هل مازال الذهب ملاذا آمنا؟

في عالمنا المتسارع الفوار تطالعك صرعات تجارية وآراء إقتصادية تكاد تقلب رأسا على عقب ما الفته وعرفته وتوارثته الأجيال من قبلك عن أسس التجارة وطرق حفظ المال وتنميته الى آخر ما في تلك الثوابت , وحديثا برزت بعض الآراء من نجوم في عالم المال ينعون فيها موقع الذهب كملاذ آمن على مر القرون السابقة ويحيلون الواقع لأسواق الأسهم والسندات كونها ملاذا أأمن من الذهب في نظرهم, فهل هذا صحيح؟ ولماذا؟.

ماهو الملاذ الآمن والملجأ؟

دعنا في البدء نحاول ان نعرف ماهو الملاذ الآمن؟ ماذا تعنيه هذه العبارة اصلا؟, لغويا فإن الملاذ هو الملجأ والحصن وهو ايضا مجمع اللذات والآمن هو البعيد عن الأخطار والموثوق للسلامة وهو ايضا منبع الأمان والإيمان, اما تجاريا فدعنا نقول ان الملاذ الآمن هو المستودع الثابت للقيمة, والامر هنا يختلف عن الإستثمار او الربحية والمتاجرة, فلماذا كسب الذهب منذ عصور مركزه كملاذ آمن؟ ولماذا يعتقد البعض انه خسر هذه المكانه؟ ولصالح من او ماذا؟

التجارة البكماء

كلنا يعلم ان التبادل التجاري بدأ بما يسمى التجارة البكماء ثم تبادل سلع بسلع وبدأ الانتشار ثم اكتشف اجداد الإنسانية القدماء الذهب  ولما يتصف به الذهب من خاصيتين إعتمدوه كوسيط للتبادل التجاري كونه مقبولا من الجميع  والخاصيتين الذين يتمتع بهما الذهب -وهما جوهر كل قيمة- هما الندرة والثبات  فكمية الذهب في كل العصور هي اقل كثيرا مما نتخيل وفي عصرنا الحالي يقال ان كل الذهب الموجود في العالم يكفي فقط لملئ مساحة ثلاث مسابح اولمبية اوبما يساوي مكعبا اطواله 20 مترا ولا يتجاوز ارتفاعه 9 امتار

وبحسب تومسون رويترز فإن اطنان الذهب الموجودة حاليا لا تتجاوز ال171 الف طن من الذهب وتملك كل البنوك المركزية في العالم مجتمعة ما يتجاوز بقليل ال30 الف طن, منها 8 آلاف طن تملكها الولايات المتحدة الأمريكية, هذا من ناحية الندرة كأحد خصائص الذهب وكأحد جوهريات القيمة, اما الخاصية الثانية وهي الثبات فمن المعروف ان الذهب كمعدن او فلز ينتمي لمجموعة الفلزات النبيلة وهو انبل الفلزات النبيلة كونه لا يصدأ ولا يتآكل ولا يتأثر بأي مركبات حمضية بإستثناء الماء الملكي, وهو بذلك فلز خامل كيميائيا -وما اعجب ان يكون الخمول هو ضامن الحركة- وبذلك فإن الثقة في الذهب تكمن في صفاته الجوهرية التي تنبع من ذاته اي ان قيمته فيه هو وليست فيمن يمثله او ما يمثله.

من أخذ مكان الذهب؟

بعض النظريات المستحدثة تقول ان هناك ملاذات أخرى نالت مكان الذهب مثل الين والسندات اليابانية او مثل الفرنك السويسري لانها ملجأ سريع وحديث للمستثمرين حين تتعثر اسواق المال او يصيبها الركود او الهبوط او غير ذلك, وتظل هذه الاوراق التجارية محتفظة بقيمتها وتجني ارباحا في حين ان الذهب لا يقوم بهذا الدور, وكذلك فإن الذهب سبق وان وصل لقرابة الالفين دولار للأونصه ثم تراجع بما يقارب ال40% وهو قول حسابيا صحيح ويمكن ان يكون مقبولا لو اكتفينا بالنظرة الإستثمارية فقط.

لكني اعتقد –ولك مطلق الحرية في الا توافق- ان اساس اداء الأعمال هو الثقة في القيمة المقدمة واساس كل قيمة ينبع من الثقة في مقدمها, تماما كما هو جوهر كل ورقة مالية او تجارية هي في الثقة في مصدرها, ولنحسب من هنا حسابا فجوهر العملة هو الثقة في مصدرها ولو تزعزعت هذه الثقة لتزعزعت على الفور الثقة في الورقة المالية او التجارية وهذا ما نلحظه بوضوح في اي مكان في العالم.

قيمة الذهب ثابتة

وبذلك فإن قيمة الين الياباني او السندات وقيمة الفرنك السويسري هي في الثقة في الحكومة والنظام هنا وهناك وبالتالي فإن قيمة أي منهما هي قيمة ما ومن يمثلهما , أما الذهب فإن قيمته في ذاته, وهو لا يمثل احدا بل يمثل نفسه بخصائصه من ندرة وثبات وهو غير مرتبط بأي عوامل يمكن ان تزعزع من الثقه فيه, وصحيح انه لا ينمو بأرباح لمن يحوزه وقد يكلف المال لمجرد حفظه وحراسته لكن المنطق هنا منطق الملاذ الآمن كما عرفناه سابقا كمستودع ثابت للقيمة, ولو انك ورثت اونصه من الذهب من اي من اجدادك لكانت لها قيمة فورية في الاسواق بعكس ان ترث اي اوراق مالية او تجارية اخرى قد لا يهتم بها إلا جامعوا التحف ومديروا المتاحف.

فيديو مقال هل مازال الذهب ملاذا آمنا؟

 

أضف تعليقك هنا