قرون من المداولات والمراجعات والمعارك حتى خرجت بما نراه.

الأب: ونحن؟

الأم: نحن لدينا ما يقلل لنا الزمن ويختصر لنا الطريق، إذا عرفنا أين نضع أقدامنا، وساهمنا في البنيان المتين، فكرياً ومنهجياً وتطبيقياً.

الأب: وماذا تقصدين بهذا الكلام، وما البنية الفكرية والمنهجية المطلوبة.

الأم: هذا ليس الآن، فأنت لديك عمل شاق غداً، فلتسترح، وغدا لنا كلام ولقاء في نفس المكان ومع الأبناء بإذن الله.

اطمأن الأب، وذهب إلى فراشه.

وها أنت تنظر إليه، وقد وضع رأسه على الوسادة وعلى جنبه الأيمن، ثم تسمع صوته وهو يقول: باسمك اللهم أموت وأحيا.

واستسلم للنوم بانتظار الغد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جمال يوسف الهميلي

1440هـ-2018م

مراجع:

  • [1] aawsat . com
  • [2] sudaress . com
  • [3] edition . cnn . com /2009/WORLD/africa/07/17/zakaria.rwanda/index.html

فيديو مقال بوابة التقدم

أضف تعليقك هنا