كيف أشتاق لنفسي؟

بقلم: سالم محمد اليماحي

ذكريات جميلة

تمر الأيام و تمر السنين ، و تبقى أجمل الأحلام و اللحظات في ذاكرتي ، تمر الحياة بمرارتها و قسوتها لكن الجميل يبقى دائماً مترسخ في عقلي . كم تذكرت بيتنا القديم الذي يقع بين سلالات الجبال و بين أحضان الوديان و على مرتفع التلال و تحت سماء الجمال ، الذي يقع في ريف من أرياف العز و الإحسان ، أمامه واحة زرقاء ، صحراء خضراء ، أشجار النخيل الطويلة . أعترف أن الذكريات والحنين والشوق الجارف للماضى يقتلنى يوماً بعد يوم . اشتقت لتلك الأيام ، اشتقت لنفسي ، اشتقت و أنا ما زلت مشتاق على كل لحظة فقدتها على صوت العصافير و صياح الديك و شجرة الرمان الدموي .

بيتنا الذي يطل على منظر خلاب ، به مطبخ صغير  يملؤه حب كبير ، و غرف ذات اللون الأصفر الفتان ، التي تملؤها الفرش الذهبية المريحة ، و دواليب خشبية ، و نوافذ مغطاة بستائر زيتونية مشعة ، بها ورود مزخرفة عليها ، و الجدران الخارجية التي تحمل الألوان الزهية بها أبواب مرسومة من أعواد الخشب الجميلة ، حديدة ثقيلة ، تفتح كل يوم بعد صلاة الفجر  و تغلق بعد صلاة العشاء .

في بيتنا حديقة صغيرة و هي مزرعتي الحبيبة ، كانت لي معها ذكريات كثيرة ، كنت ألعب فيها كل يوم ، و أزرع أنا و أخي خضروات عظيمة طماطم و خيار و أيضاً النعناع الذي ملئت رائحته البيت ، و لا أنسى الفواكه الساحرة من أنبج أخضر ، شمام أصفر  و بطيخ أخضر . دائماً كنت أجلس جانب شجر والدي المفضل شجر الرمان الأحمر و كأنه دم غزال حقيقي ، كنت أقطف منه في مساء كل يوم و أجري به إلى والدي لنأكل معاً ، كان أبي يجلس امام ممر لماء جميل ، هادئ و ساكن الصوت، شكله يشبه النهر الطويل الجاري .

البيت والعائلة في الماضي

و في الضفة الأخرى من البيت ، كان يوجد مجلس صغير ، به مقاعد ملكية ذات اللون الفضي المختلطة مع الذهب و باب بني مائل للحمرة ، و فيه آيات قرآنية محفورة على الجدران ، كانت أمي تضع الفطور فيه كل يوم ، كنت آنذاك صغيراً ، كنت أرى اخوتي و هم يذهبون إلى المدرسة و يرجعون و الفرحة ملئت قلوبهم ، أتذكر حينما كان أخي يحضر معه هدية و كانت شبه الحلاوة من المدرسة ، كنت أشاجره عليها ، حتى تأتي أمي وتقسمها بيننا .

و قبل صلاة كل جمعة ، كان أعمامي و جدي يزورونا ، و كنا نستضيفهم في ذلك المجلس ، وبعدها نذهب للمسجد معاً ، و نقرأ سورة الكهف ، و من ثم نعود و نخرج أمام البيت و نجلس تحت شجر السدر و نأكل الغداء الذي كان موزعاً في تحضيره على الجميع ، لكننا كنا نجتمع في ذلك المكان من كل أسبوع ، حتى وإن كانت ظروف صعبة .

القطط التي أحبها ، كانت تأتي كل يوم أمام غرفة الكتب الملئية بالكتب و الصحف و المجلات الورقية ، و كان إخوتي ينزعجون منها حين تدخل و تدمر الأوراق و لكنني كنت عطوفاً معها ، ألعب معها و أعطيها الأكل و أقدم لها الماء .

و مرت الأيام ، وغابت كل اللحظات مع فراق الكثير لكنها بقت محفورة في عقلي ، أريد العودة لهذا الزمن ولا أرجع منه مرة أخرى حتى أشعر أننى على قيد الحياة بالفعل ، و ها انا في البيت الجديد الذي لم يجعل من اللحظات الجميلة سوى ذكريات مخفية .

بقلم: سالم محمد اليماحي

تمر الأيام و تمر السنين ،و تبقى أجمل الأحلام و اللحظات في ذاكرتي ،تمر الحياة بمرارتها و قسوتها لكن الجميل يبقى دائماً مترسخ في عقلي .

 

أضف تعليقك هنا