الإسلام هو الحل..!

على سبيل التقديم..

في مارس 1990 لخص تقرير مقدم من “البيت الأبيض” -في صيغة طلب لزيادة المخصصات من الموازنة للبنتاجون- إلى الكونجرس، “استراتيجية الأمن القومي” بعد الحرب الباردة؛ حيث ذكر التقرير أنه: “..في عصر جديد نتوقع أن تبقى قوتنا العسكرية دعامة أساسية للتوازن الكوني، ولكن بدرجة أقل من الظهور وبوسائل مختلفة، ونحن نرى أن متطلبات استخدام قواتنا العسكرية الأكثر احتمالاً قد لا تشمل الإتحاد السوفيييتي وقد تكون في العالم الثالث حيث يتطلب الأمر قدرات وسبلاً جديدة.. وبشكل خاص منطقة الشرق الأوسط بسبب اعتماد العالم الحر على إمدادات الطاقة من تلك المنطقة المحورية ..”.

وظلت وزارة الخارجية الأميركية تصف الشرق الأوسط بأنه “مصدر هائل للقوة الإستراتيجية، وإحدى الهبات المادية الكبيرة في تاريخ العالم” .. وربما “أثرى هبة في العالم في مجال الاستثمار الخارجي”. ويقول عنها الرئيس الأميريكي، “دوايت أيزنهاور”، أنها “المناطق الأكثر أهمية من الناحية الاستراتجية في العالم”. وعَلّق أحد الساسة الأميريكيين، في العام 1947، قائلاً: “كانت أهمية شرقي المتوسط والشرق الأوسط للسياسة الأميركية فوق أي جدال، المصالح الاقتصادية والاستراتيجية كانت تطغى على حسابات السياسة الأميركية، سواء تركيا، إيران، السعودية، فلسطين، أو لبنان.”

ويشير “روچيه جارودي”، الكاتب والفيلسوف الفرنسي، أن الخليج العربي الآن هو -عملياً- أبعد نقطة في حدود الامبراطورية، أو بتعبير أدق – هو “النقطة الحساسة” أو “تخوم النطاق الامبراطوري” وفقاً للتعبير الروماني.. ولهذا كانت إسرائيل كما قال عنها “ثيودور هرتزل” عرّاب “المنظمة الصهيونية” ومؤسسها: “..استحكام محصن أمامي للحضارة الغربية ضد بربرية الشرق.”

ولم يكن الانشغال الأميركي قاصراً على جنوبي أوروبا، إنما امتد لشبه القارة الهندية؛ حيث كانت “هيمنة .. الاتحاد السوفييتي التي ستجعلنا ندفع ثمن الشرق الأوسط كله.”، كما حذر “دوايت أيزنهاور” عام 1954. وهو ما يتوافق تماماً مع استراتيچية الأمن القومي، التي وضعتها وثيقة “مونرو” 1823م، ليشمل نطاقها نصف الكرة الأرضية الغربي والشرق الأوسط.

وقد أشار “شيمون بيريز” أحد أمراء اليسار الإسرائيلي، أيضاً، وتعليقاً على “مُركَّب التوازن” بين إسرائيل وجيرانها؛ أنه: “لا تزال هناك مصالح دولية كبيرة الوزن تلعب دوراً أساسياً في استقرار المنطقة ولن تتوافر لإسرائيل ولا لأعدائها الفرصة لتقويض هذه المصالح، وقد تبدت حرب الخليج الأولى 1991. لأنظار أي خبير مراقب، باعتبارها التوكيد الأخير لهذه الحقيقة التي لا فكاك منها..”.

معطيات تاريخية..!

في مايو 1933 حصلت شركة “ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا” -شركة شيفرون فيما بعد- على الحق في التنقيب عن النفط في المناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية ، لمدة 60 عام ، من الملك عبد العزيز آل سعود ومستشاره “جورج فيليبي” . وبدأت شركة في استخراج النفط عام 1938 .

وبعد فترة قصيرة تشكلت شركة “أرامكو” بين ؛ الملك ، وثلاث شركات أخري وهي : شركة “تكساسكو” ، وشركة “ستاندرد أويل كومباني أوف نيوجيرسي” – شركة اكسون فيما بعد – وشركة “سوكوني فاكيون” – شركة موبيل فيما بعد . ووُصِفَت “أرامكو” أنها “الكونسورتيوم الأكبر والأغنى في تاريخ التجارة .”. وتم تأميمها لاحقاً بمرسوم ملكي في السبعينيات .

وفي فبراير 1943 ؛ صرح “فرانكلين روزفلت” ، الرئيس الأميركي آنذاك ، في رسالة لوكيل وزارة الخارجية ؛ أنني بذلك أجد الدفاع عن المملكة العربية السعودية أمر حيوي في الدفاع عن الولايات المتحدة الأميريكية . وفي العام 1945 توجه إلى الشرق وأجرى مقابلة مع العاهل السعودي “عبد العزيز آل سعود” على متن أحد السفن الحربية . وبالنسبة للولايات المتحدة كانت تلك المقابلة بداية إرتباطها سياسياً وعسكرياً بالمنطقة . وأصبحت المملكة الدعامة الأولي والأساسية للإمبراطورية الأميريكية في الشرق الأوسط .

وفي 1948 عقدت واشنطن مع لندن اتفاق غير رسمي لاستخدام تسهيلات الرسو في القاعدة البريطانية البحرية في المنامة أكبر كستعمرات بريطانيا من الجزر الثلاثة والثلاثين . لكن في 1971 نالت البحرين ـ وسارعت واشنطن لإنجاز اتفاقية تنفيذية لعقد تسهيلات للرسو مقابل 4 مليون دولار سنوياً ـ وكذا نالت قطر استقلالهما . وفي ديسمبر 1971 ولدت الإمارات الاربعة العربية المتحدة ؛ وفي 1977 نالت عمان استقلالها .

لكن ، “لم تحاول واشنطن أن تطلب بإقامة قواعد أميريكية من أي منها إلى أن قدمت حرب الخليج فرصة رائعة لها .”

أما عن الدعامة الثانية ؛ وفيما بين عامي (1953 و1979) ، كانت إيران ثاني أكبر مصدري النفط الخام آنذاك وثالث أكبر إحتياطي في العالم . فقد أقام البريطانيين عَام 1908 أكبر مصفاة للنفط في إيران . وفي الثلاثينيات ؛ أمدت الشركة الأنجلو ـ فارسية الخزانة البريطانية بـ 24 مليون جنيه على شكل ضرائب ، و92 مليون من العملات الأجنبية ؛ وبعد العام 1935 أصبحت الشركة تعرف باسم الأنجلوـ إيرانية ؛ ولم تكن لدى بريطانيا أي نية لقبول تأميم تلك الشركة .

لكن وفي ظل حكومة “محمد مصدق” ذي الميول “القومية”، ضلع البريطانييون 1953 بالتعاون مع إدارة “أيزنهاور” في الإطاحة بحكومة “مصدق” ، التي أرادت الحصول على نصيب عادل من عوائد النفط . وقامت وكالة الإستخبارات المركزية الأميريكية بإعادة تعريف الأزمة الأنجلوـإيرانية على أنها : “..مسألة تتصل بمقاومة “العالم الحر” لخطر الشيوعية في الشرق الأوسط .”. ونَظّمت ، بتوجيهات إلى الضباط الإيرانيين ، انقلاب أعادت به الشاه “محمد رضا بهلوي” الذي أطيح به من قبل حكومة “مصدق” وكان هارباً في إيطاليا . فقد كان “بهلوي” يرى أن النفوذ الأنجلوـأميريكي هو الموازن للنفوذ السوفييتي -وحزبه الشيوعي :”تودة”- في شمال إيران .

وبالإنقلاب على “مصدق” تم منح امتيازات لكونستورتيوم -تجمع مالي واقتصادي – من أكبر شركات النفط الغربية . وفيه حصلت شركة النفط الأنجلوـإيرانية ، والتي ستصبح (بريتيش بتروليوم) ، علي 40% من الأسهم . ونالت شركة “رويال داتش شل” حليفتها 14% ، ونالت مجموعة من الشركات الأميريكية 40% مكافأة الإشتراك ؛ ونالت بعض الشركات الفرنسية المملوكة للدولة نسبة 6% .

وفي أكتوبر ١٩٧٩ ؛ كانت إدارة كارتر قد بلورت ما يسمى “بقوات التدخل السريع ” لحماية المصالح الأميريكية في الخليج . وكانت قيادتها في قاعدة ماكديل الجوية في “فلوريدا” . وفي يوم 23 يناير 1980 وقبيل انتهاء مدة رئاسة كارتر أعلن الرئيس مبدأ -سمي مبدا كارتر – يتلخص في أن :
“أية محاولات من أية قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر اعتداء على مصالح الولايات المتحدة الأميريكية . وسوف يتم صد مثل هذا العدوان بالوسائل الضرورية بما فيها القوة العسكرية . وشرعت إدارة كارتر في البحث عن بديل لدعامة إيران بعد الثورة 1979 .

الكلاسيكو ..!

بدأت الحرب الباردة (١٩٤٥-١٩٩١) من عدة نواحي في الشرق الأوسط، حيث ادعى “هاري ترومان” مسؤولية الولايات المتحدة عن اليونان وتركيا، وفي شمال آسيا أذربيجان وشمال إيران والهند وفلسطين لتحل محل المسؤولية البريطانية التي انسحبت جميعها حتى العام ١٩٤٧؛ لأن الفراغ البريطاني قد يكون مغري للشيوعية.

وفي ذلك الوقت، وإن كانت الولايات المتحدة لم تعتمد بعد على نفط الخليج غالباً للوفاء بحاجاتها أو التحكم في أسعار النفط، حيث كانت تعتمد على فنزويلا وتكساس ولويزيانا وأوكلاهوما، كانت أوروبا واليابان تحتاجان الشرق الأوسط بشدة لتوفير حاجاتها اليومية من المحروقات، وبالتالي يجب توفير الطاقة للحلفاء الأوروبيين.

وفي مطلع الخمسينيات لم يكن العدو الوحيد هو “شيوعية موسكو”؛ بل أيضاً، “القوميين الجدد” أمثال “جمال عبد الناصر” و”محمد مصدق” في إيران وفي الستينيات وبرغم جهودها لاحتواء القوميين اليساريين والاشتراكيين العرب، انتشرت تلك الاتجاهات في مصر والجزائر إلى سوريا والعراق وفلسطين.

فكما أشار “سكوت هيبارد”، ووفقاً لبرنامج “الإصلاح الاجتماعي” الذي تبناه “عبد الناصر”، لم تكن الاشتراكية العربية تنتوي تكرار النظام السوفييتي بما فيه من “عداء للدين”؛ بل كانت تنظر إلى أقلمته وتكييفه..

وقد كانت “القومية العربية” هي الخاصية التي ميزت عصر “عبد الناصر”، حيث كانت عبارة عن “مُعتقد” بأن الشعوب العربية ـ المٌعرفة :”باللغة والتاريخ والثقافة” ـ هم عبارة عن “أمة واحدة” وعليها تكون موحدة سياسياً، وبالتالي، كان هذا عنصراً مهماً في تشكيل هوية عربية شمولية لا تعتمد على “الإنتماء الديني”، بل كانت إيديولوجية.. سعت عن عمد، نحو ضم المسيحيين العرب بنفس قدر ضمها للمسلمين؛ وتحمل شعوراً مناهضاً للامبريالية الأوروبية.

ولتطبيق ما سبق على أرض الواقع، وصف الكاتب عملية احتواء المؤسسة الدينية، بتضمينها في وزارات ومؤسسات الدولة (الأزهر وعلماء الدين والأوقاف)، بعملية “تأميم الإسلام”؛ فقد كان النظام يحاول طرح رؤية عصرية للتنمية بمناشدة مبهمة لـ”التقليد”. وكانت عملية غرس جذور الإسلام العصري ـ إسلام يتفق مع الأعراف الليبرالية والتحول الاجتماعي ـ مع إخماد التفسيرات الأكثر راديكالية، التي يناشدها التيار المحافظ ـ المتمثل في الإيدولوجيات التي انبثقت عن نظريات “رشيد رضا” وتلميذه “حسن البنا”، إضافة إلى المملكة العربية السعودية التي نظر “عبد الناصر” إليها على أنها معقل لـ”الفكر المحافظ” الذي يعمل على طول الخط وبنشاط ضد مصالحه.

“الإسلام السياسي”

وبالتالي، فقد شعرت المملكة العربية السعودية بانزعاج شديد من لهجة الخطاب الشعبي والسياسات الثورية لنظام الحكم المصري، فقد عارضت “القومية العربية” شرعية الأسرة المالكة، على نحو مباشر؛ ومن ثُم كأن على المملكة التأسيس لتحالف مع الأيديولوجية الوحيدة المتوافقة معها، “الإسلام السياسي”، لإرساء ما يدعي بـ”الكتلة الإسلامية” من شمال أفريقيا إلى باكستان إلى أفغانستان.

وكرّست لتعبئة اليمين الديني المتطرف – السلفي الوهابي وإخوان البنّا وما انبثق عنهم – حيث روّج النشطاء -وأبرزهم “سعيد رمضان” صهر “حسن البنّا” – بتمويل من السعودية لـ”المركز الإسلامي” في جينيف 1961، و”رابطة العالم الإسلامي” 1962 ، و”منظمة المؤتمر الإسلامي” 1969، ومنظمات أخرى شكلت جوهر “الحركة الإسلامية العالمية”. وأصبحت المملكة العربية السعودية الدعامة الأولى للسياسة الأميريكية في الشرق الأوسط.

ويؤكد “روبرت دريفوس”، الكاتب والصحفي الأميريكي، أنه، وعلى نطاق واسع نجد أن الولايات المتحدة وعلى مدى سنوات طويلة، حاولت إقامة حاجز ضد الشيوعية السوفييتية من ناحية حدودها الجنوبية؛ وبما أن جميع الدول ما بين اليونان والصين كانت إسلامية فقد أدى ذلك إلى ظهور فكرة أخرى هي أن: “.. الإسلام ذاته قد يسود على استراتيجية “خط ماجينو Ligne Maginot” الفاصل بين فرنسا وألمانيا منذ الحرب العالمية الأولي.

ولم تكن تلعب ببطاقة الإسلام على أنه ديانة أو منظومة من القيم والتقاليد والمعتقدات، بل ببطاقة التشدد الإسلامي، وتلك هي الإيديولوجية المتحولة التي شجعتها الولايات المتحدة الأميريكية ودعمتها وكرّست لها، لتكون شريكاً مربحاً ومريحاً لها خلال فترات المشروع الإمبراطوري الأميريكية في الشرق الأوسط منذ دخولها المبكر.. وحتى الحرب على أفغانستان ٢٠٠١ وغزو العراق ٢٠٠٣.

لكن جهل الولايات المتحدة بالتيارات الدينية في إيران دفع المسؤولين الأميريكيين إلى أن يعتقدوا إلى أن آية الله الخميني -زعيم الثورة الإيرانية ١٩٧٩- شخصية مسالمة. بل، وأيّد المحافظون، من أمثال “بيل كايسي”، في وكالة الاستخبارات المركزية في الثمانينيات عقد صفقة سرية مع آية الله الخميني في إيران.

ورغم ذلك، لم تتوجس الولايات المتحدة حين قدمت إسرائيل والأردن الدعم سراً للإخوان المسلمين في الحرب الأهلية السورية في الثمانينيّات. وساعدت إسرائيل في تشجيع انتشار الأصولية الإسلامية بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لتصفية القضية الفلسطينية كـ”قضية قومية”. مما ساعد على تشكيل حركة حماس ١٩٨٧.

وهو أكدته أيضاً كتابات “ديفيد سبيت” المراسل السابق لـ”نيويورك تايمز”: أن الحاكم العسكري لقطاع غزة، الجنرال “إسحاق سيجيف” تباهي بإعلان أن إسرائيل مولت الحركة الإسلامية لتكون ضد منظمة التحرير الفلسطينية والشيوعيين؛ ويقول “سيجيف”: “كانت اسرائيل تنظر إلى المتشددين الإسلاميين على أنهم مفيدين لها من الناحية السياسية..” نظراً لما بينهم وبين المؤيدين العلمانيين لمنظمة التحرير الفلسطينية نزاعات واختلافات وعنف بين الجماعتين ينشب من وقت لآخر في جامعات الضفة الغربية.

والخلاصة..

كما قال “دريفوس”؛ لقد ثبت أن الخيال الرومانسي عند الأميريكيين عن حياة العرب والكراهية المغلفة بالعنصرية والدين لما افترضوه عن العرب من عدم تدين هو خليط قاتل.

ووفقاً للوصف الموجز من “كاميرون مانتر”، السفير الأميركي السابق لدى باكستان؛ مشير اً إلى النزاع المتصاعد -الآن- بين الحكومة الباكستانية وطالبان باكستان الذي وصل به التأجج إلى استهداف انتحاري لمقر وكالة الاستخبارات الباكستانية في مدينة “معسكر حمزة”؛ حين قال: “أنك إذا ربيت أفاعي في باحتك الخلفية، فسوف تُلدغ”

وقد أوضح “أرنست بيفن” -وزير الخارجية البريطانية الأسبق- الأمر برمته ، في عبارتين متراميتين الأطراف، حين أعلن عن ضجره في مناقشة مغلقة عقب الحرب العالمية الثانية وَقَالَ أن:
الولايات المتحدة.. “تمارس” القوة بدون إحساس بأدنى ذنب.. متجاهلة عن قصد “دوائر التأثير التقليدية”.

مصادر

  • تشالمرز چونسون ..أحزان الإمبراطورية ..
  • سكوت هيبارد .. السياسة الدينية والدولة العلمانية ..
  • شيمون بيريز ..الشرق الأوسط الكبير .
  • روبرت دريفوس ..لعبة الشيطان ..
  • روچيه جارودي ..الولايات المتحدة الأميريكية، طليعة الانحطاط ..
  • ويليام داريمبل ..المثلث الدامي، أفغانستان وباكستان والهند ..
  • نعوم تشومسكي ..أوهام الشرق الأوسط ..

فيديو مقال الإسلام هو الحل..! 

أضف تعليقك هنا