زوجتي من تل أبيب – الجزء الثاني والأخير

قرار السفر

كان ذلك الاختيار السريع للسفر يوحي أن العجلة لا تؤدي إلى نتيجة، وما إن خطوة الخطوة الأولى خارج المطار حتى رأيت واد الدموع من عينها تمطر توقفت على الجانب حيث يوجد كرسي من رخام فأمعنت النظر فيها بعد أخدت منديل مسحت به دموعها لقد قالت بنبرة ضعف ليس هناك وطن لنا سنظل في شتات ،كنت أحس بصدق أنني احاور أطروحة تاريخ تفصح عن فهواها … كانت الطائرة تحلق فوق رؤوسنا لحظتها قالت لي الأن أنت وطني…

ضممت سوسن إليَّ وجلست بجانبها…

سوسن : لماذا أحببت يهودية؟ وة

أنا : لقد تجاوز الحب العقيدة يا خلتي

سوسن: لم أفهم بعد ما قصدك

أنا: المساءلة ليس دين أو عرق أو أصل المساءلة أنت يا سوسن لقد ظللت أبتعد حتى أوقعتني في حب لا بيد له حيلة ، لقد وضعت كل الاعتبارات وكل الاحتمالات لكن الحب يفشل كل شيء لقد كنت قاب قوسين أن أدخل مكان لا تسمح لي مبادئي دخوله ، لقد أفسد الحب كل شيء لأجله.

سوسن: إذن أنت لا تحبني؟

أنا : يجب أن أجيبك عنها بكتابة دكتوراه أما الأن لن تفهمي أي شيء.

سوسن : لماذا هذا الاستهزاء ،دائما أنت لا تفهمي…

أنا : أقسم أنك لو تصبح أم المسلمين ما تركتي عادة اليهود منك تشكي حتى في الماء الذي تشربينه…

الوصول إلى بيت عائلة سوسن

كانت ضحكتها تنسي قليلا وجع فراق أهلها الطويل…ونحن في طريق العودة مررنا توقفنا كثيرا الصويرة وجهتنا فهناك تقيم عمة لها وصلنا المدينة متأخرين على الساعة السابعة مساء ما ان طرق الباب حتى وجدت اختها أوريت حملقنا جيدا فيها قالت لي هل أتت “إسرائيل” إلينا لم يسعني سوى الضحك لم تسلم على أختها من هول الصدمة حتى دخلنا وسط البيت وجدنا أمها أباها ، لم تعد تشعر وتدرك أنها بقوة الفرح لم تعر أحدا أدب السلام وجدتها تجري وتقفز في بهو البيت أوقفتها وتركتها تسلم على أهلها فأنا للمرة الأولى التي ازور عائلتها .

إيلانا إحداهن اللواتي تبلغن من العمر 21 سنة وهي تماثلنا في السن قدمت للسلام علينا بحشمة تركت في عقلي بصمة بأسلوب حوارها وهي التي تسكن المغرب وتتعامل مع الديانات الثلاث هنا بالصويرة مسلمين ومسيح ويهود ، كانت إيلانا وهي تحكي لنا في الليل الطويل الذي أصريت على أن نسهر فيه قليلا على ان نتعرف الواقع بين الديانات وبين اليهودية تحديدا فرغما ان سوسن أسلمت في رمضان أي بشهريين قبل زواجنا إلا أنه فرض عليا معرفة أفكار اليهود لأنه من المستحيل أن تتخلى عن تنشئتها ، أحسست بسوسن تقترب مني كثيرا وتعمد على قولي خبيبي (حبيبي) كثيرا لأن لسانها لم يفصح العربية ويتقنها بعد وكان اقترابها غيرة من إيلانا وإستر التي التحقت أخيرا وهي في عقدها الثاني تحديدا وتصادفنا مع ذكرى مولدها وهي ابنت عمة سوسن .

عادات اليهود

لقد كنا نتجول ليلا قبل منتصف الليل في هذه المدينة السياحية ولولا طلبي للسيد داود أن يترك إيلانا وإستر لتخرج معنا في هذا الوقت المتأخر لكان صعب علي فهم محيط زوجتي القادمة من تل أبيب ذات الأصل اليهودي ، كانت إيلانا تورني المتاجر والأكزخانات في المدينة القديمة كأنني في صورة تعود لحقبة من الماضي في أوائل القرن السابع عشر أو الثامن عشر ، كنا نتجول بين محلات بيع الأقمشة والزيت ، لقد كان التاريخ يتجسد لي بصورة قلت أن اليهود في تل أبيب لا يعيشونها لقد بدا الوهم الذي خيم على رأس سوسن يزول أكثر قالت باستهزاء تل أبيب بل تل نبيذ … في مزحي معها قلت لها ربما جاءك الحنين إلى كاسات منه .

ضحك الجميع فقالت إستر “شمحلي أحبيبتي ولكن انتنا مزوجة بمسلم وسلمتي مانقدروشي نعطيولك شي كاس” ترجمة هذا الكلام “نعتذر يا حبيبتي فأنت متزوجة برجل مسلم وقد أسلمت ولا نقدر على أن نعطيك كأس منه( أي من النبيذ)” هذا هو الحوار الذي دار ليلتها لقد أحسست أن الوهم الذي يعيش في اليهود بإسرائيل هو وهم المال تعالى إلينا وستحظى بالمال وسنروج للعالم أن فلسطين هي أرضنا… أحسست أن اليوم ينقصه شيء معين وهو أن تشتعل نيران الغيرة عند سوسن فقلت لها ربما أفكر في التعدد ربما أتزوج إيلانا فهي واعية في تفكيرها لم أستطيع إكمال كلامي حتى وجدت يدها تلف عنقي وتشد به قالت اسكت وهذه المرة بعبريتها من جديد….

نعود إلى منزلنا فهو الجمهورية الأصل التي تعتبرها سوسن اليوم وطنها الأصل والأبدي…

فيديو مقال زوجتي من تل أبيب – الجزء الثاني والأخير

أضف تعليقك هنا

ياسر ملكاوي

ياسر ملكاوي