لا تسموا بناتكم “مريم” قبل أن تقرأوا هذا المقال !

البداية كانت عندما سألت مرةً زميلةً لي تُدعى مريم عن معنى اسمها، فقالت إنها لا تحب اسمها لأنها لا تعرف معناه، فأعطيتها وعدًا بأن أبحث لها عن ذلك، فما كان إلا أن لم يرضني شيء مما توصلت إليه من البحث، فعزمت على الاجتهاد لذلك بنفسي ..

معنى اسم “مريم” بلسان عربي مبين

مريم هو الاسم الوحيد من أسماء النساء الذي ذكر في القرآن إشارةً لمريم أُم المسيح عليهما السلام، وأخطأ المفسرون حين ظنوا أنه اسم غير عربي وذلك لأن مريم كانت من بني إسرائيل، وكان بنو إسرائيل يتحدثون إما اللغة العبرية القديمة أو الآرامية، وهما شبيهتان تمامًا بالعربية وتشتركان معها في كلمات كثيرة معنًى ولفظًا مثل كلمة (سلام): في العبرية (شالوم) والآرامية (عسلامه)، و(كلب): في العبرية (كلڤ) والآرامية (كلبتو)، و(ذئب): في العبرية (ذيب) والآرامية (ديبو)، و(حمار) في العبرية (حمور) والآرامية (حمرتو)،

أو يكون اشتراكًا معنًى فقط مثل كلمة (أبيض): في العبرية (لبن) والآرامية (حليب) فهما لفظان عربيان يدلان على اللون الأبيض، ومثل هذا كثير جدا حتى تكاد تظن أن العبرية والآرامية مجرد لهجتين عربيتين، وبهذا فكون (مريم) عبريًا أو آراميًا لا يمنع كونه عربيًا، ويكفي قول الله عن القرآن {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}، فكل كلماته عربية لها أصلها في لسان العرب، وخلاصة ما توصلنا إليه من خلال بحثنا أن مريم يرجع في معناه إلى أصلين من أصول اللسان العربي كما يلي:

أولا: الترييم

وكعادة اللغات السامية والتي منها العبرية والآرامية والعربية لكل كلمة جذر لغوي تنتمي له، فكلمة مَضرب تنتمي للجذر اللغوي (ضرب) أي نبحث في المعجم عنها في مادة (ض ر ب) وكلمة مَعلم في (ع ل م) ومَولد في (و ل د) ومَريم في (ر ي م)، والرَيْم مصدر الفعل رام، يُقال رام بالمكان رَيْمًا أو رَيَّم ترييمًا أي أقام به ودام واستقر وازداد وبرح، ورَيَّمت السحابة أي دام مطرها، ورِيم القِدر ما طفا وازداد من زبده وسمنه، هذه المعاني كلها (الإقامة والدوام والاستقرار والازدياد والبراح) تجمعها كلمة واحدة هي (البَرَكة)، وبهذا فمريم صيغة ظرف للبركة أي مُبارك.

حقًا كانت مريم عليها السلام مُباركةً نذرتها أمها مُحرَّرةً للبيت المُبارك في الأرض المباركة

  • {إذْ قَالَت امْرَأتُ عِمْرَانَ رَبِّ إنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتقبَّلْ مِنِّي}
  • قال نبينا عليه السلام هي سيدة نساء العالمين في الدنيا والآخرة
  • {وإذْ قَالَت المَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ اصَطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصَطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ}
  • كان ابنها عليه السلام مُباركًا تكلم في المهد {قَالَ إنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًا وَجَعَلَنِي مُباركًا أيْنَمَا كُنْتُ}
  • حتى اسم أبيها (عمران) مشتق من التعمير وهو زيادة في العُمر مع الإعمار في الأرض أي أنه كان أيضا رجلا مُباركًا.

فكيف لا تكون مباركة وقد أحاطتها البركة سَلفًا وخَلفًا، فهي المُبارَكة أم المبارك بنت المبارك.

ثانيا: الرأم

وربما كانت الياء مُسَهَّلة من الهَمْز بمعنى أن كلمة (الرَيْم) في الأصل (الرَّأم) أي أن (مَرْيَم) أصلها (مَرْأَم) وأُبدلت الهمزة ياءًا للتسهيل، مثل اسم (رِيم) هو في الأصل (رِئْم) وهو الغزال الأبيض الرشيق الذي لم يُفطَم بعد فلا يزال مُلازمًا أمَّه، وجمعه آرام وأرآم وأريام، مثل قول امرئ القيس في مُعلَّقته:

وجِيدٍ كجِيد الرِّيم ليس بِفاحِشٍ .. إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطَّلِ

  والرأم هو العطف والكفالة والرعاية، رَئِمَت الناقة وَلَدَها أي عطفت عليه ولزمته، والرَأْم هو الغلام الذي تعطف عليه غير أمه، وبالفعل كانت مريم كذلك ولدتها أمها ثم لم يتكفل بها أبوها

  • {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إنِّي وَضَعْتُهَا أنْثَى وَاللهُ أعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإنِّي سَمَيْتُهَا مَرْيَمَ وَإنِّي أعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتقبَّلَهَا رَبُّهَا بَقَبُولٍ حَسَنٍ وَأنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكفَّلَهَا زَكَرِيَّا} وكأن أمها لما وضعتها أنثى سمَّتْها (مريم) أي المكفولة، لتجعلها في كفالة الله إذ لم يكن لها من يتكفل بها من الناس، ولكنها صارت مرأمًا بحق ومَرامًا يَرُومُه الناس ويتمنَوْنَه ويتنافسون رغبةً في كفالتها
  • {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم}.
  • قال نبينا عليه السلام: “ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسته إلا ابن مريم وأمه” فهي محفوظة هي وذُريتها بسبب دعوة أُمِّها، تكفل الله بها فاصطفاها وجعلها آية للعالمين
  • {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}.
  • ولدت المسيح من غير أب فاتهمها الناس وتخلى عنها الجميع، فتكفل الرضيع في مهده بالرد عنها {فَأشَارَتْ إلَيْهِ قَالَ إنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًا وَجَعَلَنِي مُباركًا أيْنَمَا كُنْتُ وَأوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي}

هذه المعاني كلها (الكفالة والعطف والرعاية والملازمة والإيواء والاصطفاء) تجمعها كلمة (الحُظْوة) فهي المَحْظِيَّة أي المُقرَّبة.

لم يكن مريم إلا اسم عربي

فكل ما في الكتاب العربي عربي، ولقد كان العرب يستمعون إلا كلمات القرآن ويتلونها مدركين تمام ما لكل كلمة من معنى ودلالة، فما الحاجة للتسرع في استعارة الدلالات من لسان آخر لا سيما إذ لم يبطئ لسان القوم بأهله، هذا إذا لم نعتبر أن العربية والآرامية إحدى لغات اللسان العربي، وربما كان لنا مقال آخر في العلاقة الوثيقة بين اللغات الثلاث، ولكن الخلاصة من مقالنا هذا أن مريم هي المباركة المحظية المقربة المصطفاة.

فيديو مقال لا تسموا بناتكم “مريم” قبل أن تقرأوا هذا المقال !

أضف تعليقك هنا