أنا…بخير

رضا الإنسان رغم جفاء الآخرين  

يصعب على عقولنا أن تصدق أن العالم يعج بالكائنات البشرية.

لكننا لم نجد من نخبره أننا نكره السرعة في الطرقات، ونصاب بالدوار والغثيان في الحافلات، دون أن ترمقنا عيناه بالتقزز والنفور.

لم نجد من يكثرت لقصة شعرنا الجديدة، حتى وإن بدت جميلة.

لم نجد من نقاسمه أغنيتنا المفضلة، ثم بعد ذلك يحفظها عن ظهر قلب.

لم نجد من نخبره أننا نقرأ القرآن، ونسمع مزامير الإنجيل، ونرتاح حين ندخل الكنائس ونصلي في كل بيت لله، دون أن يتهمنا بالكفر والإلحاد.

لم نجد من يذكرنا في الغياب ويدعو لنا في سره، ويختم بآمين.

لم نجد من يميز ضحكاتنا ويقرأ لغة جسدنا.

لا أحد يهتم لاختفاء بريق عينيك، أو حرق بسيط على يديك وأنت تحاول تحضير وجبتك المفضلة.

لم نجد من نطلب منه أن يبقى بجانبنا، لأننا نخشى أن تبتلعنا الكوابيس في ليلة باردة موحشة.

لم نجد من نخبره بكل هاته الأشياء التي لن تخسف بالشمس، ولن تحدث شرخا في الكون، فصنعنا من أنفسنا كل الناس….نحن فقط وحيدين ومللنا ذلك، لكن أبدا لا نريد الحب.

لكنني بخير…

الإنسان يصنع سعادته بأبسط الأشياء 

أسير بين الناس منتصبا كالأشجار، وككل الأشجار أنا بخير.

أملك من الثبات ما يكفي لأن أرى جنازة أمامي، دون أن أحرك ساكنا، وأحمل داخل جمجمتي ما يكفي من الجنون لكي يظل قلبي آمنا بسلام.

لدي كتب قليلة مبعثرة في كل مكان، أستمتع في ترتيبها بين الفينة والأخرى.

حين أصادف أشخاصا أعرفهم لا أسألهم عن أحوالهم، أشاركهم طرائفي الخاصة أو طرائف سمعتها، فيبتسمون.

ثم إني أملك من النقود ما يكفيني لأطلب وجبة غذاء لي ولعجوز فقيرة في آخر الشهر.

لا أذكر آخر مرة مزقت فيها غلاف هدية معطرة بالحب، لكنّي بخير مادمت أنال في أغلب الأوقات أمورا تعطى على وجه السرعة، لكن تحيل إلى أنني مررت في الخاطر.

قبل أيام امتلأت علبتي بالشكلاطة، بلا أية مناسبة، جاءتني كعربون اهتمام فقط.

أنا بخير…فقد نلت ما يكفيني من الحب في الأيام العادية من الغرباء وبعض الأقرباء.

أنا بخير ما دمت أيقنت أن الدموع يمكن أن تتكدس خلف عينيك، لكن أبدا لا يمكن للبكاء أن يصنع أنثى، لون يليق بلون بشرتك يفعل، أحمر الشفاه يفعل، كتاب يفتح عينيك على الحياة يفعل، النظر إلى السماء بيقين كذلك يفعل.

وما دام لا يمكنني أن أستمع لمن يستهين بدهائي لكي يقنعني أن المرأة الناضجة والواعية هي التي تكتفي بعقلها ولا تهتم للزينة الخارجية فأنا بخير. عقلي في رأسي، لكن ماذا عن قدمي هل أنتعل عقلي، وأصابعي بماذا أزينها؟… هذه الأمور هي أجمل مافي المرأة وتعبير ساحر عن أنوثتها.

أنا بخير ما دمت أستيقظ كل صباح وأستشعر روحا تنبض لي دوما كي أحيا.

الإنسان يصنع سعادته بأحلامه 

في الصغر كنّا نظن أن الحياة وجدت على مقاسنا، لكي نكبر ونتعلم كيفية التمدد والتقلص كي نصبح نحن على مقاسها، الحياة أعمق وأكثر تعقيدا من وصف عجوز حكيم، أو فيلسوف محنك، أو شاعر مخضرم، لكنّنا رغم ذلك نحن مدينون لهؤلاء، مدينون لكل الذين يكتبون نصوصا بديعة، أو أدبا رائعا، أو فلسفة عميقة، أو أفكارا خلاقة. مدينون لهم بأن منحوا لحياتنا معنى، وأضفت عليها لونا مختلفا، لكل من كتب كلمة صالحة عرّت قليلا من الحقيقة، أو صححت فكرنا الفطري، مدينون لأولئك الأشخاص الذين يكتبون لوحات فنية بحروفهم، لأولئك الذين يرسمون بفرشاتهم عبارات لا تقال، لمن بعزفه يبعدنا عن الوجود، وبموسيقاه يرفعنا للأعالي…أشعر حقا بالامتنان لكل هؤلاء، وأشعر كذلك بالخجل تجاه مثل هذه الأمور الجميلة التي لا أجيدها، أخجل من صوتي كونه لا يصلح للغناء ويدي لا تجيدان العزف ورقصي ليس بارعا… وكاعتذار منّي عن شعوري بالنقص من كل هاته الفنون التي تجمّل العالم رغم قسوته، أصبح لطيفة مع الناس والأشياء، لطفي الزائد أحيانا هو محاولة لإخفاء حزني من كوني لست فنانا كاملا…

ولكوني أحلم، وكأي أنثى تحلم لأن يكون اسمها ولو لمرة إجابة اختيار مصيري…أنا بخير

ولأني حالمة كبيرة يصطادني الواقع كل يوم وأفلت منه بأعجوبة دعاء…

لأني لا أبتسم إلا للحاضرين والحب أكثر الحاضرين إخلاصا لي..

لأني أريد لاسمي الوصول …أنا بخير.

فيديو مقال أنا…بخير

أضف تعليقك هنا