في مطلع العام الجديد .. حلمي بين الكاميرا والمرآة

تأملات..أسئلة.. وأمنيات

ها هي الأرض من جديد تنهي دورتها حول الشمس لتعيد الكرة مرات ومرات ويعلن سكانها وفق تقاويمهم البشرية  انتهاء عام واستهلال آخر برقم يليه.. في ليلة رأس السنة يرد على خاطري الكثير من الأمنيات  والعديد من الأسئلة  .. لطالما تساءلت لماذا ارتبط حساب الأعمار والسنوات بالتفاعل الفلكي وليس الأرضي؟! .. لمَ لا يكون المعيار الذي  يحدد طول السنة مدة إزهار  وردة ما؟! .. ولتكن وردة الفل مثلا!.. ربما لأن مدة إزهارها تتباين بحسب ما يميز منبتها.. وإن كنت أرى أن ذلك يعد حافزا للناس لكي يبدعوا في خلق بيئة تطيل عمر ورودهم.. تطيل أعمارهم!

 من الأساطير إلى الفضاء

أعتقد أن السبب الأقرب للحقيقة وراء ابتداع هذه التقاويم، أننا مفتونون بما لا نطاله.. نلوذ  بالفضاء من الغوص في طين الأرض.. من منبع ومصب حياتنا.. فكم من العسيرإدراك ما هو قريب منا.. وعلى النقيض منه كل ما هو  خارج عن نطاق سيطرتنا.. ننهمك فيه بسهولة مستعذبين إطلاق أحكام لا تطالنا.. ولا تعنينا..نحن أسرى الأساطير التي تتلقّفنا وتخطفنا بين ثناياها لتُجنبنا تلك المواجهة اللحظية الأصعب على الإطلاق.. المواجهة مع أنفسنا..

برمجة وتشكيل

في ليلة رأس السنة تبهت التساؤلات أمام كل تلك التهاني والتبريكات التي اصطفت ملونة، مزخرفة في مجموعات التواصل الاجتماعي.. كبديل مستحدث عن الخروج للاحتفال وعن التجمعات العائلية الحقيقية التي تُدفئ برد هذه الليلة.. والأجواء الاحتفالية في العوالم الافتراضية لا تتوقف على وسائل التواصل الاجتماعي..  فالفضاء لازال طاغيا..  يغزونا بأقماره الصناعية وبقنواته التلفزيونية اللانهائية!.. تحتشد ببرامجها وإعلاناتها.. بمسلسلاتها وأفلامها.. في سباق شرس لاختطاف ذهنية المتلقي والغوص في أغوار برمجتها.. لتشكلها وفق ما يحقق رواج لكل ما تبيعه من سلع.

كسر الروتين على جثتي.. ثم اسف على الإزعاج

قررت في هذه الليلة أن أترك لإحدى قنوات الأفلام المصرية العبث ببرمجتي العصبية.. في محاولة ناجحة لكسر روتيني اليومي.. حيث اعتدت مشاهدة الأفلام العالمية.. لأصادف فيلمين متتاليين للممثل أحمد حلمي..  وهما “على جثتي” ” وآسف على الإزعاج”.

لم يدفعني  للكتابة عن الفيلمين أي وازع  نقدي.. أستعرض فيه قوة أو هشاشة المقومات الروائية والسينمائية للعملين  .. ولا يستهويني مناقشة نجاح أوفشل المعالجة المصرية لأفكار اقتبست نواتها من أعمال أجنبية..

لست أيضا في صدد عرض رؤية فنية تتدارس أداء أحمد حلمي.. وتقيم حجم ما حققته اختياراته من محاولة للارتقاء بالكوميديا في السينما المصرية من كونها مجرد مادة للضحك ترتكن على الإيفيه والمواقف الهزلية.. لمادة درامية متعددة الأركان تفاجئ المتلقي بمعاني إنسانية وعلمية حساسة وعميقة.. تقدمها له بروح الضحك والفكاهة دون تعقيد.. فيتفاعل معها الجميع من كل المستويات الفكرية والثقافية… ما لقتني حقا في الفيلمين ودعاني للكتابة عنهما.. هو قصتيهما وما فيهما من مضامين إنسانية..

بين الظن والوهم

فيلم على جثتي تناول قصة مهندس ديكور مبدع في عمله.. لكنه  شديد التزمت.. لا يتهاون مع أي خطأ أو مع مفهومه للخطأ مهما كان حجمه…. لا يثق أبدا في أي أحد مهما كانت صلته به.. يظل عقله يصور له بواطن الآخرين وهم يستهدفون الشر والأذى.. حتى أنه حاصر زوجته وابنه  وكل العاملين لديه بكاميرات المراقبة.

وبرغم ذلك لم تتوقف شكوكه لحظة…لحين تعرضه  لحادث كبير أدخله في غيبوبة أوقفت كل وظائف جسمه الحيوية ولم تعد تعمل إلا بالأجهزة الطبية.. بينما تجلى طيفه حرا بعيدا عن جسده، يطوف جنبات حياته دون أن يراه أو يشعر بوجوده أي أحد، ليكتشف  حجم المأساة التي خلقها بظنونه.. وقناعته أن البطش والإرهاب قد يمكنانه من أفكار من حوله.. ويضمنان له طاعتهم وولائهم…. لم يقتنع بعد الحادث أنه غدا طيفا غير مرئي..  إلا عندما نظر في المرآة ولم يجد له انعكاسا فيها!..

في الفيلم الثاني آسف على الإزعاج..جسّد أحمد حلمي دور مهندس طيران عبقري في عمله.. لكنه يعاني من مرض الفصام.. المرض الذي جعله منعزلاعن المجتمع.. يتوهم قصصا وحوارات وأشخاصا يعيش معهم أدق التفاصيل برغم عدم وجودهم… وأول ما ساعده على اكتشاف مرضه هو الكاميرا.. حيث استطاع من خلال تصويره للمواقف التي يمربها ..وإعادة عرضها..تمييزالوقائع المزيفة التي يصورها له المرض..

الحل والمآل

الكشف بواسطة المرآة والكاميرا.. يعد نقطتي تحول درامي في كلا الفيلمين.. ماستوقفني فيهما ما يرمزان له من الدعوة بقوة لاستمرارنا في الرصد والمواجهة .. رصد أنفسنا  في مرآة صادقة.. لا نخافها..مهما كانت صادمة.. ورصد الصور التي تخترعها عقولنا عن الآخرين.. فتصورهم لنا انعكاسا لما يعتمل فيها من عطب أو صفاء.. المنحى الروائي في القصتين انحازللصداقة لتكون مفتاحا للحل .. وآل للحب اللامشروط ليكون مستقرا وشفاء..

فيديو مقال في مطلع العام الجديد .. حلمي بين الكاميرا والمرآة

أضف تعليقك هنا