الفكر المرجعي والتكامل المنشود للفرد

توالي الحكم الاسلامي

منذ اكثر من اربعة عشر قرنا والفرد المسلم يعيش تجارب مختلفة مع قيادات اسلامية بدأت بأعلى قيمة انسانية متمثلة بالنبي محمد – صلى الله عليه واله وسلم – الذي وحد الامة تحت اسس إلهية وقوانين شرعية مقدسة لا تقبل التحريف و التحوير ، ثم عاش المسلم تحت حكم الخلفاء الراشدين وخلفاء الدول الاسلامية المتعددة حتى وصلوا الى يومنا هذا بقيادات دينية اختلفت في تلك الأسس الإلهية التي ارساها الرسول الكريم – صلى الله عليه واله وسلم – واختلفت ايضا تلك القيادات في الرؤى والافكار والمناهج والتطبيق.

ولعل من ابرز اسباب هذا الاختلاف والتقهقر عن تلك التعاليم الالهية التي وحدت الأمة في صدر الاسلام هو تباين الفكر القيادي وتعدد الرؤى نتيجة لإختلاف التفاسير للنص الشرعي بسبب الابتعاد عن زمن النص نفسه ، وهذا مما فتح باب الإجتهاد امام القيادات الدينية في جميع المذاهب الاسلامية ، ومع الفارق بين الرؤية الفلسفية لمذهب دون آخر فإن باب الإجتهاد في المذهب الجعفري بقي مفتوحًا مما أنتج تعدد المجتهدين وبالتالي إختلاف تفسير النص الشرعي مما نتج عنه إختلاف في الفتاوى التي أثرت بشكل أو بآخر على حياة الفرد المسلم .
ولو ركزنا في بحثنا على المنهج التكاملي المرجو للفرد المسلم والذي تتبناه القيادات المرجعية في المذهب الشيعي الجعفري، نرى ان هذا الجانب قد أخذ حيزًا كبيرًا لدى البعض، بينما أهمل بالكامل من قبل البعض الآخر ،الذي انشغل فقط بفتاوى الحيض والنفاس ورؤية الهلال من عدمها ، مما جعل التابع لهم والمقلد لفتاواهم يعيش في متاهة التقليد الأعمى، دون التفكر في كيفية الرقي بكينونته الانسانية وجعلها في المقام الذي أراده له الله تعالى من خلال التعاليم القرآنية السمحة .

انقسام الفكر المرجعي الشيعي

ولعل انقسام الفكر المرجعي الشيعي في العقود الأخيرة الى مدرستين فقهيتين تتمثل الأولى بمدرسة الشيخ النائيني – رحمه الله – الذي تبنى مطالبه الفقهية والاصولية السيد ابو القاسم الخوئي – رحمه الله – والأخرى المدرسة الأصولية للسيد الشهيد محمد باقر الصدر – رضوان الله تعالى عليه – والتي تميزت بالعمق والعلمية العالية ، والتي يتبنى مطالبها اليوم عدد من المرجعيات لعل ابرزهم المرجع المحقق السيد الصرخي الحسني الذي وضع للفرد المسلم منهجا تكامليًا من خلال جميع كتبه الفقهية التي تمثل الرسالة العملية للمرجع ، حيث كانت كل مقدماتها تمثل منهجا في التكامل الاخلاقي للفرد، وقد تناول المرجع الصرخي اسس تكامل الفرد وسبل الإرتقاء الى القمة من خلال تكييف النفس على تقبل الحق واتباعه .

حيث قال في كتابه ” السير في طريق التكامل”: ان ” الإنسان الذي يريد أنْ يسير في طريق الكمال الروحي والأخلاقي وتربية النفس، عليه أنْ يجعل لنفسه مستويات متدرجة للرقيّ حتى الوصول إلى الغاية القصوى والهدف الأسمى؛ لأنَّ عدم التدرج والاقتصار على الغاية القصوى غالبًا ما يؤدي إلى الإحساس بالتعب والشعور باليأس والعجز عن السير والتكامل، ولعلاج هذه الحالة المَرَضيّة عليه أنْ يتخذ لنفسه عدة مستويات وغايات يسعى ويعمل للوصول إلى المستوى الأول القريب وحينما يصل إليه يشحذ همّته ويضاعف جهده وسعيه للوصول إلى المستوى الثاني وهكذا حتى الوصول إلى المستوى الأعلى النهائي، فالإنسان العاصي الفاسق إذا عجز عن الوصول إلى مستوى العدالة والتكامل المعنوي والأخلاقي، فلا يترك طريق الحقّ ويرضخ وينقاد لخطّ الباطل والرذيلة.

بل عليه أنْ يضع لنفسه مستويات متعددة من الرقيّ، فمثلًا في المستوى الأول عليه أنْ يهتمّ ويسعى للتعوّد علي ترك الكبائر فيعمل في سبيل تنمية وتصفية خاطره في سبيل الترقّي والوصول إلى مستوي يمتنع فيه عن الكبائر، وبعد ذلك يضاعف جهده وسعيه للوصول إلى المستوى الثاني بأنْ يترك الصغائر فيعمل إلى أنْ يعوّد نفسه على ترك الصغائر، وهكذا يضع لنفسه مستويات أخرى إلى أنْ يتقرب شيئًا فشيئًا من حالة ملكة العدالة ويزداد ترقّيه حتى يصل إلى مستوى امتلاك ملكة العدالة، وهكذا بإمكانه أنْ يرتقي إلى مستويات أعلى دون مستوى ومرتبة العصمة”.
هذا النهج للأسف الشديد أفتقده الكثير من المرجعيات المعاصرة التي انشغلت عن تطوير وترقية النفس البشرية، والاهتمام بها بما يوجب توجيهها التوجيه الانساني الصحيح ، فتركوا “الحبل على الغارب” وانشغلوا بفتاوى لا تلامس جوهر الانسان بل تلامس عاطفته وغايته الدنيوية لا غير .

فيديو مقال الفكر المرجعي والتكامل المنشود للفرد

 

أضف تعليقك هنا