أيها المصريون متى يوم البعث؟

صاح الشيخ الكبير في وجهي قائلًا: يا بني ، إني أراك تنفخ في رماد قد يصيب عينيك اللامعتين بالأذى، ما لك وللسياسة والنقد ، وما يهمك إن تحسنت أحوال الناس أو ساءت طالما يرضون ذلك الحال لأنفسهم ، وكيف تنادي بالحرية في بلاد أدمنت الذل والمهانة وألفت الظلم والإهانة ؟! يا بني ، قد تراني بائسًا أصابه العجز ، أو هالكًا شارفه الموت ، أو فقيرًا أنهكه العيش ، لكنني أول ضحاياها !

الحرية 

تلك الحرية التي تنادي بها قد كنت أول المخلصين لها وها أنا صرت أكثر الكافرين بها ، إنها سراب نلهث وراءه أعواماً ثم نجد أننا أصبحنا ضحيةً لأطماعهم ومخططاتهم الخاصة ، هؤلاء الذين يخدعونا دائمًا بالبطولة ويحدثونا بالوطنية ويمنونا بالكرامة ثم لا يترددون أن يسلبونا كل ما نملك حينما نتجرأ علي معارضتهم.
أي بني : إنها ليست بلادنا ..

وبينما كان يكرر تلك الجملة الأخيرة ، لمحت في استدارته دمعةً ربما كانت تجر وراءها نهرًا آخر من دموع العزة التي تفوق النيل غضبًا حينما يفيض ، فحاول أن يخفيها بابتسامة الوداع ! ورحل !

الأمل 

وبعد أيام صعبة لم تفارق فيها تلك الكلمات مسامعي لحظة واحدة ، قابلت أحد الأصدقاء المثقفين وكنت أتحدث معه عن “الأمل” محاولًا بذلك النقاش أن أنسي رسائل الشيخ المدوية ، وقد كنت أتوقع نقاشًا تقليديًا تتردد فيه كلمات الشباب العفوية مثل ” لا تيأس” ” المستقبل قادم” ، أو علي الأقل فقد توقعته مزاحًا يرفع من جرعات الأمل.

وفي وسط الكلام الفارغ وبعد محاولات بائسة من ادعاء القوة واختلاق الأمل ، طرقت مسامعي كلمات أشد مما سبقتها في حوار الشيخ .

اليأس

همس الشاب قائلًا : أتعلم يا أخي : لقد تخطيت الثلاثين من عمري ، وها هم الأهل يلحون علي بالزواج وأنا أكرر الرفض ، وليس هناك أي مانع يعيق قراري إلا أنني أخشي الإنجاب ، فحاولت المزاح معه قائلًا : يا صديقي توكل علي الله ولا تخف ، فلن يكونوا أبشع منك شكلًا ولا أقل منك حظًا على كل حال ، فابتسم وقال في سخرية ممزوجة باليأس : أتراني أحمق لأنجب أطفالًا يعيشون في هذا الذل ويعاصرون تلك الدكتاتورية التي عصفت بأحلامنا وحطمت آمالانا ! كلا، إنها ليست بلادنا يا فتى!

هذه الجملة التي صعقت لسماعها مرة أخري بعد أن كنت أحاول الهروب منها وطمسها من الذاكرة ، ها هي تعاد أمامي بطريقة مماثلة لتغرس بداخلي أول بذور اليأس الذي استوطن الناس جميعًا !

اليأس أصبح مرضاً

لقد كنت أحاول جاهدًا إيجاد حجة للشيخ ، علها تخفف عني حدة كلماته ، فقلت لنفسي لعله رجل كبير لا يقدر علي النضال ومتاعبه ، أما الآن ، فأنا أقف عاجزًا ولا أجد الحجة المناسبة التي تبرر يأس هذا الشاب وقد عهدته علي ذكاء وقوة !ربما أصبح اليأس مرضًا لا يفرق بين كبير أو صغير ، عالم أو جاهل ، لقد انتشر هذا الفيروس اللعين في مجتمعنا !
إلي أين أذهب ؟

الحياة في المجتمع

مرت الأيام وأنا أحلم بالتغيير والحياة في مجتمع يحترم وجودي وحريتي، نعم ، قارب اليأس ، إلا أنني لا زلت أصمد،
وفي لحظةٍ فارقة ، كنت أناقش إحدي أساتذتي في الجامعة في بعض الأمور ، وهي أستاذة مثقفة عرفت عنها الشجاعة والنضال ، وبينما أتحدث إليها عن قيود الكتابة والصحافة ، قالت لي : ” لا تكن شجاعًا إلي الدرجة التي تضرك أيها الطالب النجيب ” ، ربما تزعجهم تلك الشجاعة فيغتالونها فيك، ثم أكملت حديثها بعد أن رأت الدهشة قد اعتلت وجهي قائلةً: الحقيقة يا بني أنني أحذرك زيادة في الحرص عليك.

لكن المؤسف حقًا أن أصبح الخوف علة المثقفين هذه الأيام ، والناس تتخذ سكوت المثقفين مبررًا لقبول الواقع السئ.

إن هذا اليأس المجرم لا يستوطن إلا الضعفاء الذين لا يعترفون بقوة العلم ولا يؤمنون بصدق التاريخ ، فانتصار الحرية قادم لا محالة ، ولو أن كل مثقف اختار السكوت وآثر الراحة لطال الظلم أعوامًا ولصار البطش أمواجًا تقتلع الناس وتمزق الفقراء نتيجة خضوعه.

الحرية وعدم المطالبة بها 

إن كانت الحجة في قلة المطالبين بالحرية وندرة الرفقاء في طريق النضال ، فلرب صوت واحد يؤمن بما يقول يصبح أكثر تأثيرًا وأشد اقتلاعًا للظلم من ألف صوت مرتعد يخاف البطش ويختار النفاق فيردد ما يقوله الناس أحيانًا ويسكت أحيانًا أخري قاتلًا بذلك ضميره أو بائعًا القضيةَ بثمنٍ بخس.

وحق علي المثقفين دائمًا أن يتحدوا ويعترضوا علي الظلم بكل شجاعة وعقلانية ؛ فهذا واجبهم المقدس الذي لا يصح لهم الإنسحاب منه أبدًا ، فبذلك يخونوا الشعب والوطن ويخونوا العلم والقلم.

اغتيال الحرية

أخيرًا نطقت الحكمة ! هكذا قلت بعد سماعي لتلك الكلمات الراقية ، هذه الكلمات التي تمثل طوق نجاة لمن أوشك علي الغرق في بحار اليأس.
أيها العقلاء المثقفين من مختلف الأعمار في أوطاننا !
هنيئًا لهم احتلالكم ! إن الدكتاتورية المستمرة منذ عقود قد استطاعت بالخطط الممنهجة أن تقتل روح الثورة فيكم ، وتكتم صوت الحكمة بداخلكم.
إن اغتيال الحرية في مهدها كان بغرض التخلص من هذا الأمل وذلك الوعي وتلك الشجاعة التي أوجدتها الثورة فيكم ، هم يعرفون أن هذا اليوم العظيم كان ميلادًا لروح جديدة وعقل ناضج وفكر واع ٍقد يطيح بأطماعهم الخبيثة،لذلك تم الإتفاق لزرع الرعب وبث الخوف في قلوبكم من أجل السيطرة لعقود طويلة أخري تكون فيه أجيالكم ضحيةً لسياستهم وفريسةً لسلطتهم.

نداء إلى شباب الثورة 

أيها الشباب القوي في مصر ، شباب الثورة العظماء ومهما كان انتماءكم السياسي ، وفديون أو ناصريون أو إسلاميون أو وطنيون أو أيًا كنتم ومهما اختلفت مسمياتكم.

اسقاطًا لهذا الكلام علي واقع بلدنا المر ، آن لكم أن تعرفوا أنهم جعلوكم طرفًا في حرب لا ناقة لكم فيها ولا جمل ، ليتمكنوا من التخلص منكم ومن أصواتكم بحجة الإرهاب ، اعلنوا عودتكم المستقلة للمشاركة السياسية ، أخبروهم بصوت واضح أنكم شباب حر لا انتماء لكم لفصائل متصارعة علي الحكم ، تحرروا من قيود التبعية لأي حزب أو جهة تسببت في ما نحن عليه الآن ، وكونوا شبابًا واعيًا يطالب بالحرية والديمقراطية والمدينة ، عن طريق التغيير السلمي المتقن والمخطط ، فذلك الطريق الوحيد لتنال البلاد حريتها وتتحقق الديمقراطية ويكون الحاكم مدنيًا !
أيها الشباب و العلماء والقاعدة والمفكرين والساسة :

جميع الموتى في بلادنا يسألونكم بالله : متي يوم البعث !

الشعب ينتظر البعث

إن الشعب ميت ينتظر البعث ، ميت بالخوف ، ميت بالجهل، ميت بالفقر ، ميت باليأس وميت بالمرض ، ولن يكون ذلك البعث إلا بصحوة الإتحاد التي تعيد الأمل في الناس وتغتال اليأس بداخلهم ، فمتي ذلك اليوم !
عليكم أن تعلموا أيها الناس أن أي تفريط تقدمه أجيالنا الآن ، سيتحول إلي لعنة تصيب الأجيال القادمة ،
تذكروا هؤلاء العظماء أمثال العقاد وعرابي وغيرهم من المثقفين المناضلين علي مر تاريخنا العريق وسيروا علي نهجهم العقلاني المتحرر دون أن تخدعكم الشعارات المزيفة لأحزاب وجماعات تريد مصلحتها الخاصة في المقام الأول.

التاريخ يذكر المناضلين

إن التاريخ الذي يذكر هؤلاء المناضلين الذين وهبوا حياتهم لرفعة الأمة وتحرر الوطن ، هو نفس التاريخ الذي يذكر الخائنين ممن باعوا أنفسهم والضعفاء ممن كمموا أفواههم لأجل الراحة والدعة.
نعم ، التاريخ لن يسامحكم إن تخاذلتم عن بناء أوطانكم وسلمتموها دون مقاومة لنظام يسلب الحرية ويحارب الديمقراطية ،
لقد خلقتنا أمهاتنا أحرارًا ولن نستعبد بعد اليوم ..

#الديمقراطية_هي_الحل

#أحمد_صابر

#قلمنجي

فيديو مقال أيها المصريون متى يوم البعث؟

 

أضف تعليقك هنا