ربيع العرب.. خريف الأمم

كتاب «نهاية التاريخ»

بدت الانتقادات حول كتاب «نهاية التاريخ» عام 1992، لفرنسيس فوكوياما أحد أهم المُفكرين السياسيين وأشهرهم، حول وجهة الديموقراطية نحو التآكل الداخلي للقارة العجوز بسبب غياب الصدمة أو التحديات الخارجية، فالمجتمعات أغلبها تُعاني من بعض مظاهر الفساد في مؤسساتها الاقتصادية والسياسية، وهيمنة جماعات الضغط وزيادة الأنانية الفردية، ومع ذلك يؤكد فوكوياما أن المستقبل هو للديموقراطية في مواجهة انهيارات اقتصادية للاتحاد وخروج انجلترا من الاتحاد و

مُظاهرات فرنسا لأسباب أهمها:

أولاً، الفقر الشديد والثراء الشديد، وثانياً، الاستبداد المُتحالف وبعض أنواع الرأسمالية المتعددة الجنسية، وثالثاً، الشلل السياسي في بعض المجتمعات الغربية وفي مقدمتها الأمريكية، ومهما كانت الصعوبات والإشكاليات التي تواجه حتمية انتصار الشعوبية فهي صاعدة ومنتصرة، لكن رحلتها طويلة ومعقدة، عبر تزييف الوعي وبيع الأوهام لهدف افتراضي بالمركزية الأوروبية والصور النمطية لكل ما هو غير أوروبي، خصوصاً الشرق الإسلامي.

تحليل ثورات الربيع العربي

ولعل تحليل ثورات الربيع العربي يُغاير تلك الرؤية، فقد ظهر في عنوان: «من 1848 إلى ربيع العرب» لنفس الكاتب، عدم وجود خبرة تاريخية بالممارسة الديموقراطية، رغم أن الشعوب العربية لديها مميزات تدعم من فرص نجاحها في النضال الديموقراطي ووجود نماذج ديموقراطية ناجحة.

فالثورة التي اندلعت في صقلية وغيرها كانت تُنذر بأُخرى تختمر في باريس وظهور “السترات الصفراء”، لتُبرز مركزية الرؤية الأوروبية واعتبار التاريخ الأوروبي المسار الأوحد الذي لا بد من أن تتبعه البشرية في تطورها وكان سبباً رئيساً في كون ربيع أوروبا مُعقداً وفوضوياً، لأن الديموقراطية مُمارسة وعملية يمكن أن تنجح في سنوات أقل، إذا تمتعت الدولة بالقُوة والقُدرة على فرض القانون وتوافرت مؤسسات للرقابة الشعبية والمساءلة، إذ نجحت مصر في التحول الديموقراطي التي أرى أنها لم تكن بفوضوية وتضحيات كالتي مرت بها أوروبا، وتمر به فرنسا الآن لتُقلق دول الجوار.

وعندما صوتت الشعوب الأوروبية لمصلحة معاهدة “ماستريخت” فبراير1992م، لم تفعل ذلك فقط من أجل العملة الموحدة، بل من أجل ركن أخر رئيس للمعاهدة هو إقامة سياسة أمنية، دفاعية مشتركة في وقت كانت تغرق فيه قلب أوروبا في أتون حرب أهلية مُدمرة، ورغم نجاحها في إرساء عملة “اليورو” الموحدة إلا أن الركن الأمني المسمى “السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة” والذي ركزت عليه معاهدة لشبونة2007 ومبادرة أكتوبر2010م، لا يزال بعيد المنال.

فالزعماء العرب الذين أطيح بهم في ربيع العام 2011 كانوا ممن وقعوا اتفاقيات مع أوروبا لمحاربة هذه الظاهرة “الإرهاب”، وقد حققوا نجاحات لافتة في هذا المضمار. لماذا إذن لم تفكر فرنسا وبروكسل وبريطانيا وغيرهم في الاستعداد لمثل هذه الظاهرة التي تُشكل اليوم لمُعظم دول الاتحاد الأوروبي مُعضلة حقيقية لها انعكاسات مُخيفة على الساحة الداخلية لها وصعود أحزاب مُتطرفة، خرجت ردة فعلها عكسية.

وقفة:

باغت الربيع العربي الحكومات الغربية على حين غُرّة، بيد أنه كان لها منحاً عالمياً مُحتّماً وصل مفاعليهُ إلى العالم الغربي، وكأن لسان الحال يقول: “أرادوها ربيعاً عربياً، فصارت أُوربية”.

فيديو مقال ربيع العرب.. خريف الأمم

أضف تعليقك هنا