في سوريا الموالية : ثورة جياع أم توجيهات نظام

انعدام مقومات الحياة في مناطق النظام

طفت على السطح في الآونة الأخيرة ونتيجة سوء الأوضاع المعيشية التي تعيشها مناطق سيطرة الأسد في سوريا مطالب عديدة من شخصيات مختلفة من فنانين وإعلاميين  وأطباء وحتى مقاتلين سابقين في صفوف قوات الأسد وجههوها لرأس النظام كي يتدخل ليحل ما وصلت إليه البلاد من انعدام لمقومات الحياة الأساسية في البلاد من وسائل تدفئة وغاز وكهرباء وماء.

ويتسائل مراقبون :

هل ستشهد مناطق النظام التي تعاني من كل شيء احتجاجات على أوضاعها الراهنة؟ وماذا يمكن تسمية تلك الاحتجاجات؟ فيجيب السوريون الأحرار على هذا التساؤل بعدما أسموها بثوروة الجياع نظرا لمطالبها ونظرا للفرق الشاسع بينها وبيت مطالب ثورة آذار عام 2011

بينما  يرى آخرون أن كل مايحدث في مناطق النظام من فقر وانعدام لمقومات الحياة ماهي إلا مخططات من نظام الأسد يتم تنفيذها الآن  في إطار السعي لتلميع وإعادة إنتاج نظام الأسد داخليا بعد أن بدأوا به خارجيا  على حساب الشعب الفقير ، فالأسد سيظهر فجأة وقد قضى علة أزمات نقص الغاز والكهرباء و كل شيْ ليهتف هؤلاء الموالون كعادتهم : الله سوريا بشار وبس.

اللافت أكثر للأمر أن أول من طالب الأسد بالالتفات لمطالب الشعب الذي يعاني خاصة مع فصل الشتاء البارد هم الفنانون الذين مافتئوا منذ بداية الثورة في سوريا من تقديم الدعم والمساندة للنظام ، ولم يتركوا شتيمة أو كلمة بذيئة إلا ونعتوا بها المتظاهرين تلك الأيام بل وأكثر من ذلك عندما وقع ممثلون وفنانون على ورقة للمطالبة بحليب لأطفال درعا المحاصرة وقتها من بينهم مي سكاف ومكسيم خليل ويارا صبري وغيرهم ، فانهال هؤلاء الممثلين على رفاقهم بالشتائم والتخوين ومطالبة النظام بسجنهم .

فنانون سوريون موالون يطلقون حملة “سيدي الرئيس” 

شكران مرتجى الممثلة السورية شديدة الولاء للأسد ونظامه

كانت أول من افتتح هذه الحملة بمطالبة رأس نظامها بالالتفات لأمور الشعب على حد وصفها

سيدي الرئيس.. الشعب تعبان، ما في غاز ما في مازوت ما في بنزين ما في كهربا، إجارات بيوت وصلت لمئات الألوف، ما في حليب أطفال وصل حق العلبة 11 ألف سوري. اللي ما مات من الحرب يموت من القهر والبرد والغلا وتعبنا عتمة بدنا نطلع عالضو بيلبقلنا وبيلبق لبلدنا العظيم. شكران مرتجى

شكران مرتجى كانت تتحين كل الفرص سابقا لتقديم ولائها للأسد رغم أنها من أصول فلسطينية  ووصفت كل من عارضه بالمندسين والإرهابيين ، وقطعت علاقاتها مع عدة ممثلين سوريين معارضين لمجرد معارضتهم نظام الأسد ، وقامت أيضا بالتهجم كلاميا على الممثل مكسيم خليل لأنه تمنى خسارة منتخب سوريا أو كما يحلو تسميته عند أحرار سوريا بمنتخب البراميل

أيمن زيدان ثاني المنضمين لجوقة أولئك الممثلين

زيدان صاحب جملة ” كيماوي في الوطن ولا برفان بالغربة” افتتح رسالته بقوله :” انتصرنا لكن لا معنى للنصر إن لم تعُد لنا أوطاننا التي نعرفها تبًّا للصقيع والعتمة،  لماذا تقتلون بهجتنا بالنصر؟ لا يتوّج إكليل الغار في العتمة.. نحن سكان الضوء.. نكره صقيعكم وعتمتكم.. شمس دمشق أكبر من تبريراتكم.. دعونا نتدفأ بوطننا الذي نعشق” وطالب رئيسه بتعيين مسؤولين قادرين على تحقيق مطالب الشعب.

زيدان ومرتجى لم يكونا الوحيدين المطالبين فانضمت لهم الفنانة إمارات رزق الشديدة الولاء للنظام مع زوجها حسام جنيد و التي استعانت بكلام أيمن زيدان  لماذا تقتلون بهجتنا بالنصر؟ لا يتوّج إكليل الغار في العتمة.. نحن سكان الضوء.. نكره صقيعكم وعتمتكم.. شمس دمشق أكبر من تبريراتكم.. دعونا نتدفأ بوطننا الذي نعشق”

وانضمت بعدهم الفنانة ديمة قندلفت للجوقة ذاتها ولتؤيد زميلتها شكران فتقول :

“إذا ببيتك في كهربا و مازوت و مي ، هاد لا يعني انك مرتاح..لأنو في حواليك ألف حدا من اللي بتحبّن ناقصن كل هدول و أكتر، و أكيد مافيك تتكتف و تتفرج عليهن..!

الممثّل الموالي بشار إسماعيل

الذي شبّه الأسد سابقًا الأسد  بالإمام علي بن أبي طالب كتب بأسلوب ساخر الأحوال اليوميّة التي يعيشها والبرد القارس الذي تشهده المدن السوريّة في هذا الشتاء: “صرخت بأعلى صوتي وقد تملّكني الرعب من الصقيع المترافق مع دخوله. بالله عليك من أنت؟ قال أنا البرد يا بشار إسماعيل.. وأنت والشعب السوري كل يوم تخطئون بحقي وتشتموني آلاف المرات في اليوم.. علمًا أني لست مسؤولًا عن معاناتكم فهكذا خلقني وأمرني الله أن أكون قاسيًا”

 ووقع الممثل بشار اسماعيل باسم “بردان اسماعيل”:  أنا عبد مأمور.. ويجب على حكومتكم أن تؤمن لكم الحماية من هجومي كل شتاء.. ولذلك اشتموا المسؤول عن تقصيره بحقكم واتركوني أنا لأني كل يوم أذرف الدموع على أطفالكم الفقراء الذين يموتون من شدة وطأتي.

فئات أخرى تحتج وتهدد بالانتحار: 

ليس الممثلون وحدهم من احتج على تردي الأوضاع في مناطق النظام بل أيضا طالبت فئات أخرى واحتجت على تردي الأوضاع ، طبيب أعشاب موال للظام من مدينة جبلة وجه رسالة مفتوحة لرئيسه للتدخل لمعالجة “الوضع المأساوي” والأزمات التي يمر بها “الشعب”.

“سيدي الرئيس.. شعبك واهلك جوعانين.. ألا ترى المناشدات من الجميع …أيرضيك حالنا؟ أين أنت؟”.

وهدد الأسد بالانتحار إن لم يستجيب لمطالبه “سأستقيل من عمري .أعدك إن لم تحل مشاكل الناس ..شخصيا سانتحر”، ومتسائلاً “إن كان أحد في حكومتك بردان وبلا غاز وكهرباء ومازوت وماء وحليب أطفال وغلاء …هل معقول أنت غافل عنا ونحن أهل الشهداء”.

وشدد أنه يخاطب الأسد حصراً، لأن كلامه لا يريح الآخرين “لكن أناشد سيادتك أنت وأنت فقط..الشعب بردان ..الشعب جوعان ..الشعب قرف من كل شي..لك حرية القرار.

شاب من طرطوس

في مدينة طرطوس ذات الأغلبية الساحقة لموالي الأسد والتي خسرت معظم شبابها دفاعا عن الأسد ، نشر  نشر شاب سوري كان يقاتل بجانب النظام،  تسجيلاً مصوراً من وسط مدينة طرطوس، هتف فيه “عاشت سوريا ويسقط الأسد” في خطوة تعتبر نادرة في منطقة تعج بالتواجد الأمني للنظام.

ويظهر التسجيل، شاباً على كرسي متحرك ويحمل ورقة تتضمن “عبارة عاشت سوريا ويسقط الأسد” إضافة إلى قيامه بترديدها وذكر تاريخ اليوم.

وبالتدقيق في حسابات الشخص على مواقع التواصل الاجتماعي تبين أن الشاب كان مقاتلا في صفوف قوات الأسد عام 2012 وقد تسبب ذلك في إعاقته ، دون أن يلتفت إليه أحد .

رجل من حماة

وفي مدينة حماة التي تعيش تحت قبضة أمنية مشددة منذ عام 2011 أقدم رجل ستيني على الانتحار في نهر العاصي ليقوم المارة بانقاذه ، حيث تبين سبب محاولة انتحاره هو أنه يعاني من ظروف صعبة بعد الغلاء وفقدان الغاز والمازوت وكل شيء ، فقد عجز على تأمين جرة غاز لعائلته منذ أشهر، ربما تكون هذه الطبقة الأكثر تأثرا بمايحدث في مناطق النظام ، وسيظهر الأسد يوما ما بطلا قوميا استطاع القضاء على أزمة الغاز على حساب هؤلاء الفقراء فحسب.

معاناة السوريين بالغاز والكهرباء

وقد وصل جرة الغاز الواحدة في بعض المناطق إلى نحو 17 ألف ليرة سورية، بينما كان سعرها في مناطق متفرقة في ريف دمشق 11 ألف ليرة سورية، أمّا أزمة انقطاع التيار الكهربائي فزادت من معاناة السورية في ظل موجات البرد المتتالية، وتسببت أزمة لغاز في زيادة أحمال الكهرباء بنسبة 20% مقارنةً مع الفترة نفسها من العام الماضي.

بالإضافة إلى ذلك فقد أدت لزيادة تقنين الكهرباء للحدّ من استهلاكها في التدفئة مع اهتمام مُحافظة دمشق بتزيين دمشق بإنارة مترفة في احتفالات رأس السنة، ما أثار غضب السوريين، ولذلك وصف مهندس خمسيني من سكان ريف دمشق تلك الإنارة «بالهدر الوقح للكهرباء، ففي ريف دمشق لا نرى الكهرباء وبذلها على هذا النحو، خساسة وإمعان في إذلال المواطن

النظام يسمح لك شريطة عدم تجاوز الخطوط الحمراء

مراقبون يرون أن الأسد و أجهزته المخابراتية تدعو  إلى تنفيس حالات الاحتقان المتزايدة بعدّة طرق، ومن هذه الطرق الإيعاز للمشاهير بالاحتجاج و النظام في هذه المرة يوجّه هؤلاء المشاهير من فنانين وإعلاميين إلى رئيس النظام السوري بالمناشدة لإيجاد حلول للواقع المعيشي المزري، ليوحي أن الأسد غير مسؤول عما يحصل، وتحميل المسؤولية للحكومة التي لا حول لها ولا قوة، والتي عادة تكون الحلقة الأضعف في بنية النظام السوري.

 تؤكد الحملة  على أن بشار الأسد «فوق النقد» ويتجاهل الإعلامُ المؤيّد الحقيقة الصارخة التي تقول إن الأسد هو من يختار الحكومة كاملة، دون حتى أن تنال الثقة من مجلس الشعب السوري الصوري الذي تختار أعضاءه أيضًا الأجهزة الأمنية.

وخير مثال على ذلك كله  قضية  مدير صفحة «دمشق الآن» الموالية للنظام، وسام الطير، الذي كان أحد أبرز المدافعين عن نظام الأسد، واعتُقل مؤخرًا لتجاوزه الخطوط الحمراء التي يفرضها النظام على حرية التعبير في البيئة الموالية، إذ قام الطير بنشر استبيان للرأي حول أزمة الغاز التي تشهدها المناطق السوريّة مؤخرًا، وشهدت سوريا بشكل عام اعتقالات لمواليين من الناشطين والصحافيين والفنانين خلال الأشهر الماضية، أبرزهم الممثل مصطفى الخاني بعد خلاف مع سفير النظام لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري.

 الحملة الحالية تأتي ضمن إطار المناجاة والاستغاثة بالأسد لتحسين الأوضاع المعيشية، وهو الأمر الذي يرى مراقبون أنه مدفوع من أجهزة المخابرات، لإظهار أن الأسد وحده القادر على تحسين الأوضاع المعيشية، وهي متلازمة معروفة في سوريا،من خلال توجيه كل النقد للحكومة وتحميلها كامل المسؤولية، ثم تبرئة الرئيس وتصويره باعتباره المخلّص وكما أسلفنا لإعادة انتاج نظام الأسد داخليا وخارجيا.

فيديو مقال في سوريا الموالية : ثورة جياع أم توجيهات نظام

أضف تعليقك هنا