انتفاضة الجزائر وصِدام المُسمَيات

انتفاضة 22 فبراير “الحَراك”

منذ البداية، بدا التوجس واضحاً من وسم الانتفاضة الشعبية عند الجزائريين بالثورة. يُمكن القول أن الثورات العربية و مآلاتها شكلت صدمة في الوعي العام بالمصطلحات وجعلت الثورة مصطلحاً يُنذر بالفشل وربما العنف والدمار، وفي هذه البداية اختار الأوائل الذين وسموا انتفاضة 22 فبراير مصطلح “الحَراك”، وهو، بمحدوديته يشي بالنفسيّة الحذرة للمتُحركين إزاء المُستجَد، فهذه الحَركة عند هؤلاء فعل بسيط رغم أهميته ويأتي ليتجاوز مرحلة مستفِزة من السكون والجمود ولا يقين عند هؤلاء من تطوره ليبلغ مبلغ القطيعة وربما الثورة.

ثم أن هؤلاء “الأوائل” من الذين اعتقدوا إلى حدود اليقين بأن مصطلح الثورة فقدَ بريقه وليس هذا فحسب بل أضحى عتبة للحروب ومرادفاً للقتال والعنف. فبالرجوع إلى سياقات ومآلات الثورات العربية التي أضحت مرجعاً تبريرياً في النقاش مع الذات والآخر وكذا تبني الآراء والإعتقاد، كان للمثار عليه دوماً ردّ فعل، غالباً ما كان دمويا، وحتى أولئك الذين سلموا من الحرب الأهلية وبحور الدمّ بدا أن الثورة أكلت مسبباتها وأهدافها بغضّ النظر عن الأفمام التي أكلتها. وهكذا جاء مصطلح الحَراك كخطوة لجسّ النبض فقط، وقد تبدو خطوة وتسميّة سليمة لتفادي التصادم مع اليقينيات المترسخة والتي جاءت كنتيجة لقراءة مُستعجلة وسطحيّة للثورات العربية، و بالتالي كان لابدّ منها للتعبئة وحشد الدعم بهذه الحركة ولاستمراريتها بدرجة أولى.

التجربة الجزائرية واختلاف المسميات

التجربة الجزائرية والصدام مع اسم الفعل لم تكن الأولى في المنطقة بل سبقها الصدام المغربي في “حراك الريف” وقبله، ورغم خصوصيّة المغرب اللغوية التاريخية باعتبار أنه حاول ويُحاول دائما أن يطوّر قاموسا خاصا، على المستويين الرسمي والشعبي، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة الرُهاب تُجاه مصطلح الثورة المترتب عن الانزلاقات والبشاعات “اللَحظويّة” للثورات العربية، ذلك أن مصطلح الحراك لوحده غير قادر على احتواء سقف المطالب العالية المرفوعة والابتكارية والتوسعيّة التي رافقت الاحتجاجات.

بالمثل، يعتبر “الربيع” بُعدا آخر من أبعاد هذا التوجس والخوف، لا أحد يتجاسر اليوم في الجزائر ليوسم ما نعيشه بالربيع أو على الأقل بإرهاصات الربيع، ثمة تشوّه عميق في فهم المفردات واستعمالها دون خلفيّة غير خلفيتها اللغويّة، وهذا كذلك مردّه، ربما، تقليد “التطيّر” و “التحسّس المفرط من النحس” الذي يُلازم الجزائريين في نظرتهم للأشياء من حولهم، ويبدو جلياً بأن هذه الانتفاضة ما كانت لتحشد كل هذه الأصوات لو أنها استعملت منذ البداية هذه المصطلحات المشوّهة والمرتبطة بتأويل ظرفي عام، ليس بالضرورة صحيحا.

الحراك في الجزائر كان تعبيرا عن تلك اللحظة الأولى من دون تبعاتها، أي تلك الاحتجاجات المترددة والمتزايدة شيئا ما والتي كانت تستهدف بناء الثقة للتقدم و”الإحراز”، ثم انتقلنا إلى مرحلة “الما فوق حراك” بعد الزخم وتدافع المطالب في التوالد ومنه زيادة التعبئة وتحصيل بعضا من التنازلات. أما ما نعيشه اليوم بقُطافه فهو ثورة بكل ما تنطوي عليه من آمال النصر والإرضاخ وكذا مخاوف الفشل والنكوص، أي تلك المشاعر المتضاربة والتي تستوجب إيماناً وصمودا وتركيزا لإزاحة المُربِك وتحقيق المستهدَف.

فيديو مقال انتفاضة الجزائر وصِدام المُسمَيات

أضف تعليقك هنا