السادومازوشية في الحب

السادية والمازوشية

يؤكّد عالم النفس و الاجتماع “سيجموند فرويد” أن السادية والمازوشية نظريات فلسفية تندرج تحت إطار العلوم النفسية، ولا تتعلق فقط بالتعذيب الجسدي للحصول على اللذة المبتغاة -كما هو شائع- بل تتعادها الى أكثر من ذلك، فيغدو الإنسان متلذِّذاً في الحصول على الألم النفسي الناجم عن البعد والوجد الذي يشقُّ القلب.
ينطلق الحديثُ هنا من مصطلحين منفصلين”السادية والمازوشية” ندمجهما، ثم نقلب العملةَ على وجهها الآخر لنرى الفكرة المغايرة -التي ستوضحها المقالة- لما هو شائعٌ عن السادية والمازوشية التي تلخصها عبارة مجتمعية فلسفية مفادها:
“إنَّ الزواج الناجح هو ذلك الذي يحدث بين رجل سادي وامرأة مازوشية”
وليست المقالة بصدد تحليل العادات الاجتماعية أو الإنطباعات النفسية التي تمخّضت عنها هذه العبارة، ولكنها تُعنى بمرتكزٍ واحدٍ وهو “السادومازوشية في الحب”، وبما أن في المصطلحين ألم، وقمنا بوصلهما بمصطلح الحب، فهل في ألم الحبِّ لذه؟!

لذة  ألم الحب

نعم، في ألمِ الحبٍّ لذّة، وشاهدُ ذلك قصةٌ من تاريخ الأدبِ العربي لجميل بثينة، أحد مجانين العشق الذي هامَ على وجهه في البراري لمّا شقّ عشقُ بثينةَ قلبه، وفي القصّة ما يوضِّح أن العشيقين كان بإمكانهما الفرار، اذن ما الذي يمنع القلبينِ المتحابّين اللذين أنهكهما الظمأ من اللقيا المُشتهاة؟! وما الذي يجعلُ نزار قباني يحتاج فقط لامرأةٍ تجعلهُ يحزن؟!
هنا تتجلّى الإجابة “السادومازوشية”، بين التلذذ في تعذيب النفس والتلذذ في تعذيب الآخر، بين التلذذ في الآلام والتشبثُ بألسنة اللهب التي تكوي القلوب، والدماءُ التي تكاد تنضحُ من العروق ، ودقّات القلب التي تنتنفضُ متمرِّدةً على الجسدِ عند الفراق.
يتشبثُ العاشقونَ على مدار التاريخ بالعذاب المشتهى، وكأنه داءٌ ودواء، يشتعلُ المحبوب بمازوشيّته، ويتذوّق آثارَ ساديّته في عيني معشوقَتِه، التي تنقلبُ لديها الموازينَ هي الأخرى، فتتخِّذ من الشعارِ الذي يقول” يتمنّعن وهنّ راغبات” رايةً تتجسّد فيها ساديّة المرأة المتعالية المتمرِّدة، ومازوشيّتها المتمثلة في كبحِ لجامِ رغباتها عن الوصالِ المرغوب الذي يصبُّ في فؤادِها صبابةَ العشق، فتصبح هائمةً على قلبها فلا تدرِ كيف تخفِّف من ثورة هذه المضغة في يسارِ صدرها.

وبعكسِ الرجل الذي يصيبه الجنونُ العقلي، يصيب المرأة جنونٌ قلبي، فيصبحُ القلبُ في هذه الحالةِ مراهقاً، فبعدَ نضجِ المشاعر، واشتعالها، تصبحُ متطلباتُ القلبِ أكثر وتطلعاتهُ أسمى، وأجنحةُ الأحلامِ أطول، فإذا ما سُلِبت الحبّ الذي أنضجَ مشاعرها تنطفئ فيها فجأة ركازةُ المشاعر السابقة ، وتصبُّ نقمتها على قلبها، فتقدِّمه لعابري سبيلٍ كُثر، بحالةٍ اعتباطيّةٍ وهمية، رغبةً منها في ملءِ المشاعرِ المفقودة بكثرةِ الراغبين في الوصال.

تتكرّر “السادومازوشية” في حياتنا

وتتكرّر “السادومازوشية” من جديد، فتسلِّمَ مشاعرها لأي عابرِ سبيل، ولا تسلِّمهُ لعابِر قلبِها، فينهكُ الاثنانِ، ويصبحُ الفؤادُ فارغا ، بين صاحِبتهِ المصابة بلعنةِ “شيزوفرينيا المشاعر”، فتعيش بحالتين شعوريتين متناقضتين، المشاعر الثابتة على تمنّعها المتباهية بساديِّتها، والمشاعرِ التي تُضعِفُها وتُنهكها فلا تستطيعُ حيالها قمعا.
وتظلّ الحلقة المفرغة التي نستخلِصُ من خلالها تداخلَ المصطلحينِ حدّ الإندماج، ففي خُضمِّ الاستسلامِ ثورة، وفي ذروةِ الثورةِ خُضوع، وبأن الساديّة والمازوشيّة طبقات من الألم، ما أن تكشِف عن أحد المصطلحات حتى تَجِد في لبّه المصطلح الآخر، هذا التناقض الذي يوضِّح “سادومازوشيّة الحب” و”شيزوفرينيا المشاعر” هذه الحالة اللامنطقية التي يشتري فيها المحبُّ البعدَ كما يشتري القرب وربّما دفعَ ثمنَ البعدِ أكثر، فهو تأجيجٌ لمشاعِر القرب، وتوكيدٌ على صلاحيةِ المشاعر الى أزل.

فيديو مقال السادومازوشية في الحب

أضف تعليقك هنا