مرثية

انشغل بعرس الابن فلم يذهب للحديقة ويري أشجار المانجو ولكنه كان متأكداً أن الثمار قد نضجت، لذلك اتفق مع التاجر أن يمر عليه “الأربعاء” ليفصل الزرع.

ذهب يوم الثلاثاء ليقدر قيمة الثمار بدقة بحيث لا يبخسه التاجر حقه، برغم أنه يتحلى بالأمانة، لكن التاجر بطبعة لئيم والمهم عنده المكسب، وعموماً محدش بيرغم حد، لا على البيع ولا على الشراء، اختلفنا، العربون يعتبره فى جيبه، احنا سمعتنا زي البرلنت، يفصل الزرع بحق ربنا، أهلاً بيه، غير كده التجار على قفا مين يشيل.

قبل أذان المغرب كان يقف على رأس الأرض، الشمس مشتعلة بوهج دموى والسماء صافية، نظر إلى أشجار المانجو النادرة والذي أكلت عمره لكى تصبح ما هي عليه و خلع الجلابية الكشمير وخاض فى الجنينة، زعر، الثمار ساقطة تحت الشجر، ومتراكمة فوق بعضها، والعصارة التى بداخله بدأت تنفجر وتسيل، فى خطوط عميقة ثم تضمر، امتدت يده والتقطت واحدة فتفسخت بين يديه، ونزت العصارة من بين أصابعه.

هلع وتشتت عقله وتنقل تحت الأشجار العملاقة، بقع الشمس المتناثرة من بين أوراق الشجر تضعف، وقدمه تغوص فى ثمار المانجو، والشجر خال من الثمار تماماً. سقطت ورقة جافة ثم تلتها ورقة أخرى، يتحرك فى خطوط الأرض فيجد الشجر كله مفروطا، يسير يتبعه ورق أشجار المانجو الجاف، والظلال تتكاثف، وصمت غريب كأن الحياة خلت “لا عصافير ولا يمام، ولا حشرات تتحرك تحت غطاء الورق الجاف”،

أخذ يحرك رأسه يميناً ويساراً، حتى خرج من الأرض، آسفاً على  الْحَيَاةُ الدُّنْيَا الْغَرُور، الرجل الصلب الذي تقلب فى المحن وقف على تلة فى نهاية الأرض من الناحية الغربية، ينظر إلى الشجر الذى بدأ يتعرى، والظلام الذي يطغى على الكون والصمت المريع وبكى، واضعاً يده على وجهه وعينيه، ومرت حياته فى ومضة، فجفت دموعه ودعك عينيه فتكشف بصره. قام يبحث عن ماء ليشرب ويبحث  فى الخص فلم يجد، كانت القلة مقلوبة خالية من المياه، توقف عن البحث، عندما رأي الناي مغروساً فى حزمة حطب فى سقف الخص، سلته وأخذ يتأمل فيه وسار حتى جلس على التل وراح ينظر إلى الأشجار وينفخ فى الناي الذي يخرج مرتجفا وحزينا حزناً مؤلماً حد القسوة.

فيديو مقال مرثية

أضف تعليقك هنا