مفهوم الحرية في الوعي الصوفي

الحرية عند الصوفية

قد يباغتنا اعتراض منذ البداية يستنكر وضع كلمة “حرية” بجوار  أي سياق صوفي, فيقول بأن الحرية بعيدة من قاموس المفاهيم الصوفية بُعد المشرقين, وإن البحث عنها عند أولئك القوم، هو بحث في فراغ, لكن في نفس تلك الوهلة نرى أن للصوفية مفهوم خاص للحرية يختلف عن مفهوم الحرية الوارد في قاموس المشهورات الفلسفي.

تلك الحرية التي تخلف عن إطار علاقة “ذات بذات أخرى”, إذ الحرية في الوعي الصوفي متصلة بعلاقة “ذات بنفسها”, فعلاقة الذات بالذوات الأخرى علاقة إنسان بفرد, أو إنسان بمجتمع, أو إنسان بأشياء, أما الحرية في الوعي الصوفي فهي قائمة على علاقة الذات بنفسها, داخل الإطار الجواني للإنسان.

وإذا كان الأنسان هو الكائن الوحيد الذي يشعر بحريته, فإن الصوفي يدعم هذه المسلمة من خلال الطرق التي يتخذها لما يسميه (التخلية), وهي تطهير الذات من الداخل, ثم يعقبها (التحلية) وهو تزيين الذات بالجميل من كل الصفات وأعمال البر.

إن الصوفي يرى أن شهوات النفس التي تقبع بين جنبيه ومتطلباتها الملحة؛ هي التي ترغمه على تلبية رغباتها ونزواتها من حين لآخر, ومن ثم؛ فهو يرى أن التخلص من تلك الشهوات والنزوات , هو انعتاق وتخلص من عبوديتها, فيجاهد نفسه هواها حتى تصبح مطواعة لكينونته الواعية.

الصوفي الحق هو من يملك إرادته

, لا من تملكه إرادته, وتلك هي الحرية بمعناها الصوفي, أن يتخلص المرء من شهواته وملذاته, والزهد مظهر من مظاهر هذا التخلص والانعتاق, وعندما سئل أحد المتصوفة : «ماذا تريد؟» قال: «أريد ألا أريد», أي أنه يريد أن ينفك من تلك الإرادة التي طالما ترغمه على أن تلتقم رغباتها.

ومقامات التصوف معبرة أشد تعبير عن درجات هذا الانعتاق؛ فمقام “الصبر” الذي يليه مقام “الرضا”, فإذا بلغ الصوفي ذلك المقام, فإذا كان الصبر هو تمرين للنفس كي تتغلى عن نوازعها مع شيء من المجاهدة والرياضة؛ فإن والرضا حالة يصل فيها الصوفي عدم الرغبة في ملبيات تلك النوازع, فيصبح راضيا بما يملكه وبما لا يملكه أيضا, فيضحى الصوفي وقد “استوى عنده المدح والذم, أو العطاء والمنع, أو الغنى والفقر”.

السعادة لدى الصوفية

«فالسعادة كلها ان يملك الرجل نفسه, والشقاوة كلها أن تملكه نفسه»؛ هكذا يرى الغزالي, أبو حامد, أن ينظر إلى أن التخلص من مكبلات النفس أنها السعادة, وأن شقاوة المرء أن يقع في سجن النفس وأهوائها, فالحرية بهذا المعنى هي حرية من داخل الذات أولا, ثم تنطلق بعد ذلك لتزهد في العالم الخارجي ثانيا. وبالتالي؛ فإذا كانت الحرية في شيء من معناها أن يكون بإمكانك أن تملك خيارين مثلا, فإن الصوفي يرى أن الحرية هي ألا يكون لديك رغبة في أي منهما.

فيديو مقال مفهوم الحرية في الوعي الصوفي

أضف تعليقك هنا