فكرة الهيكل الثالث؛ ملاحظات علي الهامش ..(٢)

في مقال سابق بذات العنوان أشرت الي ملحوظتين بخصوص الفكرة ؛ فكرة الهيكل الثالث .. وكانتا بخصوص ما يمكن وصفه ب” البُعد الاجتماعي” للفكرة .
وفي هذا المقال سأطرح وجهة نظري عن البُعد الاقتصادي .. “المصلحة”..؟

سأتساءل سؤال أولياً بخصوص مصلحة الأوروبيين (الرأسماليين) في عصر الآلة وبعد انقضاء عصر الزراعة والإقطاع في قطعة الارض الفقيرة المدعوة بفلسطين ..؟!

وقبل البدء ؛ واقتباساً عن الصحفي والكاتب المصري “محمد حسنين هيكل” : ” إذا كان من الخطأ تصوير التاريخ وكأنه مؤامرة ، فالأشد تورطاً في الخطأ تصويره وكأنه مصادفة … وأن الرؤى الاستراتيجية الواسعة للفاتحين الكبار لا تموت بموتهم .. ”

ثم انطلق من حيث أنه ، في القرن السابع عشر الميلاد وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية شاعت في أدبيات أوروبا السياسية مصطلحات مثل ؛ مصطلح “الزاوية الإستراتيجية” للـ”الشرق الأدني” .. مع العلم أن الشرق الأدنى يعنى المنطقة ذاتها التي يشير إليها مصطلح “الشرق الاوسط” الذي نحته الأمريكيين في العصر المعاصر ـ أي منذ العام ١٩٤٥ وحتى اللحظة .

لكن دعني من المصطلحات الآن ، ولنركز مع “الزاوية الإسترتيجية” التي هي ليست سوى مصر وسوريا باعتبارهما يشبهان ضلعين مثلث قائم .. وزاويته القائمة هي “فلسطين” ..!

*صدف سعيدة

1)الزمان ، 1095 .. المكان ، علي تل “اوڤريني” في زمام مدينة “كلير مون فران ” جنوب فرنسا .. الصدفة السعيدة الأولى : البابا “أوربانوس” التاني اختار “كلير مون فران” مسقط رأسه لعقد الكنيس “المجمع” التاريخي ١٠٩٥م وسط حشود من الفرسان الفرنسيين او الافرنج او الفرانكيين او الفرانكوفونيين ، كما تود تسميهم . والصدفة السعيدة التانية : أن المؤرخين المسلمين الأوائل ” أي من عاصروا هذه الحملات ـ ووفقاً لإشارة المؤرخ المصري “قاسم عبده قاسم” ـ أطلقوا عليها حركة ” الإفرنج” ، رغم قدرتهم على التفريق بين الإنجليز والفرنسيين والألمان ..!

2)الزمان ؛ 1797م ، المكان : شمال غرب فرنسا على ضفة بحر المانش الغربية . الصدفة السعيدة الثالثة ؛ ان نابليون إختار مصر ليؤسس مستعمرة في مصر والشام ـ والشام هي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن الحالية “- بعد أن فقدت فرنسا كل مستعمراتها في الهند ووسط آسيا وفي العالم الجديد “امريكا وأستراليا” لانشغالها في صراعها مع التحالف السداسي في اوروبا علي الاعتراف بالجمهوريات الليبرالية الوليدة عن الثورة وحدودها .

*إنجلترا أولاً..!

إن حدث مثل “الحملة الفرنسية على مصر ١٧٩٨م” لهو حدث كبير جداً ومثقل بالتفاصيل ، بشكل لا تستطيع تصوره كما هو مكتوب في مناهج الشرق الأوسط التعلمية وكتبها الدراسية .

إن نابليون بونابرت رأي استحالة غزو إنجلترا لان موقعها حصين -عدة جزر- . وقائد الأسطول الإنجليزي “هوراشيو نيلسون ” لم يُهزم ـ بدون مبالغة .. وإن كان “نيلسون” كعقبة أمام نابليون يمكن التدبر لتخطيها، فأسطول إنجلترا كان العقدة ، لأنه مكون من سفن كثيرة ، متوسطة وصغيرة الحجم ، سريعة وخفيفة الحركة ، ومرنة في المناورات ، وتحتوى على فتحات كثيرة للمدافع ، إلى جانب تمرس الإنجليز في الأساس وقدرتهم علي “الضرب من المدفع والتلقيم” بسرعة خيالية .

وبناءا على ماسبق لا وسيلة ممكنة يمكن من خلالها الوصول بجيش بري لضفة الجزر البريطانية ، والأهم توفير خط إمدادات لا ينقطع من فرنسا.

وإلي جانب طموحه الشخصي وتأثره بقصة الإسكندر الأكبر الأسطورية وخاصةً في مصر ؛ كانت الفكرة ، أن يضرب مصالح إنجلترا في اكبر مستعمراتها “الهند” .

مع العلم بأن حكومة الهند ، وباختصار كانت مجرد “شركة” تدعي “شركة الهند الشرقية البريطانية” . هل استوعبت الأمر الآن ؛ “شركة” .. ماذا عن الخسارة المادية لتعطيل المواصلات من ، وإلي ، الهند .. ؟!

وبالتالي بعدما كانت إنجلترا منشغلة -فقط- بجزء من التركة العثمانية (البلقان والقوقاز وشرق أوروبا) ، أصبحت كل التركة العثمانية صداع في رأسها .

وهو ما أكده انحسار الأهداف الثلاثة في وثائق الحكومة البريطانية الخاصة “بالشرق الأدني” ، في عهد “بالمرستون” رئيس لوزراء إنجلترا ما بين (1830- 1865م) ، ونقلاً عن “هيكل” :
-إخراج “محمد علي” من سوريا لفك ضلعي الزاوية المصرية ـ السورية .
-وحصر “محمد علي” داخل الحدود المصرية وراء صحراء سيناء ، وتحويل هذه الصحراء إلي نوع من (سدادة الفلين) تقفل عنق الزجاجة المصرية .
-وآخرها قبول وجهة النظر القائلة بتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين ، ليكونوا ذات يوم عازل يحجز مصر عن سوريا ، ويمنع لقاءهما في الزاوية الاستراتيجية .

ورغم التحفظ الفرنسي حين اختار اليهود قبل وبعد أن تأسيس الحركة الصهيونية بدء المفاوضات مع الحكومة البريطانية ؛ الا أن فرنسا نجحت في جزء معين ، من استراتيجيتها في الشرق الاوسط ؛ وخلقت ضلع ساحلي لها في منطقة “جبل لبنان”.

*والخلاصة..!

ونقلاً عن اللورد “شافتسبري” في حديث بينه وبين رئيس وزراء بريطانيا “بالمرستون” من احد مؤلفات “هيكل”:
“.. تحدثت إليه عن آلام اليهود فلم يسمعني ، وحدثته عن مصالح بريطانيا العظمة فترك كأس البراندي الذي كان في يده ولمعت عيناه وبدأ يسمعني ..” ..!

فيديو مقال فكرة الهيكل الثالث؛ ملاحظات علي الهامش ..(٢)

أضف تعليقك هنا