إحتفظ بالمال وتخلص من النقود

الفرق بين المال والنقود

ان كنت تملكها او لاتملكها فلن يضيرك ان تعرف ان هناك فرقا بين الاموال والنقود, وميل الإنسان الفطري للتبسيط يدخل اسماء متعددة لمفهوم واحد والعكس ايضا, ولو تدبرت قليلا لن يعجزك ان تعرف ان المال لفظ اعم واشمل من النقود فهو يشمل الممتلكات جميعا من عقار ومعادن ..الخ بما يشمل النقود, اما النقود فهي محصورة بعملات البنكنوت التي تصدرها البنوك المركزية في الدول “ولن احدثك في هذا المقال عن العملات الرقمية”. والنقود بحسب اكثر التعاريف تعميما هي اي شئ مقبول قبولا عاما كوسيلة دفع للحصول على السلع والخدمات, وعليه فإن الاوراق التي تحملها في جيبك من ذوات الفئات هي لا شئ حقيقة سوى سمات والوان على اوراق لها اعداد وتكتسب قيمتها من قيمة مصدرها ومن قبول العامة لها, وقد حدثتك في مقال سابق عن الثقة وجوهر القيمة.

فكرة اقتصادية

ذات يوم من بدايات القرن الثامن عشر لاحظ إقتصادي إنجليزي اسمه “جون لو” الأسلوب الذي تتبعه المصارف  في كل من هامبورغ وجنوه والبندقية وامستردام على الأخص, وقد شغف بموضوع الإئتمان المعمول به بخدعه مؤداها ان المصارف كانت تصدر 10 جلودنات بغطاء جولدن واحد ولأن العامة لا يعرفون فإنهم قبلوا الجولدنات”عملة امستردام”  -لاحظ ان الاسم مشتق من الجولد وهو الذهب- وهذا بدوره ساهم في الانتاج والنشاط الإقتصادي, وبتشجيع المواطنين على إيداع مدخراتهم من العملات الذهبية في المصارف مقابل ارباح دورية كان الجميع رابحا بلا إشكال يذكر.

حمل السيد” لو” هذه الفكرة “المجنونة” وعرضها على الملك الشمس “لويس الرابع عشر” في باريس وقد رفضها الملك, ولكنه مات بعدها بفترة قصيرة ليعود بعد عام ويعرض ذات الفكرة على الوصي على العرش “دوق اورليان” الذي قبلها تفاديا لإفلاس فرنسا الوشيك في ذلك الوقت, وكثيرا ما تفرض الظروف على الرجال خياراتهم كما ان المشكلات هي التي تفرض نفسها, وتم الأمر وأسس تقريبا اول بنك مركزي يتولى هذه العملية, وتماما كما ان فكرتك الجيدة المثمرة للنفع العام ستصادرها منك الدولة وبئر النفط القابعة في فنائك هي ملك للدولة, تولت الدولة مسألة طباعة العملات مقرونة إسما بالذهب وانطلقت عجلة الإنتاج وازدهر الإقتصاد ووجدت فرص العمل والنمو, ورغم ان المشروع صاحبته انتكاسات وفشل كما في ازمة شركة المسيسبي في ذلك الوقت او الازمات عبر العقود التالية لذلك, إلا ان ذات الفكرة ببعض تنقيحات وتعديلات هناك وهناك إستمرت إلى يوم الناس هذا, بل وبلغت الجسارة ان اعلن رسميا عن فك ارتباط العملات بالذهب وهذا ما ادى ويؤدي لإنخفاض قيمة كل العملات بلا إستثناء وبشكل مستمر يختلف فقط في المقدار والمدة الزمنية, ويكفيك ان تعرف ان الدولار وحده قد إنخفض اكثر من اربعين مرة منذ العام 1973م.

كذبة النقود

وقد تسأل نفسك إذا كان الامر كذلك فماهو ذا الذي يقبع في جيبي او ذا الذي استلمه آخر كل شهر وأسعى ويسعى الناس جميعا لتحصيله, حسنا! انه لا شئ ياعزيزي, انه حقيقة غير موجود! إن قيمته تكمن فقط في انه موثوق لدى الآخرين لكي يقدموا لك سلعا وخدمات في مقابله, ولو توافق الناس غدا على إعتماد اوراق الكوتشينة كبديل لسقطت كل العملات, وعلى قدر إستحالة وجنون الفكرة على قدر ماهي الحقيقة المجردة, واسأل اي خبير وسيجيبك, ان الارجح حينها ان تستولي الحكومات على طباعة اوراق الكوتشينة وتمنع سواها, ان النقود هي اكاذيب لم تكتشف تملأ جيوبنا وفي اللحظة التي تستبدل فيها وجودها الفيزيائي ولو بكوب عصير تكون قد نجوت من ان تنكشف الخدعه وهي مازالت قابعة في جيبك, ولو منحتها مقابل عقار او معدن فانت حفظت قيمة ما تملك ونجوت من وهم يملكك.

ولذلك تجدني مقتنعا برأي الأزهر الشريف في مسألة الربا واستحاله انطباقه على الاوراق النقدية ذلك الرأي الذي بناه فقهاء الأزهر إستنادا على القاعدة الفقهية في المذاهب الاربعه التي تقول “لا ربا في الفلوس ولو راجت رواج النقدين”, ان قيمة ما تحوزه او سوف تحوزه من نقود -لانك لم ولن تملكها- هو في عديد الخيارات التي يمنحها لك حيازة النقد وهذا هو جوهر قيمة النقد عند حائزه او عند الساعي لحيازته, فبه يمكنك ان تغطي احتياجاتك وتلبي رغباتك والآخرين مثلك ايضا وهكذا إلى ان تجئ لحظة تنكشف فيها حقائق وتهتز فيها مواقف وتنهار فيها ثوابت متوهمة ويكون حائز النقد في تلك اللحظة هو الخاسر الأكبر.

ان الإضرابات الإقتصادية التي حصلت وستحصل مجددا هي عبارة عن صفارات تحذير عن فجوات تنكشف وتبين اننا نعيش في خديعة كبرى اوجدناها وتسلينا بها وكما هي التسلية لدى الصغار والتبسيط لدى الكبار لا نمانع في تكرارها مرة بعد مرة. إن تداول النقود مشابه للعبة الكراسي فاحرص الا تسمع صفارة الانذار ثم لا تجد لك مقعدا, ولا تنخدع بأن عملة الدولة الفلانية اضمن وعملة البلد الفلاني اضعف , فإن ما تعتبر انه الاضمن ربما يصدمك, ودعني اقولها لك صريحة محددة اني اتوقع قريبا هزة كبيرة في العملة الامريكية تتبعها ردات سالبة على الاقتصاد العالمي, وتذكر ان جون كونالي وزير الخزانة الامريكي في عام 1971م كان قد قال لنظرائه الأوربيين “ان الدولار عملتنا لكنه مشكلتكم”..

فيديو مقال إحتفظ بالمال وتخلص من النقود

أضف تعليقك هنا